«سكاي نيوز» والعدوان على عفرين… بموضوعية
ضربت قناة «سكاي نيوز عربية» مثلاً في الموضوعية والالتزام بقيم الإعلام الحر الكفيلة بجعل أي وسيلة إعلامية محترمة ومهنية تنحاز للضحية ضد الجلاد. فخلال الفترة الأخيرة ومع تصاعد حرب الإبادة التركية على عفرين تميزت القناة بتغطياتها المنحازة لطرف الضحية لدرجة أنها باتت تصف في عناوين نشراتها على الشاشة ومانشيتات أخبارها على موقعها الالكتروني ما يحدث بالمحرقة التركية في عفرين.
وهي بالفعل محرقة موثقة تلفزيونياً ولا يمكن لأي شاشة تجاهلها والتغطية عليها، فمشاهدها متلفزة ومصورة ترصد قصف الطائرات الحربية أحياء سكنية ومدنية وما تخلفه من مجازر حيث جثث ضحايا القصف من أطفال ونساء وشيوخ متناثرة ومقطعة وسط شوارع عفرين وبرك الدم تغطي الأرصفة والمكان. فمثلاً عنونت أحد تقاريرها: «الغوطة وعفرين… «مرحلة حاسمة» في القتل والتهجير»، وتقرير آخر بعنوان: «عفرين… القصف التركي يقتل أطفالاً ويشرد عشرات الآلاف» وهكذا.
وفي برنامج «غرفة الأخبار» الذي هو بمثابة جردة الحساب الإخباري نهاية كل يوم وبعد عرض تقرير عن المجزرة بحسب توصيف «سكاي نيوز» التي أودت بحياة عشرات المدنيين في عفرين يوم الجمعة استضافت معلقاً تركياً مرتبطاً بدوائر الحكم في الدولة الغازية وبدلاً من الإجابة عن سؤال مقدم البرنامج راح يعبر عن رفضه التوصيف الذي اعتمدته القناة واستخدامها مصطلح المجزرة لوصف ما حدث، فرد عليه المذيع أن هذا ما تنقله الصور والفيديوات الموثقة والصحيحة وما تقوله وترصده المنظمات الحقوقية والمدنية حول العالم مثل اليونيسيف. ومع ذلك بقي المتحدث من تركيا مصراً على الاعتراض والإنكار، فالتلفزيون أصدق إنباء من النفي والتلفيق والمشاهد عابقة بالوحشية والانفلات من كل عقال ورادع إنساني وأخلاقي.
ومع مضي المعلق التركي في محاولات تبرير جرائم الحرب التي يرتكبها جيش بلاده لاحتلال مدينة صغيرة آمنة وبمعية عشرات الجماعات الإرهابية، والتي بعد هزمها في كل أنحاء سورية تتكالب على عفرين بتخطيط من سلطان الإرهاب ما كان من المقدم إلا أن طرح سؤالاً مفاده كيف لرئيس الوزراء التركي التباكي على الغوطة الشرقية في حين ان ما يحدث في عفرين على يد جيشه لا يقل هولاً وفظاعة وأن الأوضاع الإنسانية هناك توازي الوضع في الغوطة ان لم تكن تفوقها سوءاً وكارثية؟ فما كان من المتحدث التركي إلا اللف والدوران والتهرب من الإجابة الصريحة عن هذا التساؤل المشروع الذي يلحظ ازدواجية ونفاقاً فاضحين، فكيف لمن يجتاح عفرين ويقتل أهلها وأطفالها في اطار مقايضة مكشوفة مفادها الغوطة مقابل عفرين أن يذرف دموع التماسيح على أطفال الغوطة وأهلها. تسليط الضوء على هكذا تناقض ودجل هو في صلب اختصاص الإعلام المرئي بالدرجة الأولى كونه الشاهد والناقل الحقائق على الأرض وأضعف الإيمان المهني والأخلاقي والإنساني قول كلمة الحق ونقل الحقــيقة كما هي للمشاهد من دون رتوش، اذ ثمة حـــقائق ووقــائع ملـــموسة وشاخصة لا بد من اتخاذ موقف مــبدئي ومهني منها والا فحينها تفقد وسيلة الإعلام وظيفتها ودورها وتغدو بلا موقف وبلا مبدأ وبما يطعن في شرفها المهني.
تستحق «سكاي نيوز عربية» التحية والإشادة على تغطيتها المنحازة لجانب الحق والإنسان في عفرين كوننا نتحدث عن حرب ممنهجة هدفها قلع السكان من مناطقهم وأرضهم وتشريدهم وتدمير حيوات مئات آلاف البشر تنفيذاً لأجندات التعصب القومي والديني والهوس الامبراطوري العدواني الذي لا يشكل خطراً على عفرين فقط بل يطال المنطقة ككل بما أنها كانت ذات حقبة سوداء ولايات محكومة بالحديد والنار العثمانية وثمة من يريد العودة بنا وببلداننا لأربعة قرون خلت كرعايا ومشاع للسلطان.
الحياة