الغارديان: محادثات جنيف في طريقها للفشل إن لم يتدخل بوتين
كتب محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة “الغارديان” باتريك وينتور تقريرا عن محادثات السلام السورية التي تجري في جنيف، قال فيه إن فرص التوصل إلى تسوية دستورية في سوريا تبدو بعيدة في وقت يختلف فيه المشاركون في جنيف حول الإجراءات.
ويقول الكاتب إن المعارضة السورية صبت جام غضبها وإحباطها على وفد نظام الأسد لمحادثات جنيف، واتهمت أفرادها بالمماطلة، وتجنب الحوار الجوهري، والتركيز على الإجراءات.
ويضيف وينتور أن الغضب يشير إلى أن نجاح المحادثات يعتمد على استعداد روسيا لوضع ضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومنع حصول انسداد في المحادثات.
ويشير التقرير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيقوم هذا الأسبوع بزيارة موسكو؛ لمعرفة المدى الذي سيعبر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداده لاستخدام نفوذه على الأسد، بعد قراره المفاجئ سحب قواته من سوريا.
وتنقل الصحيفة عن كبير مفاوضي وفد المعارضة محمد علوش، قوله إن الحكومة رفضت حتى الآن الدخول في مفاوضات مفصلة، وبدلا من ذلك فإنها تواصل تجويع السوريين وتركيعهم.
ويلفت الكاتب إلى أن المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حاول تقديم صورة متفائلة عما أنجزه الأسبوع الأول من المفاوضات، وقال إن “نظام المحادثات التقريبية أسهم في استمرار المحادثات دون أن يخرج منها وفد، أو يؤدي إلى انهيارها”.
ويفيد التقرير بأن الدبلوماسيين يعترفون بأنه لم يتم تحقيق إلا تقدم بطيء على الموضوعات الثلاثة المترابطة التي تهدف لبناء الثقة، وهي وقف الأعمال العدائية، والإفراج عن المساجين، وفي المسألة الجوهرية وهي الانتقال السياسي، اعترف دي ميستورا بوجود مسافة بعيدة بين الطرفين، وقال إن هدفه هو البحث عن مناطق رمادية يمكن من خلالها دمج موقفي الطرفين.
وتعلق الصحيفة بأن “المخاطر التي تواجه دي ميستورا هي أن تفقد المحادثات زخمها، فيما ستدفع الموضوعات الخارجية، مثل بطء وصول المواد الإغاثية للمناطق المحاصرة، وفد المعارضة والهيئة العليا للمفاوضات، إلى أن تفقد الأمل، وجاءت الهيئة العليا للمفاوضات، التي شكلت في الرياض وبرعاية سعودية العام الماضي، واثقة من إمكانية نجاح المحادثات، وجددت ثقتها بدي ميستورا، لكنها شعرت بالاستياء من موقف الحكومة الرافضة لمناقشة أي موضوع باستثناء المبادئ العامة”.
وينوه وينتور هنا إلى القضايا الرئيسة، مثل السماح بدخول المواد الإنسانية للمناطق المحاصرة، حيث اشتكت الأمم المتحدة من عدم السماح لها بالدخول إلى ست بلدات محاصرة تضم دوما وحرستا وداريا، ووصلت المساعدات الإنسانية إلى 260 ألفت في المناطق المحاصرة، إلا أن الأمم المتحدة ترغب بوصولها إلى 1.1 مليون في نهاية نيسان/إبريل.
ويذكر التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، أن المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في ضواحي دمشق لم تحصل على دواء أو طعام أو ماء منذ عام 2013، مشيرا إلى أنه لم يتم نقل المواد الغذائية إلى دير الزور بسبب عدم وجود مظليات كافية، وبالإضافة للمواد الطبية، فإن الاختصاصيين يمنعون من دخول عدد من المدن.
وتورد الصحيفة نقلا عن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند، قوله: “لا أعرف لماذا لم يمنحوا أذونات، إن منعنا من الذهاب هو خرق للقانون الدولي”. ويضيف أن عددا قليلا من الأطفال السوريين حصلوا على لقاحات ضد الجدري وشلل الأطفال، وهو ما وصفه بـ”الوصفة لانتشار الوباء بين الملايين”، لافتة إلى أن من الأشياء الإيجابية وصول الأمم المتحدة إلى 150 ألف سوري في المناطق المحاصرة، و110 آلاف في المناطق التي يصعب الوصول إليها، فقد وزعت قافلة من الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري المساعدات على مضايا والزبداني والفوعة وكفريا.
وقف الأعمال العدائية
ويقول الكاتب: “إذا أخذنا بعين الاعتبار تعقيدات وقف إطلاق النار، الذي بدئ به في 27 شباط/ فبراير، فإن هناك عددا من اللاعبين استثنوا من الاتفاق، مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة، إلا أن الاتفاق أدى كما قال دي ميستورا إلى (هدوء) مثير للدهشة، مع أنه لم يصف هذا بالموجة”.
