وثقت لجنة تحقيق دولية، تتضمن منظمة العفو الدولية إلى جانب منظمات أخرى، انتهاكات كثيرة تقوم بها فصائل مسلحة تابعة لتركيا في منطقة عفرين بغربي كوردستان (كوردستان سوريا)، كما رصدت كثرة المضايقات وانتشار ظواهر الاختطاف والمطالبات بمبالغ مالية كبيرة لتحرير المخطوفين.
ويقول تقرير صادر عن اللجنة، إن القوات التركية والفصائل الموالية لها غيّرت الكثير من معالم المدينة. فتحول دوار كاوا الحداد، تيمناً ببطل أسطوري كوردي دمرت الفصائل تمثاله إثر سيطرتها على المدينة، إلى «دوار غصن الزيتون».
وكتبت اللافتة الجديدة المقتبسة من تسمية الهجوم على عفرين، باللغتين العربية والتركية.
وفي وسط المدينة، ترتفع في ساحة لافتة كتب عليها «ساحة الرئيس رجب طيب أردوغان»، بينما حوّل الجيش التركي مبنى قريب إلى مقر له وأحاطه بجدار إسمنتي.
ويروي سكان عفرين أنهم يتعرضون لانتهاكات مختلفة على أيدي فصائل سورية موالية لأنقرة منذ سيطرتها على المنطقة ذات الغالبية الكوردية قبل أشهر، متحدثين عن عمليات خطف مقابل فدية، واستيلاء على منازل وممتلكات، واعتقالات وتعذيب..
ويسرد سكان استخدموا أسماء مستعارة خشية تعرضهم للملاحقة، تفاصيل عن مضايقات واسعة يعانون منها في مدينة عفرين، تدفعهم الى ملازمة منازلهم وعدم الخروج إلا في حالة الضرورة.
وقال أحمد (55 عاماً): «سرقوا بيت ابني ولم يتركوا شيئاً. حتى الثياب أخذوها، كما أخذوا دراجتي النارية و20 عبوة زيت واستولوا على محل المشروبات (الروحية) الذي كنا نملكه».
وسيطرت القوات التركية مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين في آذار / مارس إثر عملية عسكرية ضد المقاتلين الكورد استمرت نحو شهرين.
ومنذ ذلك الحين، وثقت منظمات حقوقيّة عدة بينها منظمة العفو الدولية انتهاكات واسعة وعمليات نهب.
وأجبرت العمليات العسكرية، وفق الأمم المتحدة، نصف عدد السكان البالغ 320 ألفاً، بينهم أحمد وعائلته، على الفرار. ولم يتمكن العدد الأكبر منهم من العودة إلى منازلهم.
أما من تمكنوا من العودة، فقد وجدوا أن منازلهم تحولت الى مأوى لسكان تم إجلاؤهم من الغوطة الشرقية قرب دمشق، أو تعرضت للنهب و«جُردت من الأثاث والأجهزة الكهربائية وكل أدوات الزينة»، وفق ما أوردت لجنة التحقيق حول سوريا التابعة للأمم المتحدة في تقرير الشهر الماضي.
عد عودته الى عفرين، وجد أحمد مدينته غارقة في حالة من الفوضى. وقال: «هربنا من القذائف وحين عدنا لم أجد حتى الجرار الزراعي».
وأضاف «لا نستطيع أن ننام ليلاً جراء إطلاق الرصاص المتكرر».
وروى سليم (50 عاماً)، الذي بقي في عفرين مع عائلته، «عندما دخلوا الى المدينة، لم يتركوا آلية إلا وسرقوها حتى كابلات الكهرباء نزعوها» لبيعها.
واضطر سكان آخرون، وفق لجنة التحقيق الدولية إلى إعادة شراء سياراتهم بعد سلبها منهم، مقابل دفع مبلغ يراوح بين ألفين وخمسة آلاف دولار. كما دفع البعض رشاوى للمقاتلين على الحواجز مقابل السماح لهم بالعودة إلى قراهم.
ويواجه سليم صعوبة في الوصول إلى حقول الزيتون التي تحيط بعفرين من كل ناحية وصوب وتعرف بجودة زيتها. وقال: «إذا لم تحصل على ورقة من المجلس المحلي (الذي أنشأته أنقرة والفصائل لإدارة المنطقة)، لا يمكنك أن تدخل الى أرضك».
لكن الحصول على هذه الموافقة لا يعني بالضرورة أن من يحملها بات بأمان.
وتابع سليم «الأمر مرتبط بالحظ، فقد تلاقيك مجموعة (مسلحة) على الطريق إلى أرضك وتخطفك مقابل طلب فدية تتراوح بين 15 وخمسين ألف دولاراً»، مضيفاً «لا يجرؤ الكورد على الخروج من منازلهم».
ووثقت كل من الأمم المتحدة والمرصد السوري لحقوق الإنسان حصول عمليات خطف مقابل فدية. وأفاد المرصد عن قيام فصيل موال لتركيا بخطف 40 شخصاً خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، واقتيادهم إلى «مراكز خطف» تابعة له.
وبحسب المرصد، يتعرض «المخطوفون في تلك المراكز للتعذيب والضرب قبل أن يُطالَب ذووهم بدفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عنهم».
وتحولت عمليات الخطف هذه وفق المرصد، إلى «مصدر لتحصيل الأموال».
وروى إبراهيم، وهو عامل صيانة، «اتهموني مرة أنني شبيح (تسمية يطلقها المعارضون على الموالين للنظام)، ومرة أنني أنتمي إلى حزب العمال الكوردستاني».
وأضاف «ألقوا القبض علي وأخذوني إلى مقر خارج عفرين، علقوني على البالانكو (طريقة تعذيب عبر التعليق من اليدين) وضربوني».
وتنفي تركيا الاتهامات حول حصول أي انتهاكات، بينما تؤكد قيادة الفصائل أن مرتكبي الجرائم والسرقات يعاقبون بانتظام.
ورغم الشكاوى التي يتقدمون بها إلى المجلس المحلي أو القوات التركية في عفرين، يقول سكان المدينة إن لا من مُجيب، مشيرين إلى أن المضايقات لا تفرّق بين مكون كوردي أو عربي.
وتتحدث سامية، الطالبة العربية في عفرين، عن مقتل والدها أمام عينيها على أيدي مسلحين هاجموا منزلهم لسرقة السيارات.
وقالت: «في المرة الأولى، أخرجهم والدي من المنزل، لكنهم عادوا في المرة الثانية للانتقام وقتلوه».
وبعد توقيف الفصائل للقاتل، «أدخل إلى السجن لشهر واحد فقط»، وخرج بعدها. وقالت بحسرة «ذهبت دماء والدي سدى».
ووثقت لجنة التحقيق الدولية «أنماطاً من الاستيلاء على المنازل». وأوردت أن مقاتلين وصلوا مع عائلاتهم من الغوطة الشرقية «استولوا» على منازل الكورد الذين شردتهم المعارك.
في وسط مدينة عفرين، افتتح نازحون من الغوطة الشرقية محالاً عدة ومطاعم.
وتحسّر أبو جهاد (60 عاماً) على الأمان الذي تنعّم به سكان عفرين قبل دخول الفصائل إليها.
وقال: «المضايقات كثيرة، ظلم وظلم وظلم ولا من يحاسبهم».
باس نيوز