الكاتب والباحث حازم نهار لموقع حركة الإصلاح الكردي “ليس من المعقول أن تتحاور القوى الكردية عامًا كاملًا من دون نتيجة”

34


بعد  10 سنوات على انطلاقة الثورة السورية، التي راح ضحيتها عشرات  الالاف من الشهداء والجرحى وتشرد الملايين يعتقد الكثيرون أن شكل تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع النظام السوري سيكون مختلفا عن طريقة تعامل الرئيس الأمريكي الحالي ترامب وخاصة في ظل التقارير التي تتحدث عن المرونة التي يمكن أن ينتجها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في التعاطي مع الملف الإيراني وتاثيراتها على الوضع السوري

1- ما آفاق الحل للأزمة السورية في ظل التجاذبات والخلافات الاقليمية والدولية؟
أصبح هذا السؤال منذ زمن من الأسئلة الصعبة التي لا توجد إجابة موثوقة بشأنها؛ فدرجة التعقيد العالية في الوضع السوري والإقليم، والتشابك والتناقض الشديدين في المصالح الإقليمية والدولية حول سورية، كل ذلك يجعل من تقديم إجابة شافية أمرًا صعبًا.
المشكلة أن الأزمة السورية أصبحت مرتبطة بأزمات أخرى خارج سورية، ما يفتح باب المساومات دائمًا بين الدول، إضافة إلى عدم وجود طرف سوري وازن قادر على دخول هذا المعترك من باب المصلحة الوطنية السورية؛ فالنظام السوري فتح الباب لعدة دول وقوى، روسيا وإيران وحزب الله، للتدخل في الوضع السوري، وهذه الدول أصبح لها مصالح كبيرة في سورية، أو يمكن أن تستخدم سورية كورقة للمساومة في أماكن وملفات أخرى. أما “المعارضة السورية” فهي عاجزة وتابعة وممزقة ومتصارعة، ولا يُتوقع أن تكون قادرة على التعاطي مع المشكلة السورية إلا من باب تنفيذ ما تطلبه الدول منها.

2- بعض جهات المعارضة ترى أن النظام الاتحادي (الفدرالي) هو المخرج للأزمة السورية، ما رأيكم في ذلك؟
نحن دائمًا ما نختلف حول الكلمات والمصطلحات، لكن من دون أن نجلس ونناقش بهدوء التفاصيل والدلالات والمعاني؛ فأنا يمكن أن أكون مع النظام الفدرالي بمعنى ما، ويمكن أن أكون ضده بمعنى آخر. بالتالي لا أستطيع تحديد موقفي من مفهوم أو مصطلح إذا لم نتفق على معنى ودلالاته.
الحاصل هو الاختلاف حول الكلمات والانقسام حولها لأنه لم يحصل حوار عميق وتفصيلي حول طبيعة هذا النظام ومعانيه ودلالاته وآلياته ونظمه. بالنسبة إليَّ، مثلًا، إن كان معنى “النظام الفدرالي” إنشاء دولة اتحادية على أساس تقاسم إثني أو طائفي، فهذا غير مقبول.
أُضيف أيضًا أن المشكلة الأساسية كانت ولا تزال في طبيعة نظام الحكم القائم في سورية منذ نصف قرن من حيث كونه نظامًا استبداديًا وشموليًا.

