«مجلس عسكري مشترك» و«إعلان دستوري» فكرتان جديدتان لإطلاق «الانتقال» السوري
واصل مسؤولون روس أمس حملة الضغط على المعارضة السورية مع حض قادتها على الذهاب إلى مفاوضات جنيف الأسبوع المقبل مع تأكيدهم «حق الرئيس بشار الأسد بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة»، بالتزامن مع اتفاق غير معلن بين مسؤولين روس وأميركيين على ضرورة اختبار فكرة البحث في دستور جديد أو مبادئ دستورية في الجولة التفاوضية المقبلة، وسط استعادة أولية لفكرة تشكيل «مجلس عسكري مشترك» من ممثلي الجيش النظامي وفصائل معارضة، باعتبار أن هاتين الفكرتين يمكن أن تشكلا مدخلاً للخروج من المأزق في العملية السياسية.
وإذ بدأت «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة اجتماعها في الرياض أمس للاستعداد للجولة المقبلة للمفاوضات التي تستمر بين ١٢ و٢٧ الشهر الجاري وإقرار الأجوبة عن الـ ٢٩ سؤالاً الخاصة بالانتقال السياسي، حيث يصل وفدها إلى جنيف الأحد المقبل، تسلم عدد من الشخصيات المعارضة في «اعلان القاهرة» بينهم جمال سليمان وجهاد مقدسي وخالد محاميد دعوات للمشاركة في المفاوضات.
وكان لافتاً حصول تغيير في نص الدعوة الى ممثلي «اعلان القاهرة» الذين كانوا حصلوا على ثمانية مقاعد في وفد مشترك من ١٥ عضواً مع «مجموعة موسكو» برئاسة قدري جميل. ووفق الدعوة التي بعثها المبعوث الدولي، فإن اعضاء «اعلان القاهرة» مدعوون الى «الانضمام في جنيف في مسار المفاوضات التي تشمل مشاورات حول كيفية انهاء النزاع ووضع أسس لتسوية مستدامة، بموجب بياني فيينا الصادرين في 30 تشرين الأول (اكتوبر) 2015 و14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 من المجموعة الدولية لدعم سورية وقرار مجلس الأمن 2254».
ونصت ايضاً على أن جدول أعمال المفاوضات، يتضمن «إقامة حكم ذي صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، وجدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة» على أمل «التوصل إلى هذه المخرجات في خلال الإطار الزمني الذي تم تحديده» في ستة أشهر.
وبدا ان موسكو نجحت في إقناع واشنطن في توسيع دائرة المدعوين الى موسكو مع تمسك الجانب الأميركي بحصرية تمثيل «الهيئة» للمعارضة، في وقت سمع معارضون من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف انتقادات حادة لـ «الهيئة» باعتبارها تضم اسلاميين او شخصيات محسوبة على دول اقليمية او شخصيات منشقة عن النظام والتنويه ببقية المعارضين بما في ذلك الشخصيات التي زارت القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية غرب سورية. وبدا غضب بوغدانوف من المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية» رياض حجاب وسط أنباء عن رفض الأخير لقاء المسؤول الروسي في الدوحة، حيث التقى (بوغدانوف) الرئيس السابق لـ «الائتلاف الوطني السوري» المعارض معاذ الخطيب.
مصير الأسد… والدستور
ولوحظ في حوارات بوغدانوف وغيره من المسؤولين الروس مع شخصيات سورية مدى «ثبات» موقف موسكو لجهة انتقاد عدم تمثيلية «الهيئة التفاوضية» على عكس تصريحات سابقة لمسؤولين روس قبل اسبوعين، ولجهة تأكيد «إخراج مصير الأسد من النقاش» خلال المفاوضات، مع تأكيد «حق الأسد بالترشح إلى الانتخابات المقبلة».
وكانت هذه نقطة خلافية مع شخصيات معارضة و «الهيئة التفاوضية» التي اكدت نيتها بحث مصير الأسد في الجولة المقبلة وإن كان أحد قادتها أبلغ مسؤولاً غربياً «الاستعداد لقبول الأسد في بداية المرحلة الانتقالية»، في وقت لوحظ قول الناطق باسم الخارجية الأميركية مارك تونير أول أمس ان «السوريين يقررون مصير الأسد».