ويضيف وينتور أن قوة المهام الخاصة الأمريكية الروسية، التي يديرها المسؤول الألماني فولكر بيرثز، عملت على تنسيق عسكري كبير، مشيرا إلى أن خروقات الهدنة تتناقص كل يوم، حيث لا يزال الأمريكيون، وبدرجة أقل الروس، يشنون هجمات ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة، ويقوم الروس مثلا بشن غارات ضد تنظيم الدولة في تدمر، وهناك عدد من الإشارات المبدئية إلى أن جبهة النصرة تتعرض لضغوط بسبب الغارات اليومية، وكذلك من المدنيين، الذين عبروا عن استعدادهم للتظاهر وبشكل يومي.
المعتقلون
ويكشف التقرير عن أن الهيئة العليا للمفاوضات تحاول طرح موضوع المعتقلين السياسيين، وتحاول رفع مستوى أهمية الموضوع لأهمية المساعدات الإنسانية ذاتها، لافتا إلى أنه في محاولة للتوعية بالموضوع، قامت الهيئة بتنظيم معرض “صور قيصر”، وهي صور مئات الآلاف من المعتقلين في السجون السورية، وحضر المناسبة عدد من الدبلوماسيين والمدافعين عن القضية السورية.
وتورد الصحيفة نقلا عن الهيئة العليا قولها إن 50 معتقلا يتم إعدامهم كل أسبوع، مستدركة بأن أساس هذه المعلومات غير واضح، وترى الأمم المتحدة أهمية في طرح موضوع المعتقلين، ويقول إيغلاند: “هؤلاء هم مدنيون أبرياء ويجب الإفراج عنهم، ولا شيء أهم من الإفراج عن عدد منهم، خاصة الضعفاء والمرضى والنساء والأطفال”، ولا توجد أرقام مثبتة عن المعتقلين السوريين، لكن المعارضة قدمت في محادثات سابقة قائمة بـ 47 ألف معتقل عدتها الحكومة مزيفة.
المحادثات الجوهرية
ويبين الكاتب أن الهدف الرئيسي للمحادثات هو تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر بسلطات تنفيذية حقيقية تقوم بالاتفاق على دستور، والسماح بانتخابات برلمانية ورئاسية في مدى 18 شهرا، ويقول دي ميستورا إنه يرغب بحكومة انتقالية في مدى ستة أشهر، لكنه اعترف بأن هذا الأمر يسير بوتيرة بطيئة.
وينقل التقرير عن عضو الهيئة العليا للمفاوضات بسمة قضماني، قولها إن جانبها قدم مذكرة فيها رؤية للمرحلة الانتقالية، وعبر دي ميستورا عن إعجابه بعمق التحضير الذي قامت به الهيئة العليا، لكنه ألمح وبقوة إلى أن الحكومة السورية لم تبد تعاونا مماثلا.
وبحسب الصحيفة، فإن رئيس وفد حكومة النظام السوري والسفير في الأمم المتحدة بشار الجعفري، أكد أن طرفه متعاون، وقال إنه قدم رؤيته في ورقة من ثماني نقاط تسمح “بحوار سياسي جدي داخلي دون تدخل أجنبي”، مبينة أن الدبلوماسيين الغربيين يخشون من أن هذا البيان يعني رفض الأسد لصيغة الأمم المتحدة، ورفضه لشروط مسبقة يعني أنه ليس مجبرا على التنحي عن السلطة في نهاية المرحلة الانتقالية.
ويرى وينتور أن التحديات التي تواجه دي ميستورا كثيرة، فعلى صعيد الحكومة الانتقالية فإن التقدم لا يزال بطيئا، وكما تقول قضماني: “قد يقول البعض عند نقطة محددة أنه لا يوجد شريك للتفاوض معه.”
ويذهب التقرير إلى أن مشكلات دي ميستورا لم تتوقف على عقد محادثات بين النظام والهيئة العليا للمفاوضات، بل عليه أن يدعو مجموعة موسكو- القاهرة من الجماعات المؤيدة لروسيا والوفد الذي يعرف باسم مجموعة حميميم على اسم القاعدة الجوية الروسية قرب اللاذقية، لافتا إلى أن الهدف هو تقويض شرعية الهيئة العليا للمفاوضات، باعتبارها الطرف الوحيد المخول للتفاوض مع النظام وتنحية الأسد.
وتذكر الصحيفة أن دي ميستورا يواجه تعقيدا آخر، وهو دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى المحادثات، وهو ما ترفضه تركيا، خاصة بعد إعلان الجماعات الكردية عن منطقة حكم ذاتي داخل سوريا.
وتختم “الغارديان” تقريرها بالإشارة إلى أن فرص التوصل إلى تسوية دستورية قليلة، خاصة أن طرفي المحادثات لا يزالان يتماحكان على الإجراءات، مشيرة إلى أنه إذا قرر بوتين عدم ممارسة نفوذه على الأسد، فإن التفاؤل الذي رافق بداية الأسبوع الأول من المفاوضات سيختفي.
نقلا عن : كلنا شركاء