الديمقراطية الحزبية

3

د.عبدالوهاب أحمد
يعد الحزب السياسي أحد أبرز ادوات النشاط السياسي العام في أي بلد ، سواء كان هذا البلد يحكم بنظام ديمقراطي تعددي أو دكتاتوري فردي ، وهو إطار محدد بضوابط سياسية ، أخلاقية ، فكرية ومسلكية، يُجمع بين مجموعة من الناس في إقليم جغرافي واحد ، أو في سائر البلاد ، يسعون إلى تحقيق أهدافهم بالنضال الديمقراطي السلمي .

في البلدان التي تحكمها أنظمة دكتاتورية، أو تلك التي تتمتع بقدر كافٍ من الحرية والتعددية ، قد تجد من الصعوبة بالإمكان حزب يخلو برنامجه السياسي من مفردة ” الديمقراطية” ، وبات هذا المفهوم يشغل حيزاً كبيراً في الحياة الداخلية والخارجية لمعظم الأحزاب في العالم . وبالرغم من إنهيار المنظومة الاشتراكية وتلاشي معظم مفاهيمها التي كانت تستخدم في تلك الحقبة، وعمليات التحول الديمقراطى في كافة المجالات إلا أن معظم الأحزاب السياسية، وخاصة في الدول النامية ومنها سوريا، ما زالت تحتفظ بتلك الهيكلية اللينينية لتنظيماتها السياسية ، هذه الهيكلية التي تستند في عملها الداخلي على مبدأ ” الديمقراطية المركزية ” ، أي حصر صنع القرار ورسم السياسات الاستراتيجية والتنظيمية في يد فئة معينة أو دائرة صغيرة تتربع في قمة الهرم التنظيمي تسمى ” اللجنة المركزية ” ، دون أن تكون لبقية هيئات الحزب أي دور فعال في المشاركة بالقرار السياسي أو رسمه ، وما استعراض مجمل القرارات والتوجيهات الصادرة عن الهرم التنظيمي على الهيئات الدنيا والقواعد والتنظيمات الحزبية المختلفة وفق هذه الهيكلية بهدف إبداء الرأي والمناقشة، ليست

إلا هبة ومكرمة مجانية من الديمقراطية المركزية لصالح الديمقراطية الحزبية العامة ، وفق هذا المنحى، اتجهت غالبية الأحزاب السياسية وبإدراك متعمد من فئة محددة منتفعة ضمن ” الحلقة المقدسة ” في قيادة الحزب إلى ترسيخ مبدأ الطاعة العمياء والولاء المطلق لكل ما يصدر عن المركز ” الديمقراطي” ، وتداول مقولة : أن كل السياسات أو القرارات ما كانت تصدر لو لم تكن أصلا لمصلحة الحزب والرفاق معاً ، بهذه العقلية والمداراة تم تطبيق الديمقراطية داخل التنظيمات اللينينية الهيكل ، الأمر الذي جعلها أكثر عرضة للفساد والدكتاتورية وترسيخ ثقافة عبادة الشخص من خلال نسج هالة من الحكمة والمعرفة والثقافة وفنون القيادة والزعامة إلى درجة الأسطورة أو المعجزة التي لن تتكرر حول أشخاص محددين في الحلقة المقدسة المركزية ، وهذه التنظيمات نفسها كانت أكثر سرعة و قابلية في التفسخ او التشظي حال تسرب الخلل من وإلى ديمقراطيتها المركزية الوصية على تطبيق الديمقراطية الهامشية في الحزب .

إذاً ، ما العمل ؟ كما يقول لينين نفسه، لطالما مازلنا متمسكين بهيكليته التنظيمية ونحن في زمن كل هذه المتغيرات العالمية السياسية ، الاقتصادية ،الاجتماعية، الثقافية ، الجيوسياسية والتكنولوجيا … الخ .

