برنامج زمني لدعم وثيقة دي ميستورا … «حكم جديد» وشراكة خلال ٣ أشهر والدستور في آب

6

التحدي الوحيد أمام المفاوضات السورية في جنيف، أن تبقى وثيقة «مبادئ التسوية السياسية» التي صاغها في ديبلوماسية فائقة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وفريقه، على قيد الحياة إلى حين انعقاد الجولة المقبلة، بل أن يوفّر الجانبان الأميركي والروسي مظلة كافية لجمع الحكومة و «وفد موحد من المعارضة» في مفاوضات مباشرة وبحث «الانتقال السياسي» بمفهومه الجديد القائم على «الشراكة وليس الإقصاء».

التقويم الذي عبّر عنه مبعوث مجموعة «أصدقاء سورية» والجانبان الأميركي والروسي عن نتائج الجولة التفاوضية كان إيجابياً، وبدت الأمور أقل ضبابية في ذهن المسؤولين الروس والأميركيين بعد محادثات وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره سيرغي لافروف. كما بدت الأمور أوضح في ذهن دي ميستورا وفريقه، سواء لجهة العقبات أو لجهة الآفاق الممكنة في الفترة المقبلة، إضافة إلى البرنامج الزمني لها.

بالنسبة إلى الفريق الأممي الوسيط، هناك عقبتان: الأولى، إشكالية تمثيل المعارضة بموجب تفويض القرار ٢٢٥٤. الثاني، رفض الوفد الحكومي البحث في «الانتقال السياسي». وقد تكون محادثات كيري في موسكو حملت حلولاً لهاتين العقبتين. مقايضة: تقبل واشنطن توسيع وفد «الهيئة التفاوضية العليا» للمعارضة وضم شخصيات أخرى ضمن «وفد موحد»، وتقبل موسكو بالضغط على دمشق للخوض في «الانتقال السياسي». إذا وفر الجانبان الأميركي والروسي مظلة دولية في المؤتمر المقبل لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في الأيام المقبلة، تكون الأرضية ممكنة لـ «مفاوضات مباشرة» بداية الشهر المقبل.

اللافت أنها المرة الأولى التي يجري الحديث عن برنامج زمني. في القرار ٢٢٥٤، المرعي من أميركا وروسيا والمدعوم من «المجموعة الدولية»، هناك حديث عن مفاوضات بين ممثلي الحكومة والمعارضة خلال ستة أشهر لتشكيل «حكم شامل وذي صدقية وغير طائفي» كي يعد لدستور جديد وانتخابات خلال ١٨ شهراً، بإدارة وتحت إشراف الأمم المتحدة ومشاركة المخولين من سوريي الشتات. وسربت مصادر أميركية برنامجاً زمنياً في مراحل سابقة، لكن لم يتحدث أي مسؤول أميركي أو روسي عن مواعيد محددة.

لكن كيري أعلن من موسكو شهر آب (أغسطس) موعداً لصوغ دستور جديد. وبحسب المعلومات، هناك خطة ضمنية في ذهن الأميركيين والروس ودي ميستورا تتضمن الآتي: انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بدءاً من ١٠ نيسان (أبريل) المقبل باعتباره موعداً مستهدفاً بحيث تعقد المفاوضات مع احتمال وصول وفد الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية في١٣ الشهر المقبل، على أن تستمر لمدة اسبوعين.

وفي بداية أيار (مايو)، تعقد جولة أخرى من المفاوضات. الأمل الأميركي- الروسي- الدولي أن تؤدي هذه المفاوضات إلى تشكيل «الحكم الجديد» في حزيران (يونيو) المقبل، ليعمل على أمور كثيرة، بينها الإعداد لدستور جديد في آب يمهّد للانتخابات بعد ١٨ شهراً. وقال كيري إنه اتفق مع لافروف على «وجوب أن يكون هناك جدول زمني ومشروع دستور بحلول آب». شهر آب مفضّل روسياً ودولياً، لأنه يكون آخر أيام تتوافر فيها قدرة لدى إدارة الرئيس باراك أوباما على الخوض في القرارات قبل دخول أميركا في «السبات الانتخابي».

