حول استقلالية القرار السياسي
يتداول مصطلح القرار السياسي المستقل بين معظم المهتمين بالشأن العام لما له من أهمية و دور في تحقيق المصلحة الوطنية والقومية سواء على صعيد الدول، أو الاحزاب والمنظمات، وذلك بسبب العلاقة الجدلية بين استقلالية القرار السياسي والنهضة الاقتصادية والثقافة والفكرية…. وإن معاناة الشعوب تكمن بشكل أكبر في عدم قدرة حكوماتها او قياداتها على تحقيق استقلال قرارها السياسي، بل غالبا ما تسعى هذه الأنظمة إلى محاربة اية عملية تنموية أو حالة ديمقراطية يمكن أن تساهم في تطوير البلاد، وبذلك تعمل من أجل تقوية ركائز الاستبداد والتفرد بمصير الشعب وضعف مقدراته . ومن حيث المبدأ لايمكن ان يختلف اثنان على ضرورة استقلالية القرار السياسي وأهميته، وان عدم تحقيقه عامل أساسي يدفع نحو التشتت والتناحر والفساد وإلى المواءمة مع التبعية بأشكالها المختلفة فأية تبعية للخارج تكون على حساب الوضع الداخلي ومستلزمات استقراره وتطويره، ولكنّ الوصول الى تحقيق استقلالية القرار السياسي ليس بالأمر السهل كما يتصوّر البعض لأن أهم مستلزمات تحقيق هذا الهدف ،هو تكامل وتحرير الاقتصاد و الفكر والثقافة مع الحرص الشديد على المنتج الوطني، وهذا ما تفتقده الغالبية العظمى من الدول والحركات السياسية في العالم وفي منطقتنا بشكل خاص ، فالدولة حينما تعمل على ترسيخ مفهوم كون الشعب وُجد من أجل خدمتها ، وتكون هويتها الوطنية قابلة للتمزق نتيجة تظّلم او اضطهاد مكوّن من مكوناتها سواء كانت قومية او دينية أواجتماعية … فإنها بذلك لن تتمكن من حماية قرارها لأنها ستعاني من الضعف وستفقد كل مقومات النهضة التي تعتبر الركيزة الأساسية لاتخاذ قرارات تخدم الدولة والشعب، لذلك ستكون سهلة الاختراق و تظل ابوابها مفتوحة للقوى الخارجية القادمة امّا بحجة حماية نظامها أو حماية مكوناتها لتسلب منها الإرادة وتتدخل في كل مفاصلها لخدمة مصالح تلك القوى المتدخلة . و ان الأحزاب السياسية لاتختلف كثيرا في هيكلتها و سلوكياتها عن الدولة، فبقدر ما كان التنظيم ضعيفا بدت التبعية والرضوخ للأقوى من أبرز سماته،وتحوّل إلى مجرد أداة يستخدمها الآخرون في الصراعات من أجل مصالحهم . ويمكن أن تختصر عوامل الضعف في فقدان الديمقراطية والعمل المؤسساتي داخل التنظيم بالتساوي مع عدم السعي للتأهيل الثقافي والسياسي الذي من شأنه أن يجعل العضو قادرا على تحمّل مسؤولياته وامتلاك الادوات المعبّرة عن مواقفه والتسلح بثقافة قبول الآخر ، وهذا ينطبق على التنظيمات الكردية بفارق هام ،هو أن الحركة السياسية الكردية في سوريا بشكل خاص تتحكم بها ظروف ذاتية وموضوعية -بالاضافة إلى ما سبق- ، تجعلها تعاني من حالة الضعف التي تعيشها ومنها عدم امتلاكها لاقتصاد يساهم في تطوير قدراتها وصنع شخصيتها السياسية والفكرية المتميزة،ولذلك تفتقر إلى امكانيات تؤهلها لتنظيم حياة الناس وأحوال معيشتهم إضافة إلى أسباب تتعلق بالجغرافية والتاريخ والواقع السياسي الذي عاشت فيه الحركة الكردية منذ نشأتها في ظل أنظمة سياسية لا تقبل بوجود الآخر. ولكنّ ذلك لا يعفي الحركة السياسية وقياداتها من المسؤولية عن جزء كبير من هذا الضعف والتشتت وما العدد الهزلي لأسماء الأحزاب الا تجسيدا لهذا الواقع الذي لم يزل غير مساعد لإيجاد تنظيم ديمقراطي مؤسساتي معبّر عن طموحات ومصالح الشعب . وبالمجمل فان قبول المنح والمساعدات من الدول المتقدمة والمنظمات ذات الطابع الاقتصادي من أجل حماية وتطوير هيكلة الدولة او الحزب يشكّل سبباً أساسيا في ارتهان القرار السياسي لتلك الدول والمنظمات وترسّخ ثقافة الإعتماد على الأخر وفقدان الثقة بالقدرات المحليّة وامكانية تطويرها فإذا كانت الدولة للمواطن وليس العكس وكذلك التنظيم السياسي للجماهير وليس العكس، في حينها يمكن أن تتضافر الجهود و تبدأ عملية الإصلاح بالاعتماد على المؤسساتية لخلق الشخصية الاعتبارية المدافعة عن هويتها وبوصلتها الوطنية والوصول إلى تحقيق قرارها السياسي المستقل.