ظاهرة اللاحزبية عند الشباب الكوردي
كاظم خليفة
يمكن أن أُسمي ابتعاد غالبية الشباب عن التنظيمات الكوردية في سوريا ظاهرة برزت بشكل أكبر في السنوات العشر الأخيرة من عمر الحركة السياسية الكوردية ولعلّ البحث في الأسباب والنتائج يحتاج إلى كتابات وحلقات نقاشية عديدة لا يستطيع مجرد مقال أن يلمّ بها، وما أعتقده أنّ من أبرز الأسباب، ”هو العامل الاقتصادي ”فغالبية الشعب الكوردي ينتمي إلى الطبقة الفقيرة وقد دأب النظام على محاربته في لقمة عيشه ،مما أجبر الكثير من الناس وخاصةً فئة الشباب على الابتعاد عن الأحزاب السياسية الكوردية بغية الحصول على عمل وراتب يعينهم على متابعة الحياة، بل وانخرط البعض في صفوف الحزب الحاكم ليحتموا به لنفس الهدف فقد مارس النظام وبأجهزته القمعية كل أشكال الإرهاب بحق أبناء الشعب الكوردي وبذل ما بوسعه من فرض قوانين و إجراءات عنصرية كمنع اللغة الكوردية وتعريب الأسماء ”أشخاصاً ومعالم ”والفصل التعسفي من المدارس والمعاهد والوظائف واستلاب الأراضي والممتلكات وغيرها من الممارسات اللاإنسانية وتدخّل الأمن في كل مفاصل الحياة ليفرض ثقافة الاستبداد على الأسرة والمجتمع والمدرسة وهذا لا يعني أنّ الأحزاب الكوردية نفسها لم تكن سبباً آخر وربما لعبت دوراً أكبر في استفحال و ترسيخ هذه الظاهرة ،فلم تعطِ المجال للشباب، لأنها في الأصل لا تمتلك قادة ميدانيين حتى تصنع قادة من هؤلاء الشباب، ولم تستطع هذه الأحزاب أن تتخلّص من حالتها الكلاسيكية وظلّت مناهجها و أنظمتها الداخلية متخلفة عن التطورات الاجتماعية والثقافية في أوساط الشعب الكوردي.
فممارسة العمل الحزبوي لا السياسي والنظام المركزي اللاديمقراطي والمحسوبية والمصالح الشخصية والفئوية جعلت هذه الأحزاب أقرب إلى تجمعات قبائلية عائلية تتناقض مع الروح الكوردية ،إلى التحرر من العبودية والاستبداد ،وما الانشقاقات الحزبية التي تفاقمت بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة. وما أفرزتها من تناقضات وإخفاقات ألقت بتأثيراتها السلبية على المجتمع الكوردي بشكلٍ عام والشباب بشكل خاص، مما ساهم في خلق نوع من ردّة الفعل السلبي المعاكس لدى البعض على هذه الممارسات المتخلفة التى انتهجتها غالبية الأحزاب الكوردية من حيث اعتبار الحزب غاية لا وسيلة . وبسبب الافتقار إلى الامكانيات لإيجاد البدائل الصحيحة بوضع برامج وأنظمة لإحداث تغيير يناسب ما توصلت إليها الحياة من تطور ،فقد اختار الغالبية الابتعاد عن الأحزاب السياسية بل وأصبح الشغل الشاغل للبعض من أولئك معاداتها واعتبارها المسؤولة عما تعيشه من واقع سيئ، وأضحت اللاحزبية موقفاً إيجابياً عند البعض ليأخذ معنى المستقل، كما لم يفرّقوا بين الحزبي والمتحزّب. نعم إنّ الأحزاب الكوردية والتي وصفت غالبيتها نفسها بالديمقراطية والوحدوية قد أثبتت فشلها في ممارسة الديمقراطية وتحقيق الوحدة سواء على الصعيد الداخلي لها ،كتنظيمٍ أومن خلال ممارساتها اللاديمقراطية في التعامل مع الآخرين بل وحاربت كل فكرٍ يدعو إلى التجديد والتغيير لأنّ الهيكلية التنظيمية لهذه الأحزاب قد عفى عنها الزمن ولم تعد ملائمة لاحتواء ما أصاب الحياة من تطور.
لقد أثبت الشباب الكوردي في سوريا جدارته في مجال التحصيل العلمي وفي مناهضته للظلم والاستبداد وما انتفاضة قامشلو 2004 وانطلاقة ثورة الحرية والكرامة في سوريا وأداء الشباب الكوردي ودورهم فيهما إلا تعبيراً حقيقياً عن مدى حيويتهم وقدرتهم على العمل والتضحية من أجل قضاياهم القومية والوطنية ،لكنهم افتقروا دائماً إلى المشروع السياسي والشكل التنظيمي المعبّر عنهم لاحتوائهم ،وما هجرة الشباب اليوم إلى أصقاع العالم إلا نتيجةً لما آلت إليه الأوضاع في المنطقة الكوردية بشكل خاص إلا هرباً من الموت والفقر والأمية وهذا عامل آخر من عوامل الابتعاد عن الحركة السياسية الكوردية يحمل في مضمونه الكثير من الأسئلة والتفسيرات ،كل هذا لا يعني الاستغفال عن شباب لازالوا يناضلون في صفوف الأحزاب الكوردية وفي أُطر تحمل أسماءهم معبّرين عن أنفسهم كقوةٍ تستحق كل التقدير.