«أم الشهداء الثلاثة» لن تبخل على كردستان
لم تكن عائشة طه عثمان تتوقع أن ترجع أيام القتل الفظيع. وربما اعتقدت أن معركة إقليم كردستان هي تعزيز الاستقرار والازدهار. ولم يخطر ببالها أن القاتل سيخطف ثلاثة من أبنائها الخمسة في لحظة واحدة. لكنه «داعش». لكنه العراق.
هذا ما حدث في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ذهب اثنان من أبنائها لتفقد ابنها النقيب في البيشمركة المرابط قرب زمار. خلال وجودهما هناك، اندلعت معركة قاسية مع «داعش». أخذتهما الحماسة فذهبا مع شقيقهما للمشاركة. ساهموا في تحرير أجزاء من مدينة زمار، ولدى وصولهم الى نقطة معينة انفجرت سيارة مفخخة فتطايرت أشلاؤهم. في لحظة واحدة، خسرت عائشة أولادها مولود وأحمد ونجاد. وخسرتهم قوات البيشمركة أيضاً.
هذا ما رواه لـ «الحياة» مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان في غرفة عمليات قرب خطوط المواجهة مع التنظيم الإرهابي.
قال: «هذه الحادثة لا يمكن أن تنسى. ذهبت الى منزل العائلة في سوران. استقبلتني السيدة عائشة محاطة بزوجات الشهداء والأحفاد. كان المشهد مؤلماً جداً ولا أعرف كيف أصفه. قلت لها كلنا نتشرف أن تكوني أمنا وأن نكون أبناءك. هؤلاء شهداء الأمة. وكل الذين سقطوا هم أبناؤك. نرجو من الله أن يلهمك ويلهمنا الصبر والسلوان. تأخرت في تقديم واجب العزاء لأنني لم أكن أتحمل هذا المشهد».
وأضاف: «قالت أم الشهداء الثلاثة: لا تتألم. هذا شرف كبير لعائلتنا. لدينا ابنان آخران وهما على استعداد للتضحية بحياتهما من أجل كردستان».
كان بارزاني يتحدث مغالباً دموعه. قال إن أحد عناصر البيشمركة عرف باستشهاد شقيقه وإصابة والده. اتصل بشقيق له يرابط هو الآخر على الجبهة وقال له «إذهب مع جنازة شقيقنا وإذا توفى الوالد أدفنه وارجع ولا تتأخر، أما أنا فلن أترك الجبهة».
روى لـ «الحياة» قصة أخرى حدثت في 17 كانون الأول (ديسمبر) المــاضــي، وكان بطلهـا الشهيــد العقــيد أحــمد المزوري المشـــــهور بـ «الشيخ أحمو». اقتربت سيارة مفخخة لـ «داعش». تقدم المزوري لوضع العوائق، لكن الوقت كان قد فات. أمر جنوده بالانبطاح والانتشار وصدم السيارة بسيارته العسكرية فاستشهد وأنقذ حياة المئات من رفاقه.
سألته عن أقسى لحظات المواجهة الحالية فأجاب: «كل نقطة دم خسارة كبرى. تصور أن تلتقي ضابطاً في الصباح ثم يأتيك مساء خبر استشهاده. وأحياناً يكون ابن شهيد او حفيد شهيد».
قال إن خسائر البيشمركة حتى الآن بلغت 800 شهيد بينهم 300 من الضباط وضباط الصف. استشهد ضابطان برتبة لواء وعشرة برتبة عميد وكثيرون من رتب مختلفة. وأضاف: «الثمن باهظ، لكن لا بد من دفعه لأنه دفاع عن وجود أمة وكرامتها. تعرض وجود إقليم كردستان لتهديد بالغ الخطورة. لكنني أستطيع القول وبثقة إننا كسرنا شوكة «داعش» وحررنا نحو 17 ألف كيلومتر مربع من احتلاله. خسائره لا تقل عن ثلاثة آلاف قتيل. أبلغت بغداد وجهات أخرى أننا على استعداد لخوض معركة الحسم النهائي مع الإرهابيين إذا توافر السلاح الثقيل الذي نحتاجه». وتابع بلهجة حاسمة: «لن نسمح بتكرار ما حدث وأن تُستباح مدن وقرى وتقتلع مجموعات. دعني أكون واضحاً، لن نغفر لمن ذبح الأبرياء وسبى نساء الإيزيديين. ولن نغفر لمن شارك هؤلاء الوحوش وساعدهم. لا أقصد الانتقام أبداً بل أقصد العدالة».
وأشاد بارزاني بتضحيات أبناء كردستان على الصعد كافة. قال إن المعركة بدأت في وقت كانت حكومة المالكي أوقفت فيه رواتب أبناء الإقليم. وعلى رغم ذلك، سارع المواطنون الى دعم البيشمركة وأحيانا تطوع ميسورون لتوفير مستلزمات محور كامل من الغذاء.
وأشار الى تحسن في التنسيق مع الجيش العراقي لكنه امتنع عن التكهن بموعد لنهاية الحرب. جدد ثقته بالقدرة على إلحاق الهزيمة بـ «داعش» على رغم اعترافه بأن المعركة معه أصعب من المعركة السابقة مع صدام حسين ومختلفة.
الحياة