في الموعظة من اغتيال علي عبد الله صالح
عبد الرزاق قيراط
لا يتّعظ الرؤساء العرب أبداً.. ولذلك لا يغادرون سرير الحكم إلّا على نقّالة أو في بطانية تنقلهم إلى المثوى الأخير.. ويمكث بعضهم على سرير المرض طوال محاكمة صوريّة كما حدث مع مبارك في مصر حماية له من الثوّار، واستعطافاً للجماهير التي يسهل التحكّم في مشاعرها ببضع كلمات وصور قليلة.
ثمّ يقتل الرئيس اليمنيّ المخلوع فنستغرب كيف لا يستفيد اللاحق من السابق في ترتيب السقوط والهلاك. ونبحث عن تفسير لإصرار هؤلاء الحكّام الذين انتهت صلاحيّتهم على التمسّك بعروشهم وقد زلزلت الأرض من تحتها. ونذهل لسيرهم في نفس الطريق الملوّثة بدماء الأبرياء، وإعراضهم عن فهم الشعارات القاسية التي ترفع في وجوههم وتطالبهم بالرحيل.
نبحث عن تفسير لتلك الخطايا المهلكة فنجده في كتاب “الأدب الكبير والأدب الصغير” لعبد الله بن المقفّع رحمه الله لما بيّنه من الحكمة وأثبته في مجموعة من البنود التي سمّاها مطالب وجّهها لكلّ من يرجو السلامة لنفسه وعرضه سواء كان حاكماً أو محكوماً، صديقاً أو عدوّاً.
في المطلب عدد 81 وعنوانه: “في مخالفة ما يكون أقرب إلى هواك” نقرأ ما يلي: “إذا بدهك أمران لا تدري أيّهما أصوب فانظر أيّهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإنّ أكثر الصواب في خلاف الهوى”.
نصيحة ثمينة لكلّ من يعي مقدار حكمتها، ترشد إلى ضرورة الاحتكام إلى العقل في تدبير شؤوننا لأنّ القرار الصائب لا يمكن أن ينبع من عاطفة لا تراعي سوى مصلحتها الخاصّة.
حكّامنا لا يعرفون هذه الحكمة، ولكنّهم يثبتون صحّتها لأنّ ما يصدر عنهم لا يلبّي إلّا مصالحهم الضيّقة بحبّهم للسلطة، واحتكارهم للثروة التي تُكدّس في خزائنهم وخزائن أُسَرهم والبطانة التي تحيط بهم. لم يخالفوا هواهم فخالفتهم شعوبهم وكشفت بثورتها حجم أكاذيبهم وحجم ثرواتهم التي نهبت من الفقراء وانتزعت من برامج التنمية والتشغيل والبناء والتشييد.
ثارت الشعوب العربيّة في تونس وليبيا واليمن وسوريّة، فركب الرؤساء رؤوسهم ولم ينصتوا إلى هتاف الجماهير الذي كان يدوّي من حولهم ولم يسمعوا النداءات المطالبة بالحريّة والعدالة بل أصرّوا على اغتصابها حتّى سالت دماء غزيرة، واندلعت حروب مدمّرة.. فلماذا لا يتّعظ رؤساؤنا ولا يستجيبون لنصح الناصحين وعظة السابقين؟
يجيبنا العالم بسرّهم ونجواهم في آيةٍ تؤيّد ما ذهب إليه ابن المقفّع إذ يقول الله في كتابه المبين: “فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتّبعون أهواءهم ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين” – القصص 50.