ويبقى الرئيس البارزاني هو الملاذ والأمل
مازال الجدل حول موضوع صلاحيات رئيس إقليم كردستان العراق، وحول طبيعة النظام السياسي مستقبلاً في الإقليم، مستمراً بين الأحزاب الخمسة، التي لها الكتل الأكبر في برلمان الإقليم.
وما يسمعه المرء من مختلف الأطراف، هو وجود إجماع حول التمديد للأخ الرئيس مسعود البارزاني لعامين اضافيين رئيساً للإقليم؛ ولكن التساؤلات تطرح هنا وهناك: وماذا بعد؟ وما هي الضمانات حول موضوع الصلاحيات؟ هل سينتخب الرئيس من البرلمان أم من الشعب مباشرة؟ هل سيكون النظام برلمانياً أم رئاسياً؟ إلى غير ذلك من التساؤلات المشروعة في ظاهرها؛ ولكنها في حقيقتها تكشف النقاب عن رغبة في المنافسة، وعن حساسيات حزبية قديمة- جديدة. كما انها تؤكد وجود جهل أو تجاهل لطبيعة المرحلة، والماهية الميكانيكية للمقارنات التي تجريها بعض الأطراف بين تجربة كردستان العراق الوليدة، والتجارب الديمقراطية العريقة في أوربا الغربية، وغيرها من المناطق.
ما حققه الإقليم من انجازات كبيرة في المجالات العمرانية، والتعليمية، والثقافية، وصناعة استخراج النفط وتسويقه، خلال المرحلة القصيرة المنصرمة، أمر يستوجب التقدير. ولكن في الوقت ذاته هناك أخطاء كبيرة، وكبيرة جداً على صعيد التخطيط الاقتصادي، خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والبنية التحتية؛ وهي أخطاء متداخلة مع حالات الفساد والإفساد التي باتت بكل أسف ظاهرة مخيفة موجودة لدى جميع الأطراف. الكل يعاني منها، ويتحدث عنها، ولكن لا توجد حتى الان أية خطة متكاملة جدّية لمواجهتها.
و لانذيع سراً إذا ما قلنا أن هذه الظاهرة قد استهلكت القسم الأكبر من امكانيات الإقليم التي كان في الإمكان استثمارها بصورة أفضل، وأكثر عقلانية وجدوى في الحقول الإنتاجية والخدمية، وتطوير العملية التربوية، وتأمين فرص العمل للخريجين، وتوفير العلاج المناسب للمرضى، وتأمين حياة كريمة للمتقاعدين خاصة من البيشمركه.
وقد انعكست آثار هذا الفساد على واقع الكرد السوريين المتواجدين في اقليم كردستان، هؤلاء الذين يعانون الأمرين في مختلف المخيّمات والمدن، نتيجة ممارسات وتجاوزات السماسرة والمتلاعبين بقوت الناس، هؤلاء الذين يتسترون خلف الصلاحيات الحزبية، وأسماء منظمات مدنية أو انسانية، ويستغلون حاجة الناس، وخشيتهم من المصير المجهول.
ونشير في هذا المجال إلى حقيقية لا بد ان نعترف بها، وهي أن الأخطاء الكبرى التي ارتكبت في التعامل مع الملف الكردي السوري اسهمت بصورة أساسية في ايصال الوضع الكردي في سورية إلى ما هو عليه راهناً. نصف شعبنا مشرّد؛ وأكثر من 80 % من شبابنا هاجروا. والبقية الباقية تتطلع إلى السفر، ومستعدة أن تتحمّل مشقات الطريق إلى أوربا ومفاجآته وهي التي تتجسّد كل يوم في مسلسل الموت وضحاياه، هؤلاء الذين يموتون غرقاً أو اختناقاً أو اصطداماً في حوادث السير، أوقتلا بالرصاص على الحدود.
وبطبيعة الحال، لايجوز لنا في هذا السياق أن نغضّ النظر عن مسؤولية قادة الأحزاب الكردية السورية؛ هؤلاء الذين تعاملوا مع قضية شعبنا المصيرية بعقلية مصلحية شخصية أنانية، أو شللية عصبوية، عقلية اتكالية تواكلية مضللة خادعة، أوصلت الأمور إلى واقعها الراهن. ولعلنا لا نأتي بجديد إذا قلنا أن استمرارية المفاعيل بصيغتها الحالية، معناه أن مستقبلاً قاتما ينتظر شعبناً، بل لا نبالغ إذا قلنا أن وجوده الفيزيائي قد بات على المحك.
