«العمال الكردستاني» و «حزب الله» اللبناني كوجهين لخرافة واحدة

3

هوشنك أوسي

بات في حكم المفروغ منه أن رجب طيب أردوغان وطاقمه الإسلامي الحاكم في تركيا يمارسان في حق الأكراد سياسات تتجاوز ما مارسته الحكومات العلمانيّة الأتاتوركيّة من «إرهاب دولة» منظّم، منذ منتصف العشرينات وحتى نهاية التسعينات. والفارق بين حكومة «العدالة والتنمية» الإسلامي والحكومات القوميّة والعلمانيّة السابقة، أن الأوّل يتاجر بالدين والحديث عن العدالة والديموقراطيّة، وأنه يزعم أنه قدّم للأكراد تنازلات ومنَّنهم بإعادة جزء من حقوقهم إليهم بوصف ذلك «فتحاً» ديموقراطياً مبيناً.

 

لكن في الطرف المقابل، يقدّم «العمال الكردستاني» عبر سياساته ومغامراته،بل تهوّره أيضاً، أفضل الخدمات لـ «العدالة والتنمية» وعلى طبق من ذهب. بل يمكن القول إن «الكردستاني» صار ينوب عن «العدالة والتنمية» في بعض الأمور. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، معارضته الشديدة لإعلان الاستقلال في كردستان العراق، بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن الحكومة التركيّة! ذلك أن الأخيرة ما عادت تثير مناهضة قيام الدولة الكرديّة في كردستان العراق، في حين حلّ «الكردستاني» محلّ أنقرة في رفض هذه الدولة! بحجّة الحداثة وأن الدولة القوميّة باتت من مخلّفات الماضي، ومن منتوجات «الرأسماليّة، والحداثة الرأسماليّة…».

 

من جهة أخرى، كل ما تمارسه سلطات «العدالة والتنمية» من حملات اعتقال عشوائيّة بحقّ الساسة والنشطاء الكرد (الموالين للكردستاني) في تركيا، يقوم الحزب في كردستان سورية، بتنفيذ نسخة طبق الأصل عنها، مع إرفاق الاعتقالات بتهم التخوين والإرهاب بحق المعارضين لسياسات وممارسات «الكردستاني» وفرعه السوري (الاتحاد الديموقراطي). وآخر المسلسل كان اعتقال قوات «الاتحاد الديموقراطي» مجموعة من النشطاء السياسيين في حزب «يكيتي الكردي»، وأبرزهم الناشط السياسي والفنان أنور ناسو في مدينة عامودا الكرديّة السوريّة.

 

الحقّ أن حال «العمال الكردستاني» باتت أشبه وأقرب إلى حال «حزب الله» اللبناني، ذلك أن الأخير يتخذ من لبنان رهينة، وكذلك فـ «الكردستاني» يتخذ الكرد السوريين وكردستان سورية رهينة، ويستخدم القضيّة الكرديّة في سورية والكرد السوريين كورقة وحطب ومختبر تجارب، يطبّق عليهم كل مشاريعه الفكريّة والأيديولوجيّة الهلاميّة. فما فشل «الكردستاني» في تحقيقه في كردستان تركيا، طيلة ثلاثة عقود ونيّف، «نجح» في تحقيقه خارج حدود تركيا، وداخل الأراضي الكرديّة السوريّة. وعلى سبيل الذكر لا الحصر:

 

1 – فشل «الكردستاني» في تحرير قرية أو قصبة أو بلدة من الجيش التركي، يبسط عليها سلطته التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة والأمنيّة، بينما يُخضِع كل كردستان سورية لحكمه العسكري والأمني والسياسي والأيديولوجي.

 

2 – فشل «الكردستاني» في فرض نظامه الإداري والأيديولوجي الأوجلاني (الإدارة الذاتيّة الديموقراطيّة) في أيّ مدينة كرديّة داخل تركيا يسيطر على بلدياتها، بينما فرض الحزب هذا النظام على الكرد السوريين ومناطقهم، بالتعاون والتنسيق مع النظام السوري، لأسباب يطول شرحها.

 

واللافت في الأمر، أن كل ما حذّر منه أوجلان، عبر كتبه وتصريحاته الأخيرة، من احتمال فقدان سيطرته على قيادة الحزب، وانزلاقه نحو التطرّف والمحاور الإقليميّة، في حال تجاهلت الحكومة التركيّة إيجاد حل عاجل ومنصف للقضيّة الكرديّة سلميّاً، إنما حصل في السنوات الأخيرة. إذ أقحم «الكردستاني» نفسه والشعب الكردي والمدن الكرديّة- التركيّة في مغامرات غير محسوبة العواقب، وأعطى المبرر لحكومة أردوغان بأن تفتح براكين الحقد والدمار على المدن الكرديّة في دياربكر (آمد)، ونصيبين، وجزير… وبعد كل الدمار الذي لحق بالمدن الكرديّة في تركيا أخيراً، وحملات النزوح الكبيرة منها، صرّحت قيادات من «الكردستاني» بأنها ستسحب قواتها من هذه المدن، «حفاظاً على أمن المواطنين وسلامتهم».

 

هذا السلوك التدميري اللامسؤول، يتقاطع تماماً مع سلوك «حزب الله» اللبناني حين اختطف جنديين إسرائيليين، وكان ما لحق بلبنان وشعبه من حرب ودمار جراء ذلك. ثم أتى تصريح حسن نصرالله الذي ذكر فيه أنه لو كان يعرف بأن عمليّة الاختطاف ستجلب كل هذا الخراب على لبنان، لما فعل ذلك. وفي ما بعد، أطلق «حزب الله» على كل ذلك الخراب والدمار وصف «النصر الإلهي». وعليه، سيأتي من «الكردستاني» أيضاً مَن يصف كل هذا الخراب والدمار الذي شهدته المدن الكرديّة في تركيا بـ «الانتصار القومي» أو «الكوني» على الحكومة التركيّة.

 

ولأن الشيء بالشيء يذكر، سبق وأن كتب الصديق نزار آغري مقالاً قارن فيه بين «حزب الله» اللبناني وحزب «العمال الكردستاني»، نشرته «الحياة» قبل أعوام، وقد قمت بالردّ عليه في الصفحة ذاتها. لكن أثبتت السنوات أن آغري كان مصيباً في تلك المقارنة.

 

خلاصة القول: يبدو أن أردوغان وحكوماته يلزمهم من يؤجج الحرب من بين الأكراد أكثر من حاجتهم إلى المتطرّفين الأتراك. وأصوات كصوت أوجلان وكل من يدعو للسلام ويحذّر من مخاطر الحرب وتبعاتها، لا تجد آذاناً صاغية لدى أردوغان وأعوانه. وعليه، فحاجة إسرائيل لتنظيمات مثل «حزب الله» و «حماس» هي نفسها حاجة أردوغان إلى «الكردستاني». وربما كان الأكثر أسفاً ومرارةً وإيلاماً أن الواقع يشير إلى أن «الكردستاني» و «حزب الله» هما وجهان لخرافة واحدة. ذلك أنه ثمّة مشتركات وتقاطعات كبيرة تجمعهما، ربما كان آخرها التنسيق مع النظام الأسدي.

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.