المواجهة التركية الكردية في غرب الفرات
بشير البكر – العربي الجديد
توحي التحركات الميدانية أن المواجهة التركية مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية باتت وشيكة، وما يحصل من حشد عسكري من عيار ثقيل لا يدع مجالا للشك بأن أنقرة جادة هذه المرة في خوض معركةٍ كبيرةٍ ضد هذا الحزب الذي تعتبره العدو رقم واحد.
يترافق الحشد العسكري التركي مع تعبئةٍ سياسيةٍ واسعة، تقوم بها الحكومة التركية في الداخل والخارج، من أجل تأمين الغطاء السياسي لهذه المعركة التي تبدو مصيرية، بل أهم معركة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي استطاع، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، أن يشكل قوة عسكرية كبيرة في سورية، عمادها الرئيسي “قوات سورية الديموقراطية” التي يفوق عددها 50 ألف مقاتل مسلحين بأسلحةٍ حديثةٍ، قدمتها الولايات المتحدة على نحو خاص، وساعدتها فرنسا، بالإضافة إلى خبراء من البلدين، يتجاوز تعداد الأميركيين منهم ألفين حسب الأرقام الرسمية، وخمسة آلاف وفق روايات أخرى.
على المستوى الخارجي، عملت أنقرة خلال الأشهر الأخيرة من أجل الحصول على ضوء أخضر روسي. ولذلك شاركت في مسار أستانة بخصوص مناطق التهدئة، وقدّمت تنازلات سياسية للجانبين، الروسي والإيراني، كي تكسب، على الأقل، عدم معارضتهما العملية العسكرية، وحصلت هذا الأسبوع على تأييد أولي روسي، ومن ثم إيراني.
جاء الإعلان الأميركي منذ أيام عن إنشاء جيش كردي قوامه 30 ألف عنصر، ليتمركز على الحدود السورية التركية والسورية العراقية، كي يسرّع من العملية التركية التي كان يمكن لها أن تتأخر قليلا، أو يتغير مسرحها ويبقى محدودا في منطقة عفرين التي تعد ساقطةً من الناحية العسكرية، كونها باتت محاصرةً من القوات التركية. وفي الوقت نفسه، ساهم القرار الأميركي في وقوف كل من موسكو وطهران إلى جانب أنقرة، فهما متضرّرتان أيضا من تشكيل جيش كردي، اعتبرت روسيا أنه سوف يؤدي إلى تقسيم سورية، وهذا أمر لا يقبل النقاش، لأن تشكيل هذا الجيش، إلى جانب “قوات سورية الديموقراطية”، يعني سيطرة الأكراد على حوالي ثلث مساحة سورية، واقتطاع ثلاثة من أكبر المحافظات السورية وأغناها، الرقة، دير الزور، الحسكة.
إذا لم يتغير اتجاه الرياح في المدى المنظور، وحصلت العملية التركية، فإنها ستكون أول انخراط تركي عسكري جدي في سورية، ولن يكون في وسع أنقرة أن تنخرط جزئيا هذه المرة