الوضع العام في إقليم كردستان العراق يحتاج إلى مراجعة حقيقية، ووقفة جادّة جريئة، تضع النقاط على الحروف، وتفسح المجال أمام إصلاحات كبرى، باتت أكثر من ضرورية. إصلاحات اقتصادية وتعليمية وادارية. ولكن الإصلاحات السياسية هي الأكثر أهمية في هذا المنحى، لأنها المقدمة لكل الإصلاحات الأخرى. وما نعنيه بهذه الإصلاحات معالجة الأوضاع ضمن الأحزاب السياسية الكبرى، وفي مقدمتها البارتي الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، باعتبارهما من أعرق الأحزاب، وأكثرها خبرة على صعيد التعامل مع قضايا الشعب وتطورات الإقليم، ولديهما قدرة أكبر في ميدان التأثير.
الحاجة ماسة إلى تجديد القيادة عبر رفدها بكوادر شابة ضمن إطار خطة منطقية واقعية، كوادر قادرة على التواصل والتفاعل مع قيادات الأحزاب الأخرى، والعمل معها على قاعدة التشارك والاحترام المتبادل، والتركيز على عملية النهوض المتوزان بالاقليم، وتأمين مستقبل أفضل لأجياله القادمة.
ويبقى السؤال: من هو المؤهل لقيادة هذه العملية الإصلاحية الكبرى الضرورية على مستوى الإقليم؟
إننا نرى بكل قناعة – ومن دون أية مجاملة- بأن الأخ الرئيس مسعود البارزاني هو المؤهل الأول في هذا الميدان، وذلك يستمد مشروعيته وأحقيته من سجله النضالي التاريخي الحافل بالإنجازت والمواقف النبيلة الشجاعة لمصلحة الشعب الكردي، سواء ضمن إقليم كردستان العراق، أم خارجه.
فبعد نظره وحكمته في التعامل مع أعقد القضايا على مستوى الواقع الكردي والعراقي والإقليمي بصورة عامة؛ وشجاعته اللافتة في مواجهة الإرهاب الداعشي الذي يمثل أخطر أنواع الإرهاب في عالمنا المعاصر؛ هذا إلى جانب مصداقيته واخلاصة وتواضعه؛ كل هذه المقومات والصفات الأصيلة وغيرها، أكسبت الرئيس مسعود البارزاني مكانة اقليمية ودولية كبيرة، يحترمه الخصوم قبل الأصدقاء. وهو في الوقت ذاته يجسّد ضمن أوساط شعبنا شخصية تاريخية لها رمزيتها وهيبتها، نحن أحوج ما نكون في يومنا هذا إلى التمحور حولها، ودعمها، لما في ذلك من مصلحة حقيقية لشعبنا.
وبناء على ذلك، نرى أن الرئيس البارزاني قادر – وبجدارة- على قيادة العملية الإصلاحية الكبرى، بالتعاون مع فريق داعم ومساعد – لا فريق معرقل ومتكّل- من المؤهلين القادرين المخلصين من مختلف الأطراف السياسية؛ وبمشاركة فاعلة من التكنوقراط الأكفاء، لوضع خطة عامة تنهض بالإقليم، وتجعله قوياً قادراً على مواجهة التحديات الجسام التي تشهدها – وستشهدها – المنطقة.
أما أن نظل في إطار المماحكات العبثية، والجدل العقيم، والتمترس خلف نصوص قانونية من المفروض أن تكون وسيلة للانطلاق لا للتعطيل، ونلوذ بتفسيرات رغبوية تلقي بظلالها على النوايا غير السليمة؛ فهذا مؤداه تبديد الوقت والجهد والإمكانيات، واتاحة المجال أمام المتربّصين لتوجيه الأمور نحو المسارات التي تتناسب وتتناغم مع حساباتهم ومصالحهم، لا مع حسابات ومصالح شعبنا.
ما نأمله، وتأمله الغلبية الغالبة من شعبنا، هو أن تتخذ القيادات الكردستانية قرارها النهائي بخصوص موضوع التمديد للأخ الرئيس مسعود البارزاني، وتتوافق على الانطلاق بالعملية الإصلاحية الشاملة التي ستكون في مصلحة الجميع.
عبد الباسط سيدا