علي العبد الله – الحياة
تعرض وسط مدينة عفرين (ساحة كاوا الحداد) اليوم 27/6/2018 لتفجير سيارة مفخخة راح ضحيتها 8 قتلى و7 جرحى مدنيين. إنها المرة الأولى التي تشهد فيها المدينة تفجيراً من هذا النوع، تفجيراً لا يستهدف أحداً بعينه ويستهدف الجميع في آن، فالهدف من التفجير إثارة الفزع والفوضى في مجتمع يبحث عن الاستقرار والأمان في ظل ظروف قاسية ترتبت على الغزو التركي للمنطقة، تم الغزو وياللعجب تحت اسم «غصن الزيتون»، وطرد «وحدات حماية الشعب» الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي)، الذي تصنفه أنقرة تنظيماً إرهابياً، على خلفية ارتباطه بحزب العمال الكردستاني التركي، الذي حكم المدينة وشكل فيها كانتونا يوم 29/2/2014 في إطار مشروعه السياسي القاضي بإقامة «ديموقراطية» الشعوب.
لم تكتف القوات التركية بطرد «الوحدات» بل سلمت المنطقة بعامة ومدينة عفرين خاصة للفصائل التي قاتلت إلى جانبها (36 فصيلا)، كي تقوم «بواجبها» بالانتقام من الكرد بإذلالهم وتحطيم كبريائهم وكسر معنوياتهم، باعتبارهم، جميعاً ومن دون استثناء، حاضنة الحزب المذكور، والتي (الفصائل) لم تتورع عن نهب وسرقة ممتلكات المدنيين (سيارات، جرارات زراعية، دراجات نارية، مواشي، دواجن، زيت وزيتون)، وابتزازهم ماليا عبر إشهار سيف الاتهام بالانتماء إلى «الحزب» و «الوحدات»، والسيطرة على أملاك الغائبين وإسكان المقاتلين وأسرهم فيها أو تحويلها إلى مكاتب لهذه الفصائل أو استثمارها بتأجيرها (تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» تحت عنوان «سورية: استيلاء جماعات تدعمها تركيا على الممتلكات في عفرين» صدر يوم 14/6/2018)، والبدء بفرض مسطرة سلوك اجتماعية ودينية على السكان، مثل دعوة النساء الكرديات لارتداء الحجاب الشرعي والاحتشام وارتداء الملابس الفضفاضة، علماً أن المنطقة خليط ديني ومذهبي، مسلمون (سنة وشيعة وعلويون)، ازيديون، ولا دينيون.
وقد زاد الطين بلة نقل آلاف السوريين الذين هجروا قسراً من الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي إلى المنطقة وتوزيعهم على مدنها، 7 آلاف عائلة في مدينة عفرين وحدها، وبلداتها وقراها وإسكانهم في بيوت الكرد الذين فروا من المنطقـــة للنجـــاة بأرواحهم وأرواح أبنائهم وذويهـــم خلال فترة القتال التي استمرت أشهرا، كانت منطقة عفرين قد استقبلت واحتضـــنت، ومنذ سنوات، مئات الآلاف من النازحين السوريين من معظم المحافظات السورية، ما أثار هواجس ومخاوف الكرد من عملية مقصودة هدفها تغيير البنية السكانية للمنطقة وإنهاء طابعها الكردي.
عكست ممارسات القوات التركية والفصائل السورية الموالية، والتي غطاها للأسف الشديد الائتلاف وحكومته، مفارقة من مستويين أولها: سلوك غزاة من القرون الوسطى، وضع جميع السكان في سلة واحدة، سلة المجرّمين، معاقبتهم على كونهم كرداً، بتجاهل تام لمقتضيات القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، الذي يلزم قوات الاحتلال بحماية المدنيين وأملاكهم، خاصة وان تركيا تقول عن نفسها إنها دولة مؤسسات ودولة ديموقراطية. وثانيها: خرق الذريعة التي اعتمدت لتبرير عملية «غصن الزيتون» تحرير المنطقة من الإرهاب بارتكاب أعمال إرهابية فاقت ما كان حاصلا تحت سلطة حزب الاتحاد الديموقراطي وكانتونه العتيد.
قال لي عجوز كردي من عفرين «إنهم فرحوا بإخراج «وحدات حماية الشعب» وحكومة الكانتون من المنطقة، فقد ذاقوا منهم الأمرين، من اللعب بثقافتهم وتقاليدهم الاجتماعية عبر التحكم بالتعليم والقوانين والقضاء والأحوال الشخصية وفرض مسطرة اجتماعية ولادينية، لكن فرحتهم لم تطل كثيراً، فقد أفسد الحكام الجدد فرحتنا بما ارتكبوه من انتهاكات وقمع وبطش فاق بمرات ما ذقناه تحت سلطة الكانتون وإدارته الذاتية».