د. عبدالوهاب احمد
لم تكن استعراضات أردوغان اليومية حول نيته في إجتياح مدينة منبج أو مدن كردية أخرى شرق الفرات سوى بالونات إختبار لمدى جدية أمريكا في حماية مناطق نفوذها أو التي تتواجد فيها قواتها العسكرية ، وهو الذي كان يمنّي نفسه بسيناريو مشابه كالذي حصل مع الروس في عفرين ، إلا أن الضربة العسكرية الثلاثية ( أمريكية – فرنسية – بريطانية ) لمواقع عسكرية للنظام السوري وما تخللها من مفاوضات أمريكية – روسية حول ترتيبات معينة ما بعد الضربة أوصلت الرسالة التي كانت بمثابة الضوء الاحمر ( الأمريكي – الأوروبي) للحلفاء الجدد تركيا – إيران ومن خلفهم روسيا .
سلطان تركيا المريض كان مزهوٌّ بنشوة انتصاره العسكري في عفرين بعد أن تواطئ معه من تواطئ ، فلهث مسرعاً في عدم التفريط بجمهور الإنتصار هذا من حوله ، و فكرة أن يشاركه أحد من أحزاب المعارضة التركية هذا ” الإنتصار ” وجمهوره تبدو مزعجة لديه ، في وقت كان يعد العدّة للانقضاض على ما تبقى من المعارضين تحت شعار النصر أو “حماية الأمن القومي التركي من الأخطار الخارجية والداخلية ” كما فعلها سابقاً ضد كل صوت معارض له ولحزبه بذريعة التآمر مع الانقلابيين من جماعة فتح الله كولن ، يبدو أن استدارة اردوغان السابقة مع الروس أعجبته فصولها ونتائجها ففعلها ثانية ولكن هذه المرة باتجاه الداخل ومنها إعادة التموضع نحو حلفائه التقليديين في حلف الناتو – أمريكا وأوروبا ، فعرف كيف يستغل حماس جمهور الإنتصار وينسيهم الوعود التي قطعها لهم على نفسه على أنه سيواصل الزحف نحو مدن شرق الفرات من خلال تحويل وجهة جمهور الإنتصار العسكري الى صوت انتخابي لحزبه العدالة والتنمية وذلك بدعوته لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في البلاد .
لعل اكثر ما يدفع اردوغان للتحصن في الداخل هذه المرة هو إدراكه لحجم التأثير الناتج عن أي تغير في السياسية الأمريكية تجاه الملفات الساخنة في المنطقة وعلى رأسها سوريا بعد ان استبدل ترامب إدارته السابقة باخرين اكثر حزماً وجدية ، لا شك أن ما يهم أردوغان هو الحفاظ على ” المكتسبات ” العسكرية التي حققها في عفرين وسوريا وهذا يشكل تحدياً آخر له ولا يريد أن يخسرها ، خاصة وأن فكرة استقدام قوات عربية بقيادة السعودية الى شمال سوريا قد تدخل حيّز التنفيذ بعد ان تستكمل الترتيبات اللازمة وتتهيأ لها الظروف وبدعم أمريكي – اوروبي مباشر . بمعنى آخر ، ما قد يفرض في الشمال السوري من موازين جديدة للقوى سيدفع بالحليفين الإقليمين حول الأزمة السورية تركيا وإيران إلى الانفصال مجبرين و إعادة كل طرف لحساباته جيداً خاصة وأن الهدف المعلن من إرسال هذه القوات الى المنطقة هي للوقوف في وجه التمدد الايراني أو مشروعها في سوريا والمنطقة ، ولكن من جهة أخرى ، ستفرض هذه لقوات واقعا جديداً في الشمال السوري لصالح قوى محلية عشائرية يتم من خلالها تحجيم دور وسلطة القوات العسكرية التابعة لحزب ب ي د هناك ، وكذلك سحب الذرائع من أردوغان لمهاجمة المنطقة بحجة وجود عناصر حزب العمال الكردستاني وهذا بحد ذاته تحجيم للدور التركي وتحركاته في سوريا الذي أوهم سنّتها العرب بأنه اسدهم وسندهم وهذا مالا تقبله السعودية بالذات .
ختام القول: الضربة العسكرية الثلاثية مع طرح فكرة استقدام قوات عربية خلطت الكثير من الأوراق التركية وحسابات أردوغان وأجبرته على الانكفاء الى الداخل التركي مرغماً من خلال الدعوة إلى انتخابات برلمانية غير متوقعة والهاء الأحزاب السياسية والشارع التركي بالتحالفات الانتخابية ونسب التصويت والدخول في معركة تشكيل الحكومة وقيادة تركيا في المرحلة المقبلة .