صفقة بوتين ـ ترامب: تعويم الأسد وتحجيم إيران

ماجد كيالي – العرب

تتّجه الأنظار إلى قمة هلسنكي، التي تعقد اليوم الاثنين بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، وهو الاجتماع الثالث من نوعه بينهما، في غضون عام، بعد الاجتماعين السابقين، وأولهما، عقد في هامبورغ بألمانيا في يوليو عام 2017، على هامش قمة دول العشرين، وثانيهما، عقد في فيتنام في شهر نوفمبر من العام 2017، على هامش مشاركتهما في قمة المنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك).

 

أهمية هذا الاجتماع، على الصعيدين الدولي والإقليمي، كما على الصعيد الثنائي، تتأتّى من مكانة كل من الدولتين، بالنسبة لأوروبا وللشرق الأوسط، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومن تأثير التوافقات بينهما على هذه المنطقة أو تلك، لا سيما بخصوص عديد من الملفات، وأهمها الموقف من إيران، ومن الوضع في سوريا، ومكانة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتعامل مع التدخل الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.

 

ففي الملف الأول، ثمة ما يتعلق بالملف النووي والعقوبات المفروضة على إيران وتحجيم نفوذها الإقليمي وضمن ذلك تحجيم وجودها في سوريا. وفي الملف الثاني، ثمة التوافق على وقف الصراع في سوريا، أو تحديد مستقبل هذا البلد، وكيفية التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة فيه.

 

وفي الملف الثالث، يدور الحديث عن مدى التزام الولايات المتحدة بتقوية حلف الناتو في مواجهة التحدي الروسي، وما إذا كانت الإدارة الأميركية ستخل بهذا الأمر على حساب شركائها أو حلفائها التقليديين في أوروبا.

 

أما الملف الرابع، فهو مرتبط بالثالث أي مسألة الناتو، ويتعلق بإمكان تهاون الولايات المتحدة مع روسيا بالتسليم لها بضم شبه جزيرة القرم، مقابل التخلي عن نفوذها في أوكرانيا.

 

طبعا، فوق ذلك، ثمة ملفات ثنائية خلافية، أيضا، بين روسيا والولايات المتحدة، وضمنها العقوبات الأميركية (التكنولوجية) المفروضة على روسيا، والتدخل لتخفيض أسعار النفط (بحسب الادعاءات الروسية) كوسيلة لإضعاف روسيا اقتصاديا والضغط عليها سياسيا، وثمة خطط نشر “الدرع الصاروخية”، التي ترى فيها روسيا تهديدا لأمنها.

 

المشكلة في هذا الأمر، وفي مناقشة السياستين الأميركية والروسية، أو الترامبية والبوتينية، أنه بات من الصعب التكهّن بمدى حسم كل من الطرفين لموقفه من هذه القضية أو تلك، أو مدى التزامه، من الناحية العملية، بأي توافق قد يحصل.

 

ففي الموقف من سوريا، مثلاً، أضحت الولايات المتحدة تسيطر على ثلث الأراضي في سوريا (إلى حدود شرقي الفرات)، حيث تقع منابع النفط والغاز وخزانات الحبوب والقطن، وهي ظلت تصر على أن هذا الوجود هو لمنع التمدد الإيراني، بإقفال “الكرادور” من إيران إلى لبنان.

 

لكن الأحداث الأخيرة في مدينة درعا، التي تضمنت مساومة مع روسيا، وإسرائيل ضمنيا، بيّنت استعداد الإدارة الأميركية لإدارة ظهرها لمختلف تعهداتها وأقوالها السابقة، ما أدى إلى معاودة النظام السوري السيطرة عليها مؤخّرا، بواسطة القوة الجوية الروسية، ولو أن هذه المساومة انبنت على اشتراط عدم تواجد إيران، أو أي قوة تابعة لها في الجنوب، إلى الحدود مع إسرائيل.

 

وحتى في موضوع إيران فإن الإدارة الأميركية مازالت حتى الآن غير حاسمة أو حائرة، بشأن موقفها من استمرار الاستثمار في الدور الإيراني، لإبقاء الاضطراب في سوريا، وفي المشرق العربي، وتحجيمه فقط (خدمة لإسرائيل)، وبين إنهاء كامل للوجود الإيراني في هذا البلد، وفي الحالتين باستخدام روسيا لهذا الغرض.

 

الفكرة من عرض هذه القضايا هدفها التأكيد على أهمية وخطورة التوافقات أو الخلافات، الأميركية – الروسية، بتداعياتها في الشرق الأوسط وفي أوروبا وفي العالم

 

الملاحظة المهمة أيضا، في هذا السياق، تتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة تريد عقد مساومات أو مقايضات، مع روسيا أم لا، علما إنها تجاهلت ذلك متعمدة خلال السنوات الماضية، رغبة منها، ربما في استخدام روسيا وتوريطها في الصراع السوري، إذ أن الولايات المتحدة كانت رفضت أي مقايضة كانت تريدها روسيا من وراء دخولها سوريا.

 

فهل هذا يعني أن الأوضاع تغيرت، وأنها باتت ناضجة لتغيير في الموقف الأميركي يتمثل في ضرورة حسم الصراع في سوريا ووقفه بشكل أو بآخر، وفق ترتيبات سياسية معينة، تحجم بشار الأسد، أو تعومه لفترة محددة؟

 

ثم ما هي هذه الصفقة الأميركية – الروسية المفترضة، وهل ستشمل التسليم بضم القرم إلى روسيا، ورفع العقوبات التكنولوجية عنها، ورفع أسعار النفط في مقابل تحجيم إيران في السوق النفطي، وتهدئة مخاوف روسيا من خطة الدرع الصاروخية؟

 

بمعنى آخر هل نحن إزاء صفقة كاملة، دولية وإقليمية، أم إزاء صفقات جزئية وموضعية؟ في المقابل ثمة ملاحظة تتعلق بروسيا، أيضا، وما إذا كانت، بعد كل ما حصل، أو ما تعتقد أنها حققته، جاهزة لعقد صفقات؟ أم أنها ترى أنها حققت ما تريده بقوتها وعنادها، سواء في القرم أو في أوكرانيا أو في سوريا، أو من خلال تحالفاتها مع إيران وتركيا؟

 

وفي حال انخرطت في نوع من صفقة فهل ستلتزم روسيا بها، مع علمنا بكل ما حصل في سوريا، إذ أن كل صفقات خفض التصعيد تبينت عن ادعاءات ومخاتلة للواقع، لأنه في ظل هذه الصفقات واصلت روسيا قصفها للمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، من دون مراعاة لأي شيء، لا لاتفاقات ولا لمعايير دولية؟

 

على أي حال فإن أكثر ما يهمنا في هذا اللقاء هو ما سيتمخض عنه بشأن وقف الصراع المرير والمدمر في سوريا، وطبيعة التوافقات في هذا الشأن، سواء في ما يتعلق بنفوذ إيران، أو بما يتعلق بمصير نظام بشار الأسد.

Comments (0)
Add Comment