انقسام غربي- عربي على «دور الأسد»
مهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم بإجراء محادثات هاتفية مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وإعلان انه يسعى في نيويورك الى «تأسيس لجنة تنسيقية لمكافحة الإرهاب». وبرز تباين إزاء «دور» الرئيس بشار الأسد عشية قمة بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما، بين تمسُّك السعودية وقطر بكون الرئيس السوري «فاقداً للشرعية» وبعض المرونة من فرنسا وبريطانيا إزاء موعد رحيل الأسد، في مقابل تمسُّك الرئيس الإيراني حسن روحاني بتأجيل البحث عن حل سياسي الى ما بعد هزيمة «داعش». وفي سياق الوجود العسكري الروسي في سورية، حذرت واشنطن موسكو من استهداف «الجيش السوري الحر»
وأعلن الكرملين ان بوتين ركّز خلال اتصاله بخادم الحرمين على «الوضع في سورية وجهود مكافحة الإرهاب، إضافة الى ملفات إقليمية ودولية». كما جرى التطرُّق الى ملف التسوية الفلسطينية.
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حذّر المسؤولين الإيرانيين من تحويل حادثة تدافع الحجاج في مشعر منى الخميس الماضي، التي راح ضحيتها مئات الحجاج، إلى ورقة ضغط سياسي. وقال رداً على ما تثيره إيران في شأن الحادثة: «يفترض بالإيرانيين أن يكونوا أكثر تعقُّلاً من اللعب بإقحام السياسة في حادثة وقعت لأشخاص كانوا يؤدون أقدس واجب ديني خلال الحج». وأكد في مؤتمر صحافي في نيويورك مع نظيره الأميركي جون كيري، أن «هذا الوضع ليس مكاناً للعب السياسة». وأطلق القادة الإيرانيون اتهامات للسعودية في شأن التدافُع الذي أدى إلى وفاة 769 حاجاً. وفيما طالب روحاني بتحقيق في الحادث، اعتبر المرشد علي خامنئي أن على المملكة أن تقدّم اعتذاراً. وتنطلق اليوم في نيويورك اللقاءات المتعدّدة الطرف في شأن الأزمة السورية، مع اجتماع لمجموعة الدول الـ 16 المعنية بالأزمة ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر والأردن، على مستوى وزراء الخارجية، في وقت بدت الطروحات منقسمة بشدة في شأن «دور الأسد» قبل القمة الأميركية – الروسية. وقال مسؤول أميركي ان كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف ناقشا أمس «موضوع سورية وكيفية خفض الصراع وكيف يمكن المضي قدماً نحو انتقال سياسي إن كان ذلك ممكناً». وكان جلياً، قبل لقاءات نيويورك أن الموقف الثابت لكل من السعودية وقطر هو أن الأسد «فاقد للشرعية ولا يمكن القبول به شريكاً في الحل السياسي أو التعاون معه بعدما قتل ٣٠٠ ألف من مواطنيه، كما لا يمكن القبول باستمراريته»، وفق مصادر مطلعة. وسعى كيري الى طرح مقاربة توفيقية جديدة للتوصُّل الى صيغة للتعامل مع «الفاعلين على الأرض»، أي التواصل مع السعودية وقطر وتركيا، بصفتها داعمة للمعارضة في سورية، ومع إيران، المتورطة ميدانياً من خلال «حزب الله».
إلى ذلك، أوضح بوتين في حديث إلى وسائل إعلام أميركية قبل توجُّهه الى نيويورك أمس، جانباً من مضمون الخطاب الذي سيلقيه من على منبر الأمم المتحدة، مشيراً الى انه سيتطرق الى كل الملفات الدولية والإقليمية الساخنة، ومسألة إصلاح الأمم المتحدة «مع التركيز على الموضوع السوري وملف مكافحة الإرهاب».
وخلافاً للفكرة السابقة التي كان الكرملين روَّج لها بإقامة تحالف «إقليمي – دولي لمواجهة تمدد داعش»، قال بوتين ان هدفه هو «تأسيس لجنة تنسيقية لمواجهة الإرهاب». وكرر أن «جيش الأسد يواجه التنظيمات الإرهابية. ونحن ندعم الهيئات الحكومية الشرعية لذلك نقترح على دول المنطقة التعاون، مع محاولتنا لتشكيل هيئة تنسيقية معينة. وأبلغتُ زعماء تركيا والسعودية والأردن اقتراحنا وكذلك الولايات المتحدة».