3- تختزل قوى من المعارضة السورية قضية الشعب الكردي في سوريا بمظلومية تاريخية فقط
كيف تنظرون الى حلها في المستقبل؟
لا أدري من المقصود بالمعارضة السورية التي تنظر إلى القضية الكردية بوصفها قضية مظلوميات فحسب، لكن أستطيع أن أذكِّر برأيي الذي كتبته مرات عدة.
القضية الكردية في المنطقة، بصورة عامة، تتجاوز حدود وطاقة وقدرة سورية وحدها، فهي لها علاقة بعدة دول في المنطقة، وبتوازنات إقليمية ودولية، لا تستطيع سورية حلها، ولا تستطيع أي دولة لوحدها حلها.
يعني ذلك أن سورية معنية بحل قضية السوريين الكرد أو الكرد السوريين ليس أكثر، وهذا ما يجعل القضية الكردية في سورية قضية وطنية سورية على جدول أعمال السوريين كلهم. والحل في اعتقادي يكون برفع الظلم والحيف الذي وقع بحقهم على جميع المستويات، وتثبيت حق المواطنة المتساوية لجميع السوريين، والاعتراف بالتعددية، وبالحقوق الثقافية للجميع، وإقامة نظام ديمقراطي لا مركزي على أساس أقاليم جغرافية، ومشاركة جميع الأقاليم في الدولة المركزية، ويجري فيه تثبيت العلاقة بين المركز والأقاليم، مع احتفاظ المركز بدوره المركزي في السياسة الخارجية والجيش والأجهزة الأمنية، فضلًا عن دوره في تحقيق التكامل الاقتصادي بين الأقاليم بما يخدم تنمية بشرية عادلة ومستدامة.

4- ما أبرز الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة السورية وساهمت بتأخير الحل السياسي وإيجاد النظام الديمقراطي في البلاد؟
إذا كان المقصود المعارضة السياسية فأقول: ارتكبت القوى المعارضة السورية كلها أخطاء جوهرية؛ أهمها تخليها عن الاستقلالية الوطنية، واندراجها في مشاريع وسياسات إقليمية ودولية، وتعاركها مع بعضها بعضًا، وذهاب بعضها إلى فرض رؤيته باستخدام السلاح أو عبر الاستعانة بقوى إقليمية أو دولية، وانتهاج قسم كبير منها لخطاب سياسي طائفي أو لخطاب قومي يعتمد الكراهية والعنصرية، وانجرارها إلى كل ما خطط له النظام السوري وما اتهم الثورة السورية به، فضلًا عن أخطاء في التقدير السياسي، وضعف البصيرة الاستراتيجية في قراءة الحدث السياسي في سورية.

5- من خلال متابعتك للوضع في البلاد منذ 2011 وبعد أن تم تدويل القضية السورية، هل هناك سيناريوهات تنتظر الشعب السوري؟
كما قلت سابقًا، لا يمكن توقع سيناريو محدَّد بحكم وصول القضية السورية إلى درجة كبيرة من التعقيد وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، لكنني عمومًا لست متفائلًا باقتراب الحل الذي يطمح إليه السوريون في معظمهم؛ هناك سيناريو إعادة إنتاج النظام السوري من دون أي تغيير، وسيناريو إعادة إنتاجه مع بعض التعديلات الطفيفة، وسيناريو استمرار التشظي والتفسخ في الدولة والمجتمع إلى زمن غير محدَّد، وسيناريو حدوث مساومات ومقايضات دولية وإقليمية تجري فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية بمشاركة النظام السوري، وفوزه في الحصيلة.
أما سيناريو إعادة بناء الدولة على أسس جديدة وعقد اجتماعي جديد يحقق طموح السوريين في خلق نظام ديمقراطي، فما زال بعيدًا، وهو يحتاج إلى خلق طرف وطني ديمقراطي سوري يعيد لملمة الساحة السورية، ويفرض نفسه تدريجيًا على سياسات الدول الإقليمية والكبرى، وهذا يحتاج إلى زمن وجهد كبيرين.

6- قراءتكم للسياسة الأميركية في المنطقة بعد ولاية ترامب؟
تغيرات السياسة الأميركية بين إدارة وأخرى هي تغيرات طفيفة عمومًا. لنسأل أنفسنا ما التغيرات الفعلية بالنسبة إلى سورية التي يمكن التقاطها بين إدارة أوباما التي استمرت ثماني سنوات وإدارة ترامب التي استمرت أربع سنوات؟ أعتقد لم يحدث تغيرات كبيرة باستناء ما يتعلق بالملف الإيراني، وهو ما لم ينعكس إيجابًا على الوضع السوري.
يمكننا القول إن رئاسة بايدن ستكون استمرارًا لولاية لأوباما، ويُتوقع أن يكون فريقه من الأشخاص الذين كانوا جزءًا من فريق أوباما. هناك بعض المسائل التي حصلت في عهد ترامب، مثل التطبيع مع إسرائيل، يُتوقع أن تستمر في عهد ترامب، لكن بصورة أقل تسارعًا. أما بخصوص إيران، فيتوقّع أن يعود بايدن إلى الاتفاق الذي أجراه أوباما مع إيران، ربما مع تعديلات طفيفة. أما في سورية، فستستمر عقوبات قيصر على النظام السوري، لأنها أصبحت قانونًا أميركيًا وليس قانون إدارة أميركية بعينها، وستظل أميركا تربط العقوبات بتغيير سلوك النظام السوري وإجراء تغييرات سياسية بما يتوافق مع القرار 2254.

7- بوجهة نظرك لماذا تفتقر الساحة السورية لأحزاب ديمقراطية تقود العمل السياسي والجماهيري …؟
على العموم، تفتقر الساحة السورية إلى أحزاب سياسية ديمقراطية قوية بحكم منع الممارسة السياسة مدة تزيد على خمسين عامًا في سورية. لكن هناك أسباب أخرى تتعلق بطبيعة التوجهات السائدة سياسيًا التي تسيطر على الوعي السوري العام، وهي تمنع تكون أحزاب وطنية ديمقراطية سورية، خصوصًا من حيث سيطرة أيديولوجيات فوق وطنية، مثل الأيديولوجيات القومية العربية والأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف أنواعها، أو أيديولوجيات تحت وطنية، مثل أيديولوجيات القوى الكردية والأيديولوجيات الطائفية على اختلاف أنواعها، وهذا كله يعني أن سورية بوصفها وطنًا للسوريين كلهم غير واردة في حسابات القوى السياسية السائدة، على الرغم من اهتراء وتفسخ جميع هذه القوى.
يُضاف إلى ذلك ابتعاد القسم الأكبر من السوريين، خصوصًا الشباب، عن ممارسة السياسة وبناء أحزاب جديدة على أسس مغايرة، وانطلاقًا من مفاهيم أخرى مختلفة عن السائدة، وذلك بحكم أن تجربة حزب البعث ما زالت ماثلة في الذهن، ما يجعل الأغلبية تنظر بصورة سلبية تجاه البنى الحزبية. نحتاج فعلًا إلى قوى سياسية جديدة تنطلق من اعتبار سورية وطنًا نهائيًا لجميع أبنائها.
كلمة ختامية
أختتم هذا الحوار بكلمة موجهة إلى القوى الكردي والقوى العربية في سورية:
أعتقد من المهم لجميع العاملين في الحقل السياسي الاعتراف بالواقع وتوازناته، المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثمّ يفترض عدم وضع أهداف تتجاوز قدرتنا على الفعل والتحرك، فآنذاك سنكون في عداد من ينشرون الوهم ويعملون من أجل الوهم.
ومن المهم أيضًا قراءة الأبعاد والمسارات الاستراتيجية في المنطقة جيدًا، لأن فهمنا لها يعفينا من طرح شعارات خارج سياق الزمان والمكان وموازين القوى، ويعفينا أيضًا من الانفعال بشأن الواقع الحالي بما فيه من تمزق وكراهية، فالسوريون عربًا وكردًا سيعيشون في وطن واحد اسمه سورية، وكلهم سوريون متساوون في الحقوق والواجبات.
من المهم في سياق العمل السياسي أيضًا الاقتناع أنه لا بديل من الحوار وتفعيل القواسم المشتركة بين الجميع، فليس من المعقول أن تتحاور القوى الكردية عامًا كاملًا من دون نتيجة، وليس من المعقول ألا يكون هناك حوار عربي كردي صريح وتفصيلي وجدي، وليس من المعقول أيضًا أن نبقى نسير في طريق التشظي والانقسام؛ بدأنا منذ عشر سنوات باثني عشر حزبًا كرديًا، فيما اليوم لدينا أكثر من مائة حزب كردي، فهذا لا يصب في إطار التعددية بل في إطار المرض والفوضى.

حاوره فيروشاه عبدالرحمن

Leave A Reply

Your email address will not be published.