فيصل يوسف
الاستفتاء الذي جرى بكردستان العراق لم يكن اجراء عاديا مثل اية انتخابات دورية تجرى لتشكيل برلمانات او مجالس بل جاء تتويجا لطموح يحمله أي كردي يتطلع للحياة الحرة الكريمة مثل باقي شعوب الارض لكنه يفتقدها بسبب التقسيمات التي جرت في اعقاب صراع الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية وتاليا بعد الحرب العالمية الأولى وما نتج عنه من معاهدات بين الدول المشاركة فيها ولم تأخذ بالاعتبار سوى مصالحها ضاربة عرض الحائط حقوق الشعب الكردي وحقه في تقرير المصير
على الرغم من المواقف التي اتخذت من قبل الدول الاقليمية التي تقتسم كردستان واسناد دول اخرى لها حفاظا على مصالحها “وامنها القومي ” واعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب لكن الاستفتاء شكل ارضية ومحطة جديدة للشعب الكردي ليعيد النظر في تجاربه وحساباته وبرامجه المستقبلية كما عكس ذلك في سياسات الدول الاخرى وحقيقة ان لا استقرار ولا امان في منطقة الشرق الاوسط ان لم يحصل هذا الشعب على حقه في تقرير المصير
كردستان وبعد عام على اجراء الاستفتاء وعدم القبول بنتائجه من قبل حكومة العبادي والدول التي آزرته حينذاك ليس كما اعتقده البعض بانه بات في حكم المنهك والتراجع ولن يكون له دور في المستقبل وسيكون محكوما بما ارادته حلفاء العداء لنتائج الاستفتاء فقد تمكن الاقليم وبقيادته الواثقة بالشعب الكردي والاصدقاء بإعادة الكرة لملعب من راهنوا على ترتيب وضع اقليمي في مواجهة الارهاب والتمدد الايراني بالاعتماد على بعض الشخصيات والقوى السياسية العراقية واثبتت بان هذه الرؤية قاصرة وبنيت على معطيات خاطئة وعلى العكس من ذلك فان عراقا ديمقراطيا فيدراليا يلعب دورا هاما في محاربة الارهاب والتمدد الايراني وعلى صعيد المنطقة عموما لا يمكن بدون الشعب الكردي وقيادته
كل المؤشرات التي تتالت بعد الاستفتاء اثبتت بما لا يدع مجالا للشك بان من اراد الغاء نتائج الاستفتاء قد اخطأ في حساباته لان الرئيس مسعود بارزاني قد عبر عن ارادة الشعب الكردي ولم يكن خيار الاستفتاء قرارا شخصيا مرتبطا به ولهذا فقد زاد من ثقة الشعب به والتف حوله وبقي مطالبا بنتائج الاستفتاء في القضايا القومية الكردية وهو ما بدا جليا وواضحا في نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية حيث جدد الكرد ثقتهم به وبحزبه وتيقن اغلب الساسة العراقيون باهمية دوره لرسم معالم العراق الجديد لان الاستفتاء افرز حالة املت على الجميع بان عقلية الهيمنة والطائفية التي مارستها الفئة الحاكمة كانت السبب في تدهور العراق وسقوط الموصل وسيادة الفساد واحدثت شروخا هائلة في جسم الدولة العراقية وباتت على شفا الانهيار
ان اقليم كردستان بمكانته وحكومته الرسمية وقيادته الشعبية الكاريزمية ممثلة بالرئيس بارزاني تمتلك من الاوراق ما لا يمكن تجاهلها في بناء دولة عراقية بمنأى عن التدخلات والهيمنة الخارجية واقليميا فان الدول المعنية بالقضية الكردية تركيا وايران وسوريا لابد من تغيير سياساتها الهادفة للوقوف في مواجهة حقوق الشعب الكردي لان المتغيرات التي حصلت والتجارب السابقة اكدت ان لا جدوى منها بل ان وجود حالة كردستان العراق وقيادتها عامل مهم وايجابي لمساعدتها في ايجاد الحلول في اطار سلمي ديمقراطي وطالما ابدت استعدادا لذلك ودوليا فان الارهاب العابر للقارات واستفحاله بالسنوات الاخيرة لمواجهته لا تستطيع القفز على مكانة كردستان وحقوق الشعب الكردي لأسباب عديدة
عموما الاستفتاء اعاد الاعتبار لحقيقة ان القضية الكردية هي قضية شعب يعيش على ارضه في منطقة الشرق الاوسط وان واقعه الحالي وتوزعه بين عدة دول تتفق على اقصائه من الشراكات الوطنية لن يكون ذا فائدة وجدوى واللجوء فقط للحلول المرتبطة بمصالح انية متغيرة واعتبارها مسالة داخلية تخص الدول التي يعيش فيها الشعب الكردي لان من الحق بها كانت قرارات دولية مجحفة ولابد من تصور واضح لدول القرار العالمي لخريطة منطقة الشرق الاوسط التي شابتها الحروب والتوترات طيلة القرن المنصرم ان اريدت لها السلام والاستقرار ولاشك بان وضع الشعب الكردي ودوره سيكون في راس قائمة الحلول المنشودة لهذه الغاية ….