السّلوك الإيراني بين الحقائق والنّوايا

4

سيشهد الشرق الأوسط علاقات إقليمية ودولية جديدة بعد الاتفاق النووي بين إيران سليلة الصفويين والساسانيين، والدول الكبرى (1+5) ذلك الاتفاق الذي وصفه بعضهم بـ«التاريخي» ووصفه آخرون بـ«الخطأ التاريخي» كلّ من منظاره الخاص.

الاتفاق «التاريخي» الذي أبرمَتْه إيران مع الدول الكبرى السّت أراده أوباما نقطة تحوُّلٍ في صياغة أزمات المنطقة، ونصراً كبيراً له قبل انتهاء ولايته. فصرَفَ طاقةَ إدارته القصوى ونفوذَها لدى القوى الحليفة له لإنجازه، متغاضياً النّظر عن مصالح حلفائه العرب، الذين وقفوا متفرّجين حائرين.

فمن جهة تقليص نفوذ إيران النووي، وإيقاف سعيه إلى امتلاك القنبلة النووية، يُعَدُّ الاتّفاق أمراً هاماً ومفيداً للعرب، ومن جهة أخرى سيدرُّ الاتّفاقُ أمولاً هائلة على إيران (ما يزيد عن مئة مليون دولار) مما يمكّنُها من مدّ أدواتها في المنطقة العربية بالمال والسّلاح، وإكمال استلابها للإرادة العربية التي أصبحت رهينةَ التشتُّت والتّمزُّق. فمثلثُ القوة العربية مكسورٌ بعد خروج العراق وسوريا واليمن من المعادلة السياسية، وبعض الدول العربية الأخرى منشغلة بإرثٍ ثقيل بعد إسقاط أنظمتها القمعية (تونس وليبيا). ولم يعد بإمكان السعودية ومصر الركيزتان الأساسيتان لمثلّث القوة من مواجهة التمدّد الإيراني بمفردهما، خاصة بعد الاتفاق النّووي الذي سيجعل من إيران ليست دولة مهمة في الإقليم، بل «الدولة المهمة فيه» حسب تصريحات صقورها المتشددين.

يعرف السّيد أوباما أن حلّ قضايا المنطقة المستعصية يستغرقُ وقتاً أطول من فترة بقائه في سدّة الحكم، فتركَ شعوبَ المنطقة تواجهُ مصيرَها وحدها، وألقى بثقل الولايات المتحدة للاهتمام بالملف النووي الإيراني ومعها الدول الكبرى، تاركة المنطقة على صفيحٍ ساخن، وأزماتُها تتعمّقُ بعد ركوب القوى المتشددة والمتطرفة ثوراتها الشعبية، وحرفها من مساراتها.

يساور القلقُ دول المنطقة (الخليج خاصة) بأنّ الاتفاق قد تُوِّج على حساب قضاياها الشائكة، بعكس منظور الولايات المتحدة التي تأمل في وضع إيران تحت مظلة المراقبة، وتغيير سلوكها. فإيران ورغم مشاكلها الداخلية، وصعوباتها الاقتصادية لم تتوقَّفْ عند حدودها يوماً، فلم تتوانَ في تصدير ثورتها الطائفية، وتسويقها، لضرب الاستقرار العربي والسيطرة على دولها المتشاطئة معها طائفياً، تقودها في ذلك شهوتها في بناء إمبراطوريتها، وتقسيم ممالك الشرق بينها وبين الغرب، وتصريحات على خامنئي الأخيرة تؤكّد أنّ ((إيران لن تعطّل مبادئ الثورة)) مما يدلّ إلى أنّ تصديرها لن تتوقّف.

يلاحظ المراقب أنّ الحوار الماراثوني سرق الأضواء عن النزاعات والحروب التي اجتاحت المنطقة العربية، فانشغل به الإعلامُ المحليّ والدوليّ، وكانت إيران تنفِّذُ مشاريعَها العسكرية على الأرض دون كلل.

الاتفاق «التّاريخي» الذي أبرمته إيران مع القوى الدولية (5+1) هو الأفق المفتوح لها، ستخرج من خلاله من النّفق الطّويل، الاتفاقُ أنقذَ إيران من تورّطها في قضايا المنطقة، ويُنقذُ اقتصادها المتعثر، فاتحاً أمامها الفرصة لتلعب دوراً أكثر خطورة على مصالح شعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه تبقى هواجس دول الخليج العربي قائمة من تمدّد نفوذ إيران رغم تأكيدات باراك أوباما في الحفاظ أمن المنطقة وتعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج أثناء لقائه مع عادل جبير وزير خارجية السعودية 17/7/2015م.

ستبقى الأشهرُ القادمة اختباراً لمعرفة نواياها ومواقفها من قضايا تؤرّقُ العرب، وتضعُ مصيرهم الوجودي على المحك، ستكون الحقائق هي المعيار في تغيير السّلوك وليس النّوايا التي تتبجّحُ بها حفيدة الإمبراطورية الساسانية.
صبري رسول

Leave A Reply

Your email address will not be published.