شفان إبراهيم
المفهوم السياسي لمشروع المجلس الوطني الكُردي يُحتم عليه البحث عن حلول سريعة للوضع الميداني والجيو سياسي في عفرين. فمع تتالي الصور ومقاطع الفيديو لاستباحة القرى والمنازل والممتلكات الخاصة بالكُرد، وعلى الرغم من التنديد والقرارات الكثيرة التي صدرت من مختلف الجهات التي دعت إلى عدم مس الممتلكات الخاصة بالكُرد. لكن الواقعة ذاتها أصبحت جزءا من الأحاديث المتداولة لليوميات الكُردية.
عفرين أضحت تحت النفوذ التركي، ولم يصادف في التاريخ أن تكون دولة صادقة النوايا مع أبناء مدينة في دولة أخرى وتبقي على عناصرها الأمنية والعسكرية فيها. المخاوف الكُردية على الصعيدين السياسي والشعبي تتصاعد لدرجة الخوف من تعريب المدينة أو سيطرة تركيا على الشريط الحدودي المحاذي لها.
ومع تتالي التصريحات المؤكدة من قبل الائتلاف والفصائل المسلحة والدولة التركية حول إعادة المدينة إلى أبنائها، إلا أن أيّاً من هذه التصريحات لم يجد طريقه للتنفيذ حتى هذه اللحظة. صحيح أن مؤتمر إنقاذ عفرين جاء بمجموعة من أبناء المدينة لتشكيل لجان ومكاتب لتسيير شؤون أبناء المدينة، لكن ربما المخاوف لن تهدأ إلا بعد زوال الأسباب المؤججة لتلك المخاوف، خاصة إنزال العلم التركي في عفرين، على اعتبار العلم من إحدى رموز السيادة الوطنية.
على الصعيد ذاته وعلى الرغم من تحمل الاتحاد الديمقراطي المسؤولية الكاملة لما جرى انطلاقا من كونه السلطة الحاكمة والآمرة في تلك الرقعة الجغرافية، وعدم قراءتها الصحيحة للواقع السياسي والتحالفات الجديدة، وعدم الاستماع إلى الرأي الروسي، وتخلي الأخيرة عنها في أشد المواقف حرجاً واحتياجاً. لكنه سيدفع ثمن إضعافه للمجلس الوطني الكُردي، حيث لم يدخر الاتحاد الديمقراطي جهداً في سبيل محو وإنهاء المجلس الكُردي ومحاولة تقديم أوراق اعتماده كممثل شرعي ووحيد للشعب الكُردي في سوريا، وهو ما يضع عفرين اليوم كأول نتاجات إضعاف طرف كُردي لطرف آخر، يضعها تحت حماية ووصاية تركيا والائتلاف السوري، وما يضع المجلس الكُردي تحت حرج وضغط كبيرين، خاصة أن استمرار بقاء المجلس ضمن صفوف المعارضة السورية يدفع بإمكانية التصادم الكُردي–الكُردي إلى الصدارة سريعاً كإحدى الأوراق التي يستخدمها الاتحاد الديمقراطي ضد غريمه الوطني الكُردي واتهام الأول للثاني بالمشاركة في الحرب ضدهم.
الموقف السياسي للوطني الكُردي كان واضحاً منذ البداية، وتنديده المستمر بالهجوم التركي والفصائل المسلحة المحسوبة على المعارضة كادت أن تؤدي إلى تصادم بينه وبين الائتلاف، وعدم التئام شمل الكُرد ضمن هدف ومشروع واتفاق واحد ألجم بدوره من قوة المجلس ضمن أروقة المعارضة، خاصة مع غياب أي دور له على الصعيدين العسكري الميداني.
بين هذا وذالك يستمر العفريني في دفع فاتورة التدخل التركي لإخراج الاتحاد الديمقراطي من عفرين، ومع ذلك فإن الهوية الكُردية للمدينة وللغالبية العظمى من أبناء عفرين يُلزم المجلس الكُردي بضرورة إيجاد قنوات تواصل مع أي طرف كان لإخراج تركيا من المدينة وعدم رفع العلم التركي عليها.
عفرين مدينة سورية بهوية كُردية، ولديها ممن الإمكانيات المالية والبشرية ما يجعل بمقدورها أن تُدير شؤونها الداخلية والأمنية والعسكرية، لكن السؤال الأبرز للشارع الكُردي هو: أين دور المجلس الكُردي في عفرين؟ سؤالٌ تُبدده مخاوف تهمة دخولهم بموافقة تركية، عِوضاً عن التوافق المطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى.
مهما كانت آلية دخول المجلس وسيطرته على قطاعات أو القرار السياسي أو جزء منه، فإن أبرز أمرين لابد أن يضمن تحقيقهما، وأن تكلفة دخوله إلى عفرين ستكون باهظة، هما:
1عودة المدنيين والأهالي إلى قراهم وبيوتهم وإعادة كل المسروقات والممتلكات التي صُودرت من قبل بعض الجماعات المسلحة.
2منع أي تعريب للمدينة بما فيها اللاجئين السوريين في تركيا ونقلهم إلى الداخل السوري في عفرين على الرغم من نفي قيادات عسكرية وسياسية للحكومة المؤقتة والائتلاف أي نوع من عملية النقل.
عدا عن ذلك وهو ما يُعتبر الحد الأدنى من المهام الملقاة على عاتق المجلس الكُردي، فإن غياب أي أتفاق سياسي دبلوماسي واضح وصريح بين المجلس الكُردي ومختلف الأطراف المساهمة في قضم عفرين من كُرديتها سيكون وبالاً على الموقف السياسي للمجلس.
وإن لم يتمكن المجلس من الدخول لأسباب عديدة، ربما توجب عليه دعم أي طرف سياسي يتمكن من انتشال عفرين من إمكانية ضمه إلى تركيا، فالمهم الآن في هذه اللحظة وليس غداً، المهم عودة الكُرد إلى قراهم ومدينتهم وعودة الحياة إلى طبيعتها.