عفرين وطنيا وقوميا

كاظم خليفة / خاص

من المعلوم ان الحركة السياسية الكردية في سوريا  ومنذ نشأتها تبنت استراتيجية ربط النضال القومي بالنضال الوطني  وترسخت في ثقافتها قيم الديمقراطية والوطنية والعدالة و اعتبار القضية الكردية قضية وطنية يمكن حلها بالاعتماد على الاخوة العربية الكردية والمساواة في الحقوق والواجبات .و ان الظروف الذاتية والموضوعية التي عاشتها القضية الكردية بعد اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم كردستان  بين كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران فرضت على الكرد هذه السياسة الواقعية  . حيث اعتبر الكرد قضيتهم جزءا لا يتجزأ عن القضية الوطنية في البلدان التي قسمت كردستان فيما بينها  ومنها الحركة الكردية في سوريا والتي اعتبرت قضيتها جزءا من القضية السورية عموما متمثلة بالديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات  إلا إن السلطات المستبدة ظلت تتهم الحركة الكردية بالانفصالية والادعاء بأنها تعمل  لاقتطاع أجزاء من بلدانها.  ولأن أعداء الكرد يدركون- وربما أكثر منهم- بأن الشعب الكردي يعيش على أرضه التاريخية وان لا قانون أو شريعة تمنعه من ممارسة  حقه في تقرير مصيره  سوى قانون وشريعة الطغاة والمستبدين. لذلك لا يختلف المغتصبون عن بعضهم لهذا الحق – مهما كانت درجة العداوة بينهم  – في محاربة الكرد وبكل الوسائل الممكنة  .

إن ما حصل في عفرين من احتلال تركي غاشم لها وبتواطؤ من النظام السوري  وبعض القوى الدولية معه هو شاهد  تاريخي حديث يوضح المسار الذي تسير فيه الحركة السياسية الكردية باجنداتها الوطنية وكذلك المسار الذي تسير فيه القوة الغاصبة بعقليتها  العنصرية والشوفينية حيث بدا واضحا مما رسخوه من ثقافة جعلت من بعض السوريين ان يقفوا مؤيدين  لهذا الاحتلال لأنهم ترعرعوا على ذلك الموروث العنصري العدائي للشعب الكردي حيث عمل النظام ولعشرات السنين على إظهاره كألد عدو للعرب وقضيتهم الوطنية والقومية . فعفرين كما يراها الكرد مدينة سورية  كردية بارضها وشعبها واصابها ما أصاب غالبية المدن السورية مما افرزتها الحرب من ويلات.  وهي تمتاز بأهمية تاريخية جغرافية مرعبة لأعداء المشروع  الكردي .هذا المشروع الذي يؤكد في جانبه الوطني على ان عفرين جزء من  سورية لا يمكن القبول باحتلالها أو الاعتداء عليها وهي بذلك لا تختلف عن اية مدينة سورية كما لا تختلف عن ارض الجولان السورية المحتلة والتي دافع عنها الكرد وبذلوا الدماء من أجلها وبهذا النهج اتصف الكرد في جميع المراحل التاريخية  وفي كل أجزاء كردستان . حتى أن قائد الثورة الكردية البرزاني ملا مصطفى  طلب من حكومة العراق أن توقف حربها الظالمة على الشعب الكردي في كردستان العراق ويتوجهوا معا إلى الجولان لتحريرها إلا ان النظام العراقي فضل أن يتنازل عن جزء من أرض العراق  لنظام الشاه الذي يشاركه العداء على الشعب الكردي بغية القضاء عليه ولم يختلف الموقف في كردستان إيران إبان ثورتهم على نظام الشاه وكيف تعامل نظام الخميني فيما بعد مع القضية الكردية بعد نجاح الثورة. وكذلك في تركيا و منذ نشأتها كجمهورية  من عهد أتاتورك وحتى فترة حكم حزب العدالة والتنمية . ويبدو ان التاريخ الآن يعيد نفسه  في كردستان سوريا  إذ أن الكرد وقفوا  ضد الاستعمار الفرنسي وكان لهم شرف قيادة الثورات من أجل الاستقلال  وان يكون الشهيد الأول من أجل كرامة سوريا  الكردي يوسف العظمى  الا ان النظام كغيره من الانظمة الاستبداية الغاصبة وحينما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الكردي الوطنية والقومية يؤكد بأنه  مستعد للتنازل عن عفرين وغيرها من المدن ذات الاغلبية الكردية للأتراك وغيرهم مقابل القضاء على طموحات الشعب الكردي في العيش بدولة ديمقراطية اتحادية.  .أما كرديا  فعفرين مدينة كوردستانية بتاريخها الذي يعود إلى ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد ومنطقة عفرين  كما تؤكد كتب التاريخ والآثار ظهرت بخصائصها الكردية في عهد الهوريين والميتانيين  وبعد تقسيم كردستان واثر اتفاقية فرنسية تركية قسمت هذه المنطقة الكردية بين تركيا وسوريا لتكون مدينة كلس ضمن الحدود  التركية  وعفرين ضمن الحدود السورية ولكنها ظلت  تحافظ على طبيعتها الكردستانية و سكانها الكرد الذين تزيد نسبتهم على 99  بالمئة . وهي منطقة تزخر بالينابيع والجبال والأشجار والشعراء والفنانين  والمناضلين ويكاد أن يتلخص فيها كل خصائص الشعب الكردي بتاريخه وتقاليده وطبيعته وعشقه للحياة الحرة الكريمة. ولقد بات جليا بأن الأنظمة الاستبدادية تبحث دوما عن أعداء من الداخل والخارج وتزرع الفتنة والاحقاد بين مكونات الشعب على أسس قومية أو دينية أو مذهبية. .ليظهر بأنه المحافظ على وحدة الأرض والسيادة الوطنية ولكن التجربة التي عاشها الشعب السوري مع نظام الاستبداد  وخاصة في السنوات السبعة الأخيرة أكدت أن كل تلك الادعاءات بهتان وزيف وان الصرخة المدوية للسوريين إبان ثورتهم _الشعب السوري واحد _كانت وستظل هي الحقيقة المعبرة عن مصلحتهم كشعب يسعى إلى الحياة الحرة الكريمة  في وطن متقدم مزدهر وعليه فإن قضية عفرين هي قضية كل السوريين  وهي كأي جزء عزيز من الوطن لا يمكن القبول باقتطاعه والتحكم به من دولة اخرى بأي ذريعة كانت فعلى السوريين ان يتكاتفوا للدفاع عن أي جزء من وطنهم  .وعلى الغافلين منهم ان يتنبهوا  بأن الخطر على الوحدة الوطنية لا يأتي من مكونات شعبنا  بل من الانظمة الفاسدة التي تحرق الأوطان وتبيع كل شيء من أجل الحفاظ على سلطتها .

 

 

 

 

Comments (0)
Add Comment