هذا البرنامج الزمني المرن قائم إلى حد كبير على تفاهم واشنطن وموسكو. ومثلما لم تكن صدفة أن يعلن الرئيس بوتين سحب «الجزء الأكبر» من القوات الروسية من سورية مع انطلاق المفاوضات في ١٥ الشهر الجاري، فإن تصادف زيارة كيري لموسكو مع نهاية هذه الجولة إشارة تعزز الرغبة المشتركة في أن يضغط كل على حليفه لتحقيق تقدم. وبالنسبة إلى مسؤولين غربيين، هناك فرق «بين الوجود الروسي القائم وسحب جزء من القوات. وواضح أن الانسحاب الروسي يتضمن في أحد أسبابه الضغط على دمشق. لكن من غير المعلوم مدى استجابة دمشق وموقف طهران مما يحصل». وقال أحدهم الذي أكد زيارة غير معلنة لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى دمشق قبل أيام: «الصمت الإيراني الحالي يطرح تساؤلات».

بالنسبة إلى رعاة العملية التفاوضية، هم قاموا بـ «الواجبات المنزلية»، ذلك أن فريق دي ميستورا قرأ بعناية فائقة وثيقتي الحكومة و «الهيئة التفاوضية» الأسبوع الماضي قبل أن تتم صياغة ديبلوماسية لـ «مبادئ التسوية السياسية» في ختام الجولة التفاوضية مساء أول من أمس. لم تجر تغييرات جوهرية في مسودة الوثيقة الدولية، ذلك أنها بنيت على مبدأ «الغموض الديبلوماسي البناء» بحيث يجد فيها كل طرف ما يريد، بل إن دي ميستورا أرفق الوثيقة بملاحظة خطية منه تقول: «الورقة ليست وثيقة توافق عليها الطرفان المتفاوضان. لا تشكل الورقة بأي شكل من الأشكال وثيقة إطارية أو نصاً تم التفاوض عليه، ولن يتم تقديمها إلى مجلس الأمن ولا إلى المجموعة الدولية لدعم سورية إلا في حالة الحصول على موافقة الطرفين المتفاوضين».

الوثيقة ضمت ١٢ بنداً ولم تشر إلى مصير الرئيس بشار الأسد، وهي عبارة عن تلخيص لـ «النقاط المشتركة» بين السوريين، بينها أن «الانتقال السياسي يشمل آليات حكم ذي مصداقية وشامل.. وجدولاً زمنياً وعملية جديدة لإعداد الدستور وتنظيم انتخابات»، على أن «يشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم السوريون المغتربون المؤهلون للتصويت»، إضافة إلى «احترام سيادة سورية واستقلالها» والتزام «إعادة بناء جيش وطني موحد» يتم «دمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة للعملية السياسية». كما شدد البند ذاته على أنه «لن يسمح بأي تدخل من جانب مقاتلين أجانب على الأراضي السورية»، وهو ما يتبادل طرفا النزاع الاتهامات بشأنه. وورد في بند آخر رفض سورية لـ «الإرهاب رفضاً قطعياً»، وهو ما تعتبره دمشق أولوية للتوصل الى حل سياسي.

«غموض ديبلوماسي بناء»

وقد نأى مبــــتكر الوثيقة بــنفسه عن «الفيــــديرالية» التي أعلنها قطب كردي قبل أسبوعـــين ما عقّد إمكانات دعوة «الاتحاد الديمــــوقراطي الكردي» إلى مفاوضات جــــنيف، كما أنها (الوثيــــقة) لم تتضمن الإشارة الى قبـــــول مبدأ «اللامركزية والإدارات المحلية» الذي يقبله النـــــظام والمعارضة انطــــلاقاً من اتفاقهما على «رفض الفيديرالية والتــــقسيم».