وفي موازاة محادثات بوغدانوف مع الخطيب و «إعلان القاهرة»، اجتمع المبعوث الأميركي مايكل راتني مع قيادة «الائتلاف» في اسطنبول حيث طالبوا بـ «إرسال رسالة واضحة إلى الأسد لمناقشة الانتقال السياسي وإجباره على التنحي». وأفاد بيان من «الائتلاف» بأن الأعضاء قالوا: «يجب التركيز في الفترة الحالية على تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي ستقود البلاد في المرحلة المقبلة حتى إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية». كما حصل «الائتلاف» على دعم معنوي غربي لدى قيام وزير بريطاني بزيارة اعضائه اول من أمس وسط مساع روسية لـ «تذويب» جسم «الهيئة» التفاوضية بشخصيات اخرى.
وإذ شجع بوغدانوف المعارضين على الذهاب الى جنيف لإطلاق حوار سوري – سوري وعملية ديموقراطية تؤدي الى الانتخابات، فإن راتني حض «الائتلاف» على الضغط لبحث «الانتقال السياسي» في مفاوضات جنيف، لكن اللافت أن الطرفين شجعا محاوريهما على الاستعداد لمناقشة دستور جديد خصوصاً أن المسؤول الروسي قال إن الحديث عن «هيئة انتقالية» ليس له سند دستوري في سورية، في موقف يشبه تصريحات الرئيس الأسد لدى قوله الأسبوع الماضي لوسائل اعلام روسية ان الحديث عن الهيئة الانتقالية «غير منطقي وغير دستوري»، مقترحاً بحث تشكيل حكومة تضم موالين للنظام ومعارضين ومستقلين بموجب الدستور الحالي لعام ٢٠١٢ ثم «الانتقال من دستور إلى دستور جديد».
وبعد أنباء عن تسلم وزير الخارجية الأميركي جون كيري مسودة روسية للدستور السوري وبدء خبراء أميركيين بحثها، بدأ معارضون وخبراء ومسؤولون غربيون في بحث الخيارات الدستورية لدفع الحل السياسي في سورية والخروج من المأزق القائم بسبب رفض دمشق وموسكو بحث «الانتقال السياسي» و «الهيئة الانتقالية» ومصير الأسد وتمسك «الهيئة التفاوضية» وبعض حلفائها في بحث «الانتقال السياسي» على الأقل والإصرار على «الهيئة الانتقالية».
ولدى الحديث عن الخيارات الدستورية، تمسكت دمشق بدستور عام ٢٠١٢ مع الاستعداد لإجراء بعض التعديلات عليه في مقابل تمسك معارضين بصوغ دستور جديد قد يكون دستور العام ١٩٥٠ الذي ينص على نظام برلماني أحد خياراته. لذلك، فإن الاحتمال الأكثر تداولاً بات حالياً، هو بحث صوغ «اعلان دستوري» قد تكون المبادئ العشرة التي اعلنها دي ميستورا في ختام الجولة التفاوضية الماضية اساساً جوهرياً لها.
