لماذا خطفوا الآشوريين ودمَّروا الآثار والتماثيل؟

قبل أيام نشرت صحيفة «الحياة» على صفحتها الأولى العنوان الآتي: «داعش على البوابة الشرقية لدمشق.. يحطم التراث الآشوري ويحرق الكتب في الموصل»، عنوان موجز مختصر، يشير إلى أن معظم التقارير الإخبارية وآراء بعض المحللين التي تحدثت في الفترة الماضية حول انهيار وانحسار المنظومة القتالية لتنظيم داعش في العراق والشام، وأنها أصبحت في موقف دفاعي، وانهيار المعنويات داخل صفوفه، واستنزاف معظم قدراته القتالية؛ جراء الهزيمة التي لحقت به في عين العرب (كوباني) شمال حلب، لا تعدو كونها من باب الأماني وإن شئت قل من باب المبالغات، فما يجري حتى الآن وفي ظل التطورات والأحداث الراهنة هو أن التنظيم بالفعل يعاني من أزمات وتراجع في بعض المناطق، ولكنه سرعان ما يعيد تموضعه ويتمدد في مناطق أخرى، وكلما شعر بأنه أُرهِق بعد محاولته التمدد نحو منطقة معينة وبات أقرب إلى الخسارة نجده يعمد دائماً إلى الانسحاب من تلك المنطقة لإعادة رصّ صفوفه في معاقله ومناطقه الرئيسة، ومراجعة استراتيجياته، والعمل على فتح جبهات جديدة للتعويض عن خسائره الأخرى، وهو ما يؤكد حجم الخلل في الإستراتيجية التي ينهجها التحالف حتى الآن في حربه ضد داعش، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التنظيم قد عمل على بناء إستراتيجية أصبحت نمطاً راسخاً في تحركاته؛ من أجل التخلص من نقاط ضعفه البنيوية وإشغال أتباعه بديمومة الجهاد والقتال، وهو أنه كلما شعر بتراجع نتيجة خسائره وانتكاساته العسكرية والميدانية يلجأ دوماً إلى سلاحه الأبرز، الحرب النفسية واستخدام الآلة الدعائية، للتعويض عن خسائره، واستخدام كل الوسائل المتاحة مهْما بلغت بشاعتها، في نشر دعاية ترسخ صورة أساسية للتنظيم تستند إلى إقناع الجمهور بقوة التنظيم وصعوبة هزيمته، وخلق صورة مرعبة تتجاوز قوة وقدرات التنظيم الحقيقية.

وعلى ضوء ذلك، نجد أن التنظيم في الأيام الماضية ومن الناحية العسكرية اقتحم سريعاً قرى وبلدات عدّة بريف الحسكة يسكنها الآشوريون المسيحيون، إذ تمكن من السيطرة على 11 قرية، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل اكتمل السيناريو الوحشي باقتحام منازل المدنيين العزّل، وحرق بعض الكنائس، واختطاف عائلات بأكملها، بما في ذلك الآباء والأمهات والأطفال، وقد بلغ إجمالي المسيحيين الآشوريين المختطفين ما لا يقل عن 250 شخصاً، نقلهم إلى معقله في مدينة الشدادي التي تبعد عن الحسكة نحو 25 ميلاً، وهو ما يعني أن غارات التحالف التي استهدفت مدينة الشدادي التي نقل إليها المخطوفين على مدى الأشهر الماضية بعشرات الغارات، والتي اشتدت بعد مقتل الكساسبة وفقاً لتصريحات التحالف، لم تؤدِّ إلى إضعاف وإنهاك قدرات التنظيم، ولم تمنعه حتى من تسيير أرتاله منها.

وأما ما يتعلق بشأن مصير هؤلاء المخطوفين فإن كل الاحتمالات واردة، بين التفاوض للإفراج عنهم، أو مقايضتهم بالمال، أو مبادلتهم بأسراهم لدى وحدات حماية الشعب الكردية، وأسوأ تلك الاحتمال هو أن يعمد التنظيم إلى إصدار شريط فيديو يهدد فيه التحالف والعالم المسيحي بقتل الآشوريين؛ لاستفزاز الولايات المتحدة وإثارة العالم الغربي المسيحي؛ وجرهم وتوريطهم في حرب برية، يهدف منها إلى تجنيد عدد أكبر من الشباب بدعوى الجهاد، وخوض حرب دولية صليبية ضد الدول التي ستأتي إلى قتالهم، وهو مطلب داعشي بامتياز، ولكن ظروف ضعف موارد التنظيم الاقتصادية في الآونة الأخيرة تشير إلى أنه قد يستخدم ورقة المخطوفين؛ للمساومة المالية في مقابل الإفراج عنهم.

وفي المقابل وفي الوقت ذاته، نجد أن تنظيم «داعش» الإرهابي بث عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يتضمن صوراً تجسِّد وحشية تدميرهم للتاريخ الح ضاري الإنساني في متحف الموصل، إذ اقتحم مسلحون تابعون للتنظيم مبنى المتحف، حاملين معهم مطارق حديدية حطموا بها تماثيل وتحفاً ولقى أثرية، بعضها يعود إلى عصور ما قبل الميلاد، وظهر في التسجيل أحد العناصر وهو يعلق بأنها «أصنام» وينبغي تحطيمها حتى إن بلغ ثمنها الملايين.

واقتحم عناصر آخرون المكتبة المركزية وسط مدينة الموصل، وأحرقوا الآلاف من المخطوطات والوثائق النادرة وكتب ودواوين الشعر العربي، وجرى بعد ذلك تفخيخ وتفجير مبنى المكتبة المكوّن من ثلاثة طوابق، هذا النهج والترويج الإعلامي في ارتكاب هذه الجريمة بصورة همجية وسط تعليقات أنصاره ومؤيديه، من الواضح أن التنظيم يهدف من خلالها ومن خلال مختلف ممارساته على تقديم نفسه كدولة وحاكم للمجتمع، تعمل على فرض وتطبيق أحكام الشريعة وتطهير المجتمع من الشركيات والبدع كافة، وهو يدرك أنه لن يعدم أن يجد في التراث السلفي من آراء وفتاوى تأمر بتحطيم الأوثان والتماثيل وحرق وإتلاف كتب الضلال والشعر، بل ولكل ممارساته الأخرى مهما بلغت بشاعتها وشناعتها، ولذلك نجد أن التنظيم حريص على سد الثغرات والمآخذ كافة على أفعاله وتصرفاته بتلك الآراء والفتاوى، التي تضفي المشروعية الدينية لها، ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن ارتكاب هذه الجريمة والترويج الإعلامي لها في شبكات التواصل الاجتماعي في هذا التوقيت كان مقصوداً، فالتنظيم قد وقع في مأزق بعد عملية نقل ضريح سليمان شاه على يد القوات التركية في حدود المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، باعتبار أن ذلك الضريح قد ظل شامخاً فترة طويلة ولم يمسَّ بسوء، فجاءت هذه العملية تغطية وخروجاً من مأزق هذا التناقض الذي تسبب بإرباك كبير لدى أتباعه ومؤيديه، والذي لم يجد التنظيم له مخرجاً سوى التلاعب بأنصاره بأكذوبة قالها أحد شرعي التنظيم، وهو أن الضريح مجرد متحف تاريخي ولا يوجد به قبر.

حسن بن سالم

Comments (0)
Add Comment