أفرزت عمليات التحول في النظام العالمي الجديد جملة من المفاهيم الأساسية في الحياة السياسية العامة ، على مستوى الأحزاب أو الدول ، وباتت تفرض واقعاً جديداً لنمط التفكير والعمل في الشأن العام داخلياً وخارجياً ، ولأن مستوى الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان والالتزام بتطبيق معايير الديمقراطية والشفافية والإصلاح باتت السمة الأبرز لهذا النظام والتحول ، لذا فإن اللجوء إلى بناء أحزاب سياسية عصرية بهيكلية أكثر ديناميكية بعيدة عن التعقيدات السابقة في حياة الأحزاب الداخلية ،اصبحت ضرورة ملحة لمواكبة مجمل هذه المستجدات ، بمعنى آخر، بتنا بحاجة إلى حزب سياسي ديمقراطي حقيقي يحمي نظام العمل داخل التنظيم بشكل عصري يواكب التطورات في الواقع ويستوعب مختلف الثقافات والقطاعات في الحيز الجغرافي أو ساحة النشاط السياسي داخل البلاد وخارجه .

اذاً العمل باعتقادي : هو التوجه إلى تناول فكرة الديمقراطية وأهمية توافرها داخل التنظيمات السياسية ( أحزاب ، حركات ، جمعيات ….. إلخ) ، وذلك انطلاقا من فكرة أن اي تنظيم سياسي لابد أن يتمتع بشكل من أشكال الممارسة الديمقراطية، ويتميز به عن غيره من التنظيمات الأخرى ، أي أن يستند على مبدأ المشاركة الفعالة في صنع القرار من خلال انطواء هيكله التنظيمي على توزيع معين للسلطات والاختصاصات الحزبية على مستوياته التنظيمية المختلفة، ولا يتم حصرها فقط في مستواه القيادي ، والهدف من ذلك أن تحظى عملية صنع القرار فيه بمشاركة حقيقية من كل المستويات التنظيمية للحزب, أو على الأقل تحظى بالرضا العام من كل مستويات الحزب التي لم تشارك في صنعها ، ينتج عنها في المحصلة عدم احتكار سلطة مركزية لعملية صنع القرار في الحزب، بل يتيح آلية توزيع السلطة فيه لفروع الحزب وتنظيماته في الإقليم أو منطقة جغرافية واحدة ومحددة ، وكذلك في مناطق تواجد تنظيماته التي لا ترتبط بجغرافية متصلة بنفس القوة والحيوية والسوية ضمن لائحة داخلية ناظمة وفق مبدأ ” اللامركزية التنظيمية ” . من هنا يمكننا القول : أن إشاعة الديمقراطية في الحياة الداخلية للحزب ، وانفتاح قياداته المؤقتة وتحليها بالمرونة الكافية في تقبل جميع الاراء والثقافات من الرفاق العاملين في الهيئات الأخرى ، يجب أن تخضع لضوابط وإجراءات رسمية وواضحة، وأن يشهد تجديدا دوريا وتداولا للمراكز والهيئات القيادية دون تذمر واستياء من قبل قياداته السابقة في كل مواقعه من خلال انتخابات دورية تنافسية تعكس مشاركة قاعدية منتظمة في اختيار النخبة الحزبية والطاقات الواعية المثقفة من الشباب والمرأة ، وذلك بعيدا عن تلك الصورة النمطية لمواصفات القيادي الشرق أوسطي ذي الشعر الابيض و تجاعيد الوجه المترهل ، أو عدد سنوات مكوثه في المعتقلات و حقبة نضاله العسير في الماضي ، ولا بد أن يكرس ثقافة الاختلاف وليس مراعاتها في الحزب الديموقراطي الحقيقي ، واحتضان مختلف الاتجاهات الفكرية، وفتح عضويته أمام جميع المواطنين من دون أي قيد أو مانع أو تمييز أيا كان نوعه أو مصدره لطالما يتطوع صاحبه في خدمة شعبه وقضيته وفق البرنامج السياسي والضوابط التنظيمية التي سيعمل تحت سقفها ، كما أن الحزب الديمقراطي الحقيقي هو ذلك الحزب الذي يقبل غيره من الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية نفسها، دون إقصاء أو محاولة للاحتواء بالترهيب أو التغييب أو الإنكار، واعترافه بحق الأحزاب الأخرى في الوجود، والتعبير عن نفسها واعترافه بحق بقية الأحزاب في التنافس معه للوصول إلى الهدف المرسوم .

Leave A Reply

Your email address will not be published.