وكان بوتين قال لمحطة «سي بي أس» الأميركية أمس ان دخول روسيا الى سورية هو «لإنقاذ حكومة الأسد». وأضاف ان النظام السوري والمؤسسات هي الضامن الأكبر للبلاد و «رأينا ما حصل في ليبيا وفي العراق.» ووصف الدّعم الأميركي للمعارضة السورية بأنه «غير شرعي» ومخالف لميثاق الأمم المتحدة.
وعلمت «الحياة» أن تهدئة التشنُّج وتفادي الاشتباك العسكري في الأجواء السورية سيتصدّران محادثات بوتين وأوباما. وتراقب واشنطن بحذر التحرك الروسي، وتسعى الى تفادي أي تصادُم عسكري معه في الشمال السوري. وأكدت القيادة الوسطى الأميركية أمس أنها ستنظر الى «أي استهداف للمعتدلين في سورية وغير جبهة النصرة وداعش، بدرجة كبيرة من القلق». وقال الناطق باسم القيادة الكولونيل باتريك رايدر على موقع «تويتر»: «لن أتكهّن بما قد نفعله في تلك الحال، لكن ضرب المعتدلين سيستدعي أسئلة حول النيات الحقيقية لروسيا للتصدي لداعش في سورية». وحض الروس على «أن يكونوا شفّافين حول نشاطاتهم في سورية».
وبقيت الخلافات الروسية – الأميركية واسعة حول سورية، وبينها مصير الأسد الذي «لا تريد موسكو التفاوض حوله ولم تغيِّر موقفها» وفق مصادر ديبلوماسية غربية قالت ان الحل السياسي «يبقى بعيداً»، وسط أنباء عن احتمال «تصعيد عسكري ومساع أكبر من واشنطن لضرب داعش بالتعاون مع تركيا والأردن»، مع إبداء الإدارة الأميركية «انفتاحاً أكبر على البحث في الملف السوري مع إيران لبلورة أفكار وطروحات جديدة والبناء على نتائج الاتفاق النووي».
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعلن امس ان ست طائرات فرنسية ساهمت في تدمير معسكر لـ «داعش» قرب دير الزور في شرق سورية. وأضاف ان باريس التي تريد السعي إلى إعادة إطلاق العملية السياسية في سورية «تتحدث مع الجميع ولا تستبعد احداً»، لكنه كرّر أن «مستقبل سورية لا يمكن ان يمر عبر الأسد». وأضاف: «سألتقي شركاء وفرقاء معنيين بما يسمى النزاع السوري الذي أوقع 250 ألف قتيل، والأسد هو المسؤول الرئيسي فيه، وإن كان داعش يرتكب منذ اشهر فظاعات لا اسم لها». وإذ لمّح هولاند الى أن رحيل الأسد على الفور كما طالبت باريس لفترة طويلة، لم يعد مطروحاً، قال مصدر ديبلوماسي إن «معظم كبار المسؤولين في مجلس الأمن من الغربيين توقّفوا عن القول انه ينبغي رحيل الأسد من أجل الحل السياسي، وهناك شبه موافقة على انه سيكون جزءاً من الحل في التفاوض على المرحلة الانتقالية، على ان يخرج لاحقاً».
وكشفت أوساط هولاند بعد لقائه روحاني ان الرئيس الفرنسي طلب من الأخير العمل لإيجاد حلول سياسية للمأزق المؤسساتي في لبنان. وذكر الرئيس الإيراني أن هذا الموضوع سيكون بين محاور محادثاته في فرنسا في 12 تشرين الثاني (نوفمبر). ولفت هولاند إلى أن مأساة ما حدث في الحج يجب ألاّ تؤدي الى نزاعات إضافية بين السعودية وإيران. وأبلغ إلى روحاني ان إيران ينبغي ان تكون مسهّلاً في البحث عن حل لسورية ومسألة بقاء الأسد لا يمكن ان تطرح كحل. ونسبت محطة «سكاي نيوز» إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون قوله إن الأسد يمكن ان يبقى جزءاً من حكومة انتقالية، لكنّ «ما هو واضح جداً هو أنه لا يمكنه أن يكون جزءاً من مستقبل سورية على المدى الطويل».
وأبدى روحاني استعداداً لمناقشة «خطة عمل» حول مستقبل سورية ما بعد الحرب، عقب هزيمة «داعش». وأضاف في مقابلة أجرتها إذاعة «ان بي أر»: «البدء في مناقشات وفتح حوارات للتوصل الى خطة العمل التالية بعد إخراج الإرهابيين من تلك المنطقة لا يمثّل مشكلة لنا الآن، ولكن علينا جميعاً ان نتصرف في شكل موحّد وأن تكون لدينا الصيغة المطلوبة لإخراج الإرهابيين فوراً».
الحياة