واللافت أن الوثيقة تضمنت أن «الحل السياسي هو الوحيد» في سورية، وهو خطوة إضافية اتخذته المعارضة بعد إقرار قبول الحل التفاوضي في مؤتمر الرياض نهاية العام الماضي، إضافة إلى تأكيد «الانتقال السياسي». وبدا أن الوث“ــيقة صيغت بطريقة يجد فيها كل طرف ما يريد، إذ جرت الإشارة إلى أن «بيان جنيف في كليته» مع القرار ٢٢٥٥ وبيانات «المجموعة الدولية» أساس للمفاوضات، الأمر الذي يمكن أن تفسره المعارضة على أنه قبول بـ «الهيئة الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة» كما طالبت. كما أن الوثيقة تحدثت عن «جيش مهني» و «إصلاح مؤسسات الدولة» وفق معايير دولية ومعايير حقوق الإنسان، الذي يمكن أن يفسّر أساساً لمطالبة المعارضة بـ «تفكيك مؤسسات أمنية».

في المقابل، تستطيع الحكومة، التي قال رئيس وفدها إن الأمر في حاجة إلى مراجعة دمشق، أن تجد معظم المبادئ التي وردت في وثيقتها ذات النقاط العشر في «وثيقة» دي ميستورا، لجهة سيادة سورية ووقف تمويل الإرهابيين والحفاظ على مؤسسات الدولة واستعادة الجولان وغيرها. مبادئ الحكومة موجودة في وثيقة دولية، من دون وجود حاجة إلى قبولها رسمياً.

المعضلة هي عبارة «الانتقال السياسي»، التي قال دي ميستورا في المؤتمر الصحافي مساء أول من أمس، إنها ستكون قضية المفاوضات في بداية الشهر المقبل. وأضاف: «أتوقع وآمل… ألا تركز الجولة التالية من المحادثات على المبادئ مرة أخرى، أجرينا ما يكفي من ذلك. يوجد كثير من النقاط الصالحة، لكن يجب أن نبدأ التركيز على العملية السياسية».

وإلى الآن، ترفض دمشق مبدأ «الانتقال السياسي» الذي هو موجود في الوثائق الدولية المرجعية لهذه المفاوضات. وتبلغ الوفد الحكومي «وجوب ألا نعطي للمعارضة على مائدة التفاوض ما لم تحققه في الميدان العسكري». لكن في المقابل، تصر المعارضة وداعموها على «الانتقال السياسي».

البراعة الديبلوماسية الجديد لهذه العقدة، تقوم على القول إن «الانتقال السياسي لا يعني أبداً نقل السلطة إلى المعارضة، بل الشراكة السياسية»، الأمر الذي بدأ الدفع باتجاه كي تقبل دمشق اولاً بـ «عدم إطلاق النار على الوثيـــــقة» وثانياً، التفاوض حول قضايا جوهرية في الجولة المقبلة. والرسالة الرمزية من محادثات مسؤولة الشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغريني مع المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية» رياض حجاب والسفير الجعفري في جنيف قبل أيام، هي أن المطروح «الشراكة وليس الإقصاء. وكلما مضى النظام في التفاوض الجدي، يحصل على حوافز سياسية واقتصادية خارجية».

وينتظر دي ميستورا وفريقه أيضاً في الجولة المقبلة، إجابات وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية» على ٢٩ سؤالاً تتعلق بـ «الحكم» أرفقت مع عشرة أسئلة تتعلق بـ «مبادئ الحكم». ومن المقرر أن تعقد «الهيئة التفاوضية»، التي بدأت عملية التفكير في تغيير الوفد التفاوضي، اجتماعاً في الرياض لإعداد الأجوبة.

لم يصدر موقف رسمي من دمشق إزاء وثيقة دي ميستورا، فيما أعلنت «الهيئة» أنها ترحب في الوثيقة و «تثبت أن الانتقال السياسي هو هدف المفاوضات».

وطالبت بسمة قضماني الناطقة باسم «الهيئة العليا»، روسيا بالضغط على دمشق.

من جهته، قال القائد العام لـ «حركة أحرار الشام الإسلامية» مهند المصري (أبو يحيى الحموي) على حسابه على موقع «تويتر»: «يظن أصحاب المبادرات أنهم سيخدعون شعباً حراً بوثيقة تعيد إنتاج جزاره وتهدر متطلباته»، مضيفاً: «ثورة بلغت رشدها لا ترضى بأنصاف الحلول».
نقلا عن الحياة

Leave A Reply

Your email address will not be published.