انفجارات سورية محتملة
فايز سارة – الشرق الاوسط
قد يكون من باب التكرار الممل للبعض، القيام بجردة لما أصاب السوريين من خسائر وآثار، وما لحقهم من كوارث في السنوات السبع الماضية، والتي عاشوا فيها ظروفاً وشروطاً شديدة الاستثنائية، خلقتها سياسة نظام الأسد، وتفاعلت معها سياسات محلية وإقليمية، أدت بالنتيجة إلى وصول السوريين إلى عمق كارثة، سوف يستغرق العالم وقتاً طويلاً لجمع تفاصيل، وقراءة نتائجها، ثم الوصول إلى تقييم ما حصل، ومعالجة آثاره في المستويات المختلفة، ليس في حياة السوريين وحدهم، إنما في محيط واسع من جوارهم في عالم لم يعد سوى «قرية كبيرة».
غير أنه وفي انتظار ذلك الجهد الكبير الذي سيبذل، وما يمكن أن يتمخض عنه من نتائج، لا بد من مقاربة لخلاصات ما حصل ويحصل في سوريا، وهذا لا يتجاوز خطأ فكرة التكرار الممل فقط، إنما يبين اتجاهات تطور الأوضاع السورية، ومآلاتها المحتملة.
إن الظاهر الأبرز فيما أصاب السوريين في السنوات السبع الماضية، جاء نتيجة سياسة النظام الدموية، والتي شارك فيها الإيرانيون وميليشياتهم والروس، وتمخضت عن قتل وجرح واعتقال وتشريد ملايين داخل سوريا وخارجها، وترافق معها تدمير واسع للممتلكات الخاصة أو استيلاء عليها، وكلاهما أمر لم تسلم منه الممتلكات العامة.
وساهمت عوامل متعددة في انتقال سياسة النظام الدموية إلى أطراف أخرى في معادلة الصراع. وكان الأقرب إلى تلك الممارسة جماعات التطرف والإرهاب لا سيما «داعش» و«النصرة» والأقرب إليهما من تنظيمات مسلحة رفعت شعارات «إسلامية»، ذهبت إلى ممارسة القتل والاعتقال والتهجير وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها.
وفي خلفية ما أصاب السوريين في السنوات الماضية، توسع ظاهرة التشبيح. ولأن الظاهرة كانت صفة لأهل النظام، وأحد مظاهر الحياة في مناطق سيطرته، فقد انتقلت إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وفي هذا لم يكن ثمة فارق كبير بين التشبيح في مناطق النظام أو مناطق سيطرة قوى التطرف والإرهاب، وفي مناطق سيطرة التشكيلات المسلحة المعتدلة، وفيها جميعاً، ولدت ظاهرة التشبيح عصابات إجرامية وأمراء حرب، صار لهم تأثير كارثي في حياة السوريين.
كما أن في خلفية ما أصاب السوريين، استمرار ظاهرة الفساد، وتصاعدها على نحو غير مسبوق باعتبار الفاسدين جزءاً من آليات السيطرة والضبط في مناطق سيطرة النظام وخارجها، وتحول جزء من الفاسدين إلى مافيات، يمتد نفوذها ومصالحها في سوريا وعبر حدودها إلى دول الجوار والأبعد منها، وليست ظاهرة تهريب السوريين إلا تعبيراً واضحاً عن وحدة تلك المافيا ونفوذها.
ولم تسلم بلدان اللجوء من ظواهر سلبية على حياة السوريين فيها؛ فإلى جانب السياسات الرسمية المقنعة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية باعتبارها سبباً في منع وتقييد وصول السوريين إلى تلك البلدان، وفي تفسير سوء وتردي الممارسة حيال اللاجئين والتقصير في تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، فتمت عمليات التضييق عليهم وحشرهم في مناطق وظروف تتعارض مع متطلبات العيش والاجتماع الإنساني البسيط، وشيوع سرقة وتبذير الموارد المحدودة المخصصة لهم من الدول والمنظمات الإنسانية المانحة، وفي ظل هذه السياسة، تقارب البؤس الذي يصيب السوريين في بلدان اللجوء مع ما يصيب أقرانهم من المقيمين في سوريا، ولعل الأقرب مثالاً في هذا المجال حالة السوريين في لبنان الذي يضيق على اللاجئين في دخولهم وإقامتهم وفي حركتهم، ومحدودية تلبية احتياجاتهم للغذاء والسكن والصحة والتعليم والعمل، وتقوم بعض قواته وميليشيات طائفية باقتحام مخيمات اللجوء، وتجرح وتعتقل، وتقتل معتقلين تحت التعذيب، وتدمر المخيمات على رؤوس سكانها، وتسعى إلى ترحيل السكان بما يخدم سياسات نظام الأسد.
ورغم أهمية ما يظهر من مآسٍ ومشكلات تصيب السوريين في حياتهم، فإن الأهم مما سبق، يبدو في الظروف السياسية، التي تحيط بمستقبل السوريين، وهي ظروف محاطة بتناقضات، تدفع القطاعات الأوسع من السوريين نحو الإحباط واليأس. وإذا كان مسار نظام الأسد وحلفائه، يعمل على استعادة القبضة الحديدية على سوريا والسوريين بكل الوسائل الممكنة، فإن المسار الآخر، لا يطرح خياراً مختلفاً في نتائجه، خاصة في ظل ما يبدو من طروحات حل سوري يقبل ببقاء الأسد ونظامه، مما يعني أن ترديات الحياة السورية مستمرة، وأنه لا أفق لمعالجة أي منها، خاصة في ظل نظام يعرف العالم كله أن لا حدود لوحشيته ودمويته وفساده، وإصراره على الاستمرار في ذات الطريق ولو بتعديلات شكلية طفيفة.
لقد أدت سياسات نظام الأسد في عهدي الأب والابن إلى خروج السوريين ثائرين عليه في مارس (آذار) من العام 2011 مطالبين بالحرية والتغيير نحو مستقبل أفضل، وقاد قمع النظام الدموي إلى ولادة تشكيلات مسلحة لمواجهة دمويته وإجرامه، وفتحت بوابات الصراع الدموي في سوريا الباب أمام مجيء قيادات وعناصر التنظيمات الإرهابية المتطرفة إلى سوريا، وانضمام سوريين إليها. ووسط تردي وتدهور الأداء في السياسة الدولية حول القضية السورية، اتسعت الكارثة السورية وتشعبت تفاعلاتها، مما يعني تصاعد احتمالات الانفجارات السورية. ولأن السوريين، لم يعودوا كما في السابق ضمن بلد واحد وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة، فإن احتمالات انفجاراتهم ستكون مختلفة… وهذا ينبغي أن يشكل دافعاً للعالم من أجل البحث عن سياق آخر لمعالجة القضية السورية، بدل الاستمرار في الطريق الحالي الذي لن يقود إلا إلى انفجارات وكوارث في أكثر من مكان.