إيران من الاحتجاجات الداخلية إلى الخناق الخارجي

شفان إبراهيم

يُلخص جون بولتن المزاج الأمريكي الجديد إزاء قضايا الشرق الأوسط، وتحديداً الموقف العام من إيران. حيث بات يتدخل في تحديد سلوك الحكومات الأوربية ويدعوها إلى الالتزام بالقرار الأمريكي، وعدم التعامل الاقتصادي مع إيران تحت التهديد والوعيد بفرض العقوبات على تلك الشركات. في المقابل فإن أهم ما تخشاه أوربا هو المصير المجهول لشركاتها العملاقة “إرباص” و”توتال” و”بيجو” و”فولكسفاغن” التي لم تدخر وقتاً للتفاهم الاقتصادي مع إيران بعد الاتفاق النووي لعام2015.

كانت الإدارة الأمريكية السابقة تنظر إلى إيران من منظور الحاجة للتفاوض، بغية الوصول إلى اتفاق يكبح البرنامج النووي. مقابل ذلك تم التغاضي عن أنشطة إيران العسكرية في الخراج في كل من سوريا العراق اليمن البحرين لبنان، بهدف ضمان استمرار المفاوضات للوصول إلى حل شامل لأنشطتهم النووية.

 

 

انقسم العالم إزاء ذلك إلى معسكرين خليطي الأفكار المتعاكسة. حيث تقاطعت رغبات واشنطن –موسكو- وحلفائهم الغربيين بالاستمرار في الاتفاق النووي والابتعاد عن أي مواجهة عسكرية والنفع بعلاقات اقتصادية أكثر عمقا مع الغرب. قابله حلفاء واشنطن الإقليميين، إسرائيل والسعودية والخليج الذين رفضوا وراقبوا صعود النجم الإيراني بقلق وخوف. خاصة وان أنشطة إيران تزيد من حدّة هواجس الحلفاء التقليديين لواشنطن.

لا إمكانية لإنكار أن السياسات الأمريكية هي التي هيئت الظروف لصعود إيران كقوة إقليمية، ليس اقلها إبقاء الأمريكان على عراق ضعيف عقب الإطاحة بالعدو اللدود لإيران /نظام البعث العراقي/. وإغراق العراق في النزاع السني الشيعي والإبقاء على باب الخلافات العميقة عبر منع حل القضية الكوردية في العراق، والغالبية تدرك أن استقلال كوردستان  يعني عراق عربي قوي، وليس أقل من إقليم سني مُعافى. بدلا من ذلك تحالفت أمريكا مع إيران ضد داعش ومع الحشد الشعبي الممول إيرانياً وبأسلحة ثقيلة كانت للقوات الكوردية دوريا رياديا في تبخيس ثمنها عبر إعطاب عدد من دبابات “إبرامز” في موقعة بردي. عدا عن امتناع إدارة اوباما عن تمويل وتسليح جماعات سورية سنية معتدلة عسكريا كانت كفيلة بخلق توازن عسكري في سوري.

وذاد عليه مؤخراً اكتساح حزب الله لنتائج الانتخابات النيابية، ما أتاح الطريق والضمانات أمام خط إيران لنشر حلفائها وقواتها على الحدود الطويلة مع إسرائيل من البحر المتوسط عبر لبنان وسوريا وصولاً إلى الأردن وربما غزة ما يؤسس لتغيرات خطيرة على صعيد الهندسة الديمغرافية.

وجود صقور قوية في الإدارة الأمريكية الجديدة يُعجل من تنفيذ برنامج ترامب الانتخابي في وضع حدّ للنووي الإيراني، ففحوى تهديد مستشار الأمن القومي الأمريكي يؤكد وجود حرس جديد لا يكترث لدماء الشرقيين ولا للخسائر الاقتصادية للغربيين. ما يهمهم هو حماية الأمن القومي الإسرائيلي وكسب المزيد من سبائك الذهب والمزايا الاقتصادية.

