يدمِّران ما بنيا
كانت لحزب العدالة والتنمية تجربة فريدة في تاريخ تركيا الحديث، وثمة من يقوِّضها. وجميعنا نعرف من هو. إنه الذي حقق نجاحا اقتصاديا مثيرا، ووضع تركيا في صف الدول الصناعية وأهَّلها للانضمام إلى الوحدة الأوروبية من خلال تحسين القضاء، وتخفيف السجون، واحترام الحريات الفردية والحقوق البديهية.
يعكس إردوغان الرئيس ما حققه إردوغان رئيس الوزراء. الرجل المتواضع الذي كان يتوقف عند الباعة المتجولين ليروي لهم خبرته في الحق، صار يبني قصورا تشبه قصور تشاوشيسكو. الرجل الذي انتفض على حكم العسكر ينكِّل الآن بخصومه، ويطلب من الإنتربول اعتقالهم كمجرمين. والذي رفع شعار «الحرية والعدالة»، يوجه إلى خصومه تهمة «تهبيط عزائم الأمة» الشائعة في عدالات العالم العربي.
كانت ألمانيا أكبر حليف لتركيا لأسباب تعود إلى الإمبراطورية العثمانية، ولأنها تضم نحو 3 ملايين تركي مجنَّس. ويصدف أن هذه الدولة الأهم في أوروبا تحكمها سيدة. وقد أعلن إردوغان أخيرا أنه ليست للمرأة حقوق الرجل، متناسيا ماذا يعني هذا الكلام في برلين.
علاقات أنقرة أصبحت سيئة في كل الاتجاهات، مع أميركا، ومع أوروبا، ومع الأكثرية الساحقة من العرب، وتزداد سوءا مع الأكراد الذين رأوا «داعش» في ديارهم قادما من البوابة التركية. عندما تتكاثر الأخطاء يصبح من الصعب تصحيحها. وعندما يرسم الحاكم لنفسه صورة ما فإنها تنطبع في ذاكرة شعبه وفي ذاكرة السياسة الدولية. وصورة إردوغان الجديدة تكاد تمحو صورته السابقة كرجل دولة وسياسي دولي ذي مكانة تليق ببلد كبير.
يقابل إردوغان أزماته بغضب. ويبدو على المسرح الدولي وكأنه توأم الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. كلاهما يخسر في السياسة وفي الاقتصاد معا. والليرة مثل الروبل، تتدهور بعد ازدهار مشهود. والصورة العامة للبلدين تتأثر بتصرف الرجلين. وكلاهما غارق، على طريقته، في سوريا. ولا يجد الزعيمان سوى لهجة التحدّي التي قد تليق ببداياتهما، لكنها لا تليق بما وصلا إليه، وبما أوصلا بلديهما إليه أيضا.
إنَّ خلف بوتين في روسيا، التي كانت متعبة، إنجازات كثيرة. وخلف إردوغان في تركيا، التي كانت متهالكة، إنجازات كثيرة. لكن يبدو أن الغرور يوجه سلوكهما اليوم. وهو مرض يقضي على صاحبه وعلى أهله أيضا. موسكو وأنقرة في حاجة إلى مصالحات، لا إلى مواجهات. إلى سياسة دولة، لا إلى عادات الحزب.
سمير عطا الله