بدأت الثورة السورية السلمية قبل اكثر من عشر سنوات في ظروف دولية وإقليمية كانت بمعظمها داعمة لمطالب المتظاهرين الداعين للإصلاح والتغيير، وهذا ما شجع اغلبية الشعب السوري المتضرر من الاستبداد والفساد وحكم الحزب الواحد من المشاركة بقوة في الاحتجاجات التي جرت في جميع انحاء البلاد ، وتوقع الكثير من المراقبين السياسيين بأن التغيير بات قاب قوسين او ادنى ، وفي هذا السياق، صدرت بيانات وقرارات أممية وعن جامعة الدول العربية ، تؤكد على إيجاد حل سياسي يضمن آلية لانتقال سياسي سلمي وكتابة دستور جديد يقر بحقوق مكونات الشعب السوري ، إلا أن النظام لم يقبل بها ولجأ للعنف والاعتقالات ومواجهة المتظاهرين بالرصاص ما أدى الى حمل السلاح من قبل بعض قوى الثورة والمعارضة أيضا ، ما افضى لوضع ارتهنت القضية السورية للجهات الدولية والاقليمية ، ولم يعد للنظام والمعارضة إلا القليل من التأثير في سير الأحداث لاحقاً ، وإذا كان هدف النظام منذ البداية هو البقاء واتبع شتى الوسائل من أجل ذلك ، فإن المعارضة ولأسباب عديدة لم تتمكن من قيادة الثورة وطرح برامج تعبر عن وحدة الشعب السوري بكل اعراقه واديانه وفئاته ، لابل تشتت ودخلت في صراعات جانبية على حساب الهدف الرئيسي للثورة . وبات البلاد يعيش راهناً في وضع متأزم ، ما انعكس سلباً على مجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والصحية .
“تشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة تفوق 4.5 مليون في العام الماضي، ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين في حالة فقر مدقع، بأقل من 1.90 دولاراً في اليوم، والكارثة الإنسانية السورية هي اليوم واحدة من بين أكبر الكوارث في العالم .” ومما يزيد من حجم معاناة السوريين انتشار وباء كوفيد – 19 في غياب خطط ناجعة للسيطرة عليه، وكذا المعدلات القياسية للجفاف التي أصابت الأراضي الزراعية وقضت على المحاصيل، وبالتالي تفاقم الحاجات الأساسية للناس دون توفّر المصادر لتأمينها .. وانهيار العملة السورية لمستويات قياسية، .. علاوة على نزوح ولجوء اكثر من ١٢ مليون سوري، ومئات الألوف من الضحايا بين جريح وقتيل ،ومن يقبعون في زنزانات النظام ، وانهيار النظام التعليمي ، وبقاء عشرات الآلاف من الأطفال مشردين دون رعاية وتعليم .
أمام هذا الهول وحجم المأساة ، فان المجتمع الدولي لازال عاجزا عن تطبيق قراراته، ذات الشأن وتتخذ بعضها من الساحة السورية منطلقا لتحقيق مكاسب لمصالحها تحت ذريعة ” امنها القومي ومكافحة الإرهاب ” او غير ذلك ودون ان تتقدم مؤتمرات جنيف حول سوريا، أو اجتماعات اللجنة الدستورية ، إلى أي نتيجة ملموسة ، ما يتطلب من قوى المعارضة السورية الى تحرك جدي وفاعل، واتخاذ خطوات ملموسة بعد اجراء دراسة موضوعية ودقيقة للسنوات العشرة المنصرمة من عمر الثورة ، تأخذ بالاعتبار التحولات التي طرأت على أكثر من صعيد دوليا وإقليميا وداخليا ، ومنها :
١ – أن الشعب السوري هو صاحب الحق في تقرير مصيره بموجب قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ ، ولأيمكن لأي جهة تنفيذ أي حل أو تسوية دون موافقتهم ، وهذا ما يملي على المعارضة ابتكار اشكال من العمل لإعادة الاعتبار للقرار السوري المعارض، وتحييده عن التجاذبات الإقليمية والدولية والتي تغيرت مواقفها جميعا من الأوضاع في البلاد وفقا لمتطلبات مصالحها وصراعاتها على الأرض السورية .
٢- إعادة النظر بهيئة التفاوض السورية، بشكل عاجل وتوسيعها عبر صياغة وثائق سياسية وتنظيمية تلبي ضم مختلف القوى السياسية، التي لها مصلحة بالتغيير الديمقراطي في البلاد، ونبذ التفرد والاقصاء، وافساح المجال لمن يريد المشاركة وعدم الركون لمنطلقات أيديولوجية او غير ذلك ، فالمرحلة تتطلب استيعاب كل من لديه مصلحة بالاستقرار والسلام والحرية في البلاد ولاسيما الطاقات الشبابية الجديدة .
٣- ابعاد التمثيل العسكري عن الأجسام السياسية والتفاوضية انطلاقًا من مبادئ حيادية الجيش، وانشاء مجلس عسكري محايد مهمته مراقبة التزام القوى العسكرية بأسس القانون الدولي ومنع حالات الثأر والانتقام بين القوى المختلفة لحين الوصول الى بناء مؤسسة عسكرية مهمتها حماية أمن الوطن والمواطن .
٤ – العمل على انشاء جسم سياسي يعتمد على الداخل السوري وممكنات العمل وتصور موحد للقرار ٢٢٥٤ وتطبيقاته، يتضمن تحديداً وشرحاً لبنوده بعيداً عن الاجتهادات المختلفة وفي السياق التزاماً بحسن الجوار، وإقناع القوى الدولية ذات الشأن، بان لها مصلحة باستقرار الأوضاع في البلاد وبناء علاقات مستقبلية متطورة معها .
٥- عقد مؤتمر وطني وفقا لما ذكر وعقده في مكان محايد برعاية دولية ، والتوافق على وثائقه السياسية بالاستناد على حقيقة أن سورية دولة متعددة القوميات والأديان والطوائف، وبأن المركزية هي التي أدت لما آلت اليها سوريا من خراب وتدمير، والإعلان عن صفحة جديدة من العمل الوطني عنوانها الصفح والتسامح مع إبقاء الحق على محاسبة مرتكبي الجرائم.
لقد أصبحت سوريا وشعبها في وضع بحاجة لمعالجة إنقاذيه، يتطلب من كل القوى الخيرة مؤازرتها ودعمها للتخلص من الازمة ،التي تعصف بها على مسمع ومرأى المجتمع الدولي ، وهذه مهمة عاجلة وأن هي صعبة يقع على عاتق المعارضة ممارسة دورها لحشد كل الطاقات لأقناع الجهات الدولية للبدء بتطبيق القرارات الدولية ذات الشأن .
** نشرة نداء الإصلاح العدد (٤١) كانون الاول ٢٠٢١