وكان مركز الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر و «التحالف المدني السوري» (تماس) نظما في بيروت ورشات عمل كانت آخرها الشهر الماضي للبحث في خيارات التعديل الدستوري في ضوء القرار ٢٢٥٤ و «بيان جنيف» اللذين لم يحددا المقصود بـ «الهيئة الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة» والتغييرات الدستورية والتشريعية الضرورية لضمان قدرة هذه المرحلة الانتقالية على تنفيذ ولاية مجلس الأمن. وتوافق المشاركون على أن الخيار الأفضل في بداية المرحلة الانتقالية هو عدم الخوض في كتابة دستور جديد، وترك ذلك إلى مرحلة لاحقة تكون المشاركة الشعبية في كتابة الدستور ممكنة والاتفاق بدل ذلك على «اعلان المبادئ الدستورية، باعتباره الخيار المفضل». كما «توافق المشاركون على أن تطبيق البيان 2254 يتطلب تعديل أكثر من 23 مادة دستورية في دستور العام ٢٠١٢ تمنح الرئيس صلاحيات لا تخضع للمراجعة أو المحاسبة، وتمكنه من التدخل بالسلطة القضائية، اضافة إلى تعديل مواد أخرى تحت بند الصلاحيات التنفيذية بحيث يتم تشارك هذه السلطات مع هيئة الحكم الانتقالية أو مجلس الوزراء، اضافة إلى ضرورة إلغاء أكثر من 20 مرسوماً طارئاً وإلغاء المحاكم الأمنية الطارئة». وظهر اهتمام غربي واسع بوثيقة أعدها المحامي البارز أنور البني وتضمنت مبادئ اعلان دستوري، تتضمن آليات عمليات للهيئة الانتقالية والانتقال السياسي وبرنامجاً زمنياً، بمثابة رد على قول مسؤولين في موسكو ودمشق بضرورة عدم حصول «فراغ دستوري» خلال التحوّل السياسي.
مجلس عسكري
وهناك اتفاق في أوساط المعارضة والنظام على «الحفاظ على مؤسسات الدولة» مع اختلاف ازاء حدود «الإصلاح» و «اعادة الهيكلة» للجيش وأجهزة الأمن، في وقت عاد الحديث عن تشكيل مجلس عسكري مشترك. وأفاد موقع «اورينت – نت» السوري، ان موسكو تختبر «فكرة تشكيل مجلس عسكري يضم 40 ضابطاً وتشكيل حكومة عسكرية مقرها دمشق بحماية وضمانة من الدول الفاعلة والأمم المتحدة».
وأبلغ بوغدانوف معارضين أن فكرة «المجلس العسكري» بين الخيارات المطروحة مستقبلاً، فيما قال مسؤول غربي امس ان المؤسسة الروسية «مغرومة تاريخياً في فكرة حكم العسكر واختبار فكرة المجالس العسكرية في دول حليفة، وإن كانت الظروف في سورية تغيّرت كثيراً».
وكان دي ميستورا اقترح في وثيقة إطار لتنفيذ «بيان جنيف» تشكيل ثلاثة أجسام، هي هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة عدا «الصلاحيات البروتوكولية»، وتشكيل «مجلس عسكري مشترك»، إضافة إلى مؤتمر وطني وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية. وأفادت الوثيقة: «منذ لحظة إنشاء الهيئة الحاكمة الانتقالية، تتمتع بسلطة مطلقة في كل الشؤون العسكرية والأمنية، وتشرف على المجلس العسكري المشترك»، على أن «ينسّق مع كل البنى العسكرية المحلية القائمة، ويشمل ممثلين عن الأطراف المقاتلة التي تتمتع بحضور كبير. وسيكون بمثابة منصة مستعمَلة لقيادة كل العمليات العسكرية التي تُقدِم عليها الأطراف، ويضمن احترام وقف إطلاق النار والمحاربة المشتركة للتنظيمات الإرهابية واستعادة وحدة أراضي البلاد».
وفيما ورد تشكيل المجلس العسكري في وثائق قوى المعارضة كلها مع دعوات إلى دمج مقاتلي المعارضة وخصوصاً من «الجيش الحر» لتأسيس «جيش جديد» مع المطالبة بانسحاب الميليشيات غير السورية، الأمر الذي أكده دي ميستورا في وثيقته الأخيرة ذات النقاط العشر في نهاية الجولة التفاوضية الماضية، فإن الوفد الحكومي اقترح في وثيقة قدمها السفير بشار الجعفري الى دي ميستورا الشهر الماضي دعم المعارضة لـ «الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب». وتتمسك دمشق بخيار المصالحات المحلية و «تسوية المسلحين اوضاعهم عبر تسليم سلاحهم في مقابل العفو عنهم». لكنها تتحدث عن دعم أو تنسيق مع «وحدات حماية الشعب» الكردي، التي تضم أكثر من ٥٠ ألف مقاتل وتخطط قيادتها لتأسيس «فيلق حماية الشمال» بتعداد قوامه مئة ألف مقاتل.
الحياة