الإرث السلبي لإدارة أوباما في حلّ تضخم نفوذ إيران تضاعف من مهام ومسؤوليات الإدارة الأمريكية الجديدة. ولعل العقوبات ليست سوى خطوة أولى. وربما يعمدون إلى قرار مجلس الأمن 2231 الذي طالب إيران بعدم تنصيب أي نشاط عسكري مرتبط بصورايخ بالستية قد تحمل أسلحة نووية ما دفع بمجلس الأمن القومي الأمريكي لإصدار توضيح أن الصواريخ البالستية القادرة على حمل 500كغ إلى 300كم ستكون بالقطع قادرة على حمل أسلحة نووية.

الوضع الإيراني في الخارج بات يشوبه الخلل الواضح. صحيح إن حزب الله في لبنان اكتسح بيروت وعموم لبنان وبات القوى النيابية الأكبر. لكن مع زيادة وتيرة الضربات الإسرائيلية على المقار والأفرع والنقاط العسكرية الإيرانية في سوريا وتدمير أجزاء من ترسانتها العسكرية وفقدانها لقيادات ميدانية عسكرية يُزيد من الضغط الداخلي والضعف الخارجي. خاصة مع فوز مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية وإمكانية تشكيل الحكومة العراقية بالتحالف مع العبادي وكتلة إياد علاوي وربما يجد عمار الحكيم نفسه مضراً للدخول في تحالف معهم للبقاء ضمن دائرة القوة الفاعلة في الساحة العراقية. ومع اكتساح قائمة الديمقراطي الكوردستاني لحوالي نصف المقاعد المخصصة لكوردستان ضمن البرلمان العراقي إذا أضفنا إليها مقاعد المكونات الأخرى من شبك ويذيديين ومسيحيين، فإن الوضع الإيراني يزداد صعوبة. وهو المحدد الرئيسي الذي سيدفع بإيران للضغط على حلفائه من الكورد والشيعة للتقارب وتشكيل اكبر كتلة نيابية مؤلفة من كتلة المالكي وبعض القوى السنية وبعض القوائم الكوردية على صغر حجمها ومقاعدها.

سيبقى أمام إيران الضغط وتكثيف جهودها بغية كسر شوكة الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية الكوردستانية في أيلول المقبل وضمان خسارة كتلة كوسرت رسول لصالح باقي القوائم والكتل الأخرى لضمان بقاء تأثيرها ضمن الإقليم الكوردستاني. لكن المشكلة الأخرى التي تواجه إيران هي قدرتها الشرائية للنفط الخام المهرب من كركوك تحديداً من قبل كتل كوردية. فالعقوبات المفروضة عليها وانسحاب الشركات الأجنبية واحتمالية عودة المظاهرات مجدداً إلى الساحة الإيرانية مع التكلفة الباهظة للمشاريع العسكرية والتوسعية الخارجية سيضع الاقتصاد الإيراني أمام احد احتمالين الإسراع في التصدع والضعف ثم الانهيار، أو الانسحاب من الخارج وهو ما يعني دمار مستقبلها بعد سبع سنوات من التدخل والتمويل المادي والبشري.

هل ستشهد الساحة السورية حرباً إيرانية أمريكية. الوضع لا يشير إلى ذلك، صحيح إنه ثمة موقفين متباينين لا يمكن التوفيق بينهما. الأول: موقف إسرائيل الرافض لأي جود عسكري إيراني في سوريا، باعتباره تهديد لأمنها القومي كما تصرح. وثانياً موقف إيران الرافض لأي انسحاب، والساعي لجني ثمار أتعابها وحلفائها في سوريا على مدار 7سنوات كما تقول. حتى مع الهجمات والاستهداف للمواقع الإيرانية في سوريا. لكن من المتوقع أن تكون السياسية الإسرائيلية هي الحفاظ على الوضع القائم مع إبعاد إيران عن حدودها، في مقابل الرغبة الإيرانية بتغيير الوضع الحالي وبشكل أدق تغيير مفاهيم والنظام السياسي المتكأ على نظام الدولة –الأمة. علماً أن طبيعة النظامين غير مُحبذة لدعاة السلام والاستقرار فإحداهما توسعي شبه توتاليتاري والأخر ذو نزعة قومجية حادّة، وكلاهما توسّعيتين. لكن مزيد من العمل على إضعاف إيران خارجياً ربما يكون أفضل وأقل تكلفة من الحرب المباشرة.

 

Comments (0)
Add Comment