مخاتلة (من كوباني إلى عدن)
الكاتب اليمني مروان الغفري كتب في صفحته على «فايسبوك» أن سبب تفوق الحوثي قتالياً هو انصرافه إلى الحرب بينما اتجهت عائلة الغفري إلى العلم والمعرفة، فكان منها الأساتذة الجامعيون والمهندسون والأطباء. هو الفرق بين البناء والتدمير، فالتعليم استثمار وتنمية وأفق، بينما البندقية تقتل الحركة ويجرف صخبها كلمة «اقرأ».
ما يحدث في الجنوب هو مواجهة ظالمة بين قوى شريرة مسلحة لا خلاق لها وبين مجموعة من المقاومين كانت نظرتهم تتجه إلى الأفق العريض والمستقبل المشرق. أهل الجنوب شجعان هم وغيرهم من أبناء اليمن المتفائلين، لكن أصابعهم أدمنت تقليب الصفحات واستقراء الكلمات، فلم تكن البندقية سوى ممارسة تقليد أو هواية صيد عفوية.
خلال الأيام الماضية طوى العدنيون كتبهم وأغلقوا محالهم وواجهوا الموت بسلاح وحيد هو: لا تنازل عن الحرية والكرامة إلا حين يسكن النبض. الفروق كبيرة وعريضة ومع ذلك كانوا هم الفائزون. لم يكن أهل عدن فرقاً قتالية، لكنهم -خلال أيام- تعلموا التنسيق والتوجيه والتواصل المقنن مع تحالف «عاصفة الحزم» ليشكلوا خلايا مقاومة سريعة التعلم مشحونة بغضبها ومتسلحة بكرامتها. الرعب الأولي استحال شجاعة واندفاعاً بعد امتصاص الصدمة ولملمة الصفوف، فأصبح الحوثي وصالح كلما دخلوا منطقة جديدة كأنما يزيدان متانة الحبل حول رقابهما. هذه المقاومة خلقت تيار حماسة يمتد إلى القبائل ومناطق أخرى، فارتفعت الأصوات الناقمة على جرائم الحوثي، وتسابق شجعانها للمساعدة والقتال في حملة تحرر تتسع من أجل اليمن وحرصاً على مستقبلها وتأكيداً لصلابتها التي طردت كل غاز اقترب منها، إلا أنها المرة الأولى التي تأتيها الطعنة من الداخل بعد أن تقنعت بحصان طروادة.
اليمنيون ليسوا بحاجة إلى نصرة برية، فهم قادرون على ذلك بعد أن شلت «عاصفة الحزم» القدرات التدميرية للأعداء، وقطع طرق التكوين وتقليص الفارق إلى حدود ضيقة.
اليمنيون ليسوا بحاجة إلى نصرة برية، لأن ما يحدث حرب شوارع وحالات تسلل لا يمكن لأحد أن يفهم خريطتها سوى أبناء اليمن الذين يفهمون جغرافية أرضهم وشفرة أعدائهم، ما يجعلهم القوة القادرة على إفشال العدوان الحوثي، ثم أنهم شركاء أساسيون في إنقاذ البلد، وما يأتيهم هو دعم ومساندة غيورة ومستجيبة لطلبهم ضمان بقاء شرعيتهم.
في كوباني احتشد «داعش» بكل عتاده ووحشيته وتمدد حتى استولى على معظمها، لكن إرادة أهلها الأكراد بدعم قوات التحالف الدولي جوياً طردتهم منها كلياً وأسقطتهم في أول مواجهة فعلية.
الحوثي و «داعش» متماثلان، فجميع استعراضاتهما وجرائمهما كان المدنيون العزل ميدانها ومجال فخرها، فإذا صادفا حرباً ومواجهة تبدى خبثهما وتجسد فشلهما.
عدن هي التي ستقاوم ومعها القبائل والمدن التي كان أهلها لا يجدون ظلاً سوى فوهات مدافع الحوثي. أما الآن، فالشجاعة هي المحك، وقد تبين للمخدوعين أن صالح والحوثي يبيعون أرضهم وكرامتهم كأنها سلعة في السوق، فتضافر الأخوة لإعلان أن اليمن أبية على الخضوع، وهو إباء تزيد قامته كل يوم ارتفاعاً وسطوة.
جاسر الجاسر