لطالما أفتخرنا بكوننا ابناء وطن يعتبر منزل الانبياء والرسل ، وطن شهد الولادة الاولى لمختلف العقائد والاديان السماوية على مر التاريخ ولكن هل سألنا أنفسنا لماذا نحن في آخر السلم التطوري في العالم، لماذا مايزال هذا الوطن متأخرا، متخلفا في جميع نواحي الحياة ؟! هل هو الحظ التعيس ؟؟ بالتأكيد لا.
أذن ما السر وراء عدم استقرار هذا المجتمع الذي يعتبر من اقدم المجتمعات البشرية ؟؟
مجتمع مبني على قانون المؤسسة الدينية العقائدية
برأيي الشخصي المتواضع ان بنية مجتمعنا ونظامه مبنية على اساس ديني بحت كما هو قانون دولتنا الذي يستمد وجوده من النصوص الدينية وتفاسيرها، ومع مر الزمن يتحول هذا القانون الى اخلاق مجتمعية وعادات وتقاليد ومفاهيم تفصيلية للحياة اليومية. لكن عندما يحدث جدل داخل المؤسسة الدينية وعندما تتصارع النخب الدينية وتتقاطع وجهات نظرها تتزلزل الاسس التي يقوم عليها المجتمع برمته ويصبح القانون وكل اخلاقياته محض منطقة رمادية تتصارع فيها الافكار والقناعات والتفسيرات الدينية . هذا الصراع يؤدي بالمجتمع وبالتالي بالافراد الى انتهاج سلوك فوضوي وغوغائي يدمر ما تم بنائه في فترة الهدوء العقائدي التي سبقته وهكذا تتوالى النزاعات وتتوالى المصائب في هذا الوطن الذي لم يسعد في عمره.
مجتمع مبني على اخلاق القانون
المجتمع الاوروبي او الغربي ، وكل ما حققه من هدوء واستقرار في المجال المجتمعي لم يأت من فراغ ، فبعد قرون من حروب دموية ذات طابع عقائدي وديني ، توصل عقلائه الى قرار حكيم ، هو ان العقيدة الايمانية كانت ولا زالت وستبقى مسألة قناعة وتفسير وما دامت كذلك ستبقى العقيدة الدينية في صراع داخلي سفسطائي غير متناههي . لذلك قرر قادة أوروبا في معاهداتهم التي تضمنها صلح ويستفيليا سنة 1648 ان يضعوا حدا لتدخل المؤسسة الدينية في تفاصيل الحياة السياسية – القانونية المجتمعية وسن العقلاء الاوروبيون القوانين الوضعية المدنية. مع الوقت تحولت هذه القوانين الى عرف وتقاليد واخلاق مجتمعية، مثلا ان سبقت غيرك في الطابور الواقف في السوبرماركت او رميت نفاياتك من نافذة السيارة لم يعد هذا في اوروبا فقط منافيا للقانون بل يعتبره الجميع هنالك عملا وفعلا غير اخلاقي ، اذن تحول لديهم القانون الى اخلاق وعرف مجتمعية عميقة. هذا التحول الرائع الذي جعل من القانون مصدرا للأخلاق المجتمعية ادى الى استقرار مجتمعي قوي في المجتمعات الاوروبية رغم النزاعات العسكرية ورغم الصراعات الفكرية والعقائدية.
عندما لا يتجاوز المواطن في وطني اشارة المرور بعد منتصف الليل في حالة عدم وجود شرطي المرور ليراقبه و لأنه يعتقد بأن هذا التصرف معيب اخلاقيا .. سأقتنع بأننا نتجه بخطوات وان كانت بطيئة نحو الامام .. نحو بناء مجتمع اكثر استقرارا .. نحو مجتمع مبني على اخلاق القانون.
آنو جوهر