الصحفيون هم الحلقة الاضعف في الحروب والنزاعات المسلحة
تعتبر مهنة الإعلام من أخطر المهن العلمية قاطبة من حيث الممارسة، وخاصة أثناء تغطية الحروب والنزاعات المسلحة ، وبات الصحفي جندياً غير مسلح يشارك في الحروب بقلمه وكاميرته ،ويخاطر بحياته من أجل الحصول على المعلومات ونقل الحقائق من قلب المعركة الى العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة .
الصحفيون هم الحلقة الاضعف في الصراع الدائر في سوريا ، والمصنف أحد اسوأ الصراعات في تاريخ البشرية من حيث اساليب القتل والعنف والدمار في ظل غياب التغطية الاعلامية اللازمة للأحداث ، حيث تفرض الفصائل المتحاربة والنظام السوري على الإعلاميين قيودا صارمة ،تمنع الاعلاميين من ممارسة العمل المهني بالشكل الامثل، في ظل الأوضاع المؤسفة بشكل لا يصدق، ولم يعد بمقدور الإعلاميين معرفة المصدر والجهة التي يمكنهم الاعتماد عليها، لإعداد التقارير الاعلامية وصياغة المواد الصحفية، مما يعرض الصحفيين لمشاكل ،عند اجراء عمليات تقييم الاوضاع ونقل الحقائق .
وسبق لصحفيين سوريين ،أن لقوا مصرعهم خلال الأحداث التي تشهدها البلاد، على خلفية مواقفهم من الأحداث، بين موالين ومعارضين للسلطات السورية، في حين تعرض آخرين للاعتقال من قبل فروع الامن والخطف لذات الأسباب، كما وسقط العديد من الصحفيين الأجانب، خلال تغطيتهم للأحداث وأصيب آخرون من قبل مجهولين، والصراع ادى الى مقتل اكثر من 70 صحفيا في سوريا وحوالي 80 صحفيا اختطفوا منذ عام 2011، وهناك نحو 20 مازالوا في عداد المفقودين، بحسب لجنة حماية الصحفيين .
لم يعد خافياً أن الإعلام السوري الرسمي اعتمد سياسة التضليل ،منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة ولم يتوقف عنها حتى اليوم، مستغلا وجوده كإعلام وحيد على الارض السورية ، فقد منعت كل وسائل الاعلام العربية والعالمية ،من العمل على الاراضي السورية ،واغلقت مكاتبها بحجة الترخيص ،وأما المؤسسات الإعلامية الرسمية فيسودها مناخ الرقابة (الذاتية) ، ناهيك عما يعانيه الصحفيون من تهديد واضطهاد واعتقال من قبل فروع الامن، كما حدث معي حيث تعرضت للاعتقال من قبل فروع الامن بحلب ،بسبب مواقفي الرافضة لسياسات الاعلام الرسمي تجاه الاحداث الجارية في سوريا .
وازداد الوضع سوءا ، بعد أن تمكن تنظيم ( داعش ) من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية ودمجها، للإعلان عن خلافتهم المزعومة ،بما تسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام ، واسلوبهم الوحشي المثير للرعب في التعامل مع الصحفيين أثار الرأي العام العالمي، لاسيما بالنظر إلى سجله المأساوي مع الاعلاميين، حيث أثار المتشددون اشمئزاز العالم جراء قطع رؤوس المراسلين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وإعدام المصور العراقي محمد رعد العزاوي ذبحاً أمام الملأ في العراق، لرفضه التعاون مع التنظيم فضلا عن قتل ثمانية إعلاميين سوريين ،واختطاف آخرين ، وهم في قبضة (داعش ) ومصيرهم مجهول، ويتعرض الصحفيون في محافظة الموصل وصلاح الدين، للتهديدات بسبب عملهم الإعلامي في قنوات فضائية، وتوقفت فيها جميع وسائل الإعلام ،واستولى تنظيم ( داعش ) على مكاتب ومباني القنوات الاعلامية ، يستخدمون معداتها لأغراضهم الدعائية ،وترويج افكارهم الظلامية ،وسلوكهم الاجرامي ،بعرض صور إعدام المختطفين الابرياء، وتهديد الاقليات بالقتل والتطهير العرقي .
ينظر المتشددون إلى الصحفيين بأنهم مرتبطون بالخارج، يمارسون ديكتاتورية إعلامية حقيقية على المناطق التي تقع تحت سيطرة( داعش )، وبات الاعلام الحلقة الاضعف في هذه البقعة السوداء ،وتكاد تنعدم التغطية الاعلامية عن ما يجري فيها من الجرائم الفظيعة بحق المواطنين، حيث لم يعد بإمكان الصحفيين تأدية مهامهم الاعلامية، وواجبهم في تغطية الاحداث ، ونقل الحقائق الى العالم ،عن ما يجري على الارض ،والكشف عن الجرائم المرتكبة بحق المواطنين العزل ، ، فضلا عن التحديات التي تعترض عمل الصحفيين أثناء القيام بمهامهم، والأخطار المحدقة بحياتهم، وأصبحت حياة الصحفيين عرضة للخطر ،حيث يتعين على الصحفي أن يضع حياته على المحك ، لتغطية الاحداث في سورية .
كما رأينا على بعض شاشات وسائل الاعلام ، كيف يستخدم داعش الصحفي البريطاني جون كانتلي ،المحتجز لدى الجماعة الارهابية منذ تشرين الثاني عام 2012 ، في تسجيل يقدم تقريرا إخباريا دعائيا من مدينة كوباني ، بالقرب من الحدود التركية ، تحت ضغط والتهديد بالقتل من قبل عناصر (داعش )، وهو يروج لرواية الجماعة التكفيرية بأنهم يسيطرون على كامل مدينة كوباني ،هذا يأتي ضمن حملات التضليل الإعلامي الذي ينتهجه التنظيم الارهابي داخل الاراضي السورية والعراقية .
ويتمادى تنظيم (داعش) في سياسته الإرهابية، حيث أصدر مؤخراً في دير الزور ، قاعدة مؤلفة من (11) بند تحكم عمل الصحافيين، تتمثل في الآتي:
1 – يتعين على الصحافيين مبايعة الخليفة (البغدادي).. إنهم رعايا لدى (داعش)، ويتعين عليهم، بوصفهم رعايا، الالتزام بقسم الولاء لإمامهم.
2 – سوف يخضع عملهم لرقابة المكاتب الإعلامية التابعة لـ(داعش).
3 – يمكن للصحافيين العمل مباشرة مع وكالات الأنباء العالمية (مثل (رويترزـ وكالة الصحافة الفرنسيةـ وكالة الاسوشيتد برس)، على أن يتجنبوا التعامل مع كافة القنوات التلفزيونية الدولية والمحلية، ويُحظر عليهم القيام بتقديم أي مواد حصرية أو التواصل معهم بأي شكل من الأشكال (صوت أو صورة).
4 – يُحظر على الصحافيين العمل بأي شكل من الأشكال، مع القنوات التلفزيونية المدرجة على القائمة السوداء للقنوات المناهضة لـ (داعش) مثل( العربية ـ الجزيرة ـ أورينت)، ومن يخالف ذلك سيخضع للمحاسبة.
5 – لايُسمح للصحافيين تغطية الأحداث الجارية في المحافظة ،سواء بالكتابة أو الصور الثابتة دون الرجوع إلى المكتب الإعلامي لـ(داعش)، ويتعين أن تحمل جميع الأخبار والصور، اسم الصحافي والمصور.
6 – من غير المسموح قيام الصحافيين بنشر أي تقرير صحافي (مطبوع أو مذاع) دون الرجوع للمكتب الإعلامي لـ (داعش) أولا.
7 – قد يمتلك بعض الصحافيين ،حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ومدونات لنشر الأخبار والصور، ولكن يجب أن تكون عناوين وأسماء الأشخاص المسؤولة عن تلك الحسابات والصفحات ،مسجلة لدى المكتب الإعلامي لـ (داعش).
8 – ينبغي على الصحافيين ،الالتزام باللوائح المفروضة أثناء التصوير داخل أراضي (داعش)، بالإضافة إلى تجنب تصوير المواقع أو الأحداث الأمنية ،حيث يُحظر التصوير.
9 – تتابع مكاتب (داعش) الإعلامية عمل الصحافيين المحليين داخل أراضيها ،وفي وسائل الإعلام الرسمية، وأي خرق لتلك القواعد سوف يؤدي إلى وقف الصحافي عن العمل، وسوف يخضع للمحاسبة.
10 – هذه القواعد ليست نهائية، ويمكن تغييرها في أي وقت وفقا للظروف ودرجة التعاون بين الصحافيين ، والتزامهم حيال إخوانهم في المكاتب الإعلامية لـ (داعش).
11 – يجوز للصحافيين ممارسة مهنتهم ،عقب تقديم طلب للحصول على تصريح من المكتب الإعلامي لـ(داعش).
ولم يتمكن التحقق من مدى صحة هذا الامر، انما تم نشره على بعض صفحات وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية وبعض صفحات الناشطين على الفيسبوك من الداخل السوري ، يرى بعض الخبراء في شؤون (داعش) ،أن هذا الأمر قابل للتطبيق ويمكن توقعه من (داعش) .
هؤلاء الدواعش دخلوا الى المنطقة بعقول مثقلة بتقاليد وافكار اجرامية ظلامية، وهم يفرضون الرقابة على الاعلام ،ويقتلون الصحفيين والناشطين بدون تمييز ،على النحو المريع الذي تعرّض له الصحفي العراقي العزاوي، والمراسلين الامريكيين فولي وسوتلوف وغيرهم الكثير، لا يمكن أن يكون هؤلاء القتلة من البشر، ناهيك عن دينهم وعرقهم ،وفي غمرة الصدمة والألم وانخلاع القلوب يظل التساؤل ملحاً: من أي أدغال أتوا بهذه الوحشية، وفي أي قاع تجرعوا سموم الظلام؟، والترهيب المقيت الذي تمارسه هذه الجماعة التي تتمادى دون رحمة في ارتكاب الجرائم بحق الصحفيين والمدنيين، في ظل غياب تام للرقابة الدولية على الاراضي السورية، والعجز عن توفير حماية للصحفيين في أداء مهمتهم وواجبهم في نقل الوقائع ، والعمل على محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم .
*إعلامي سوري
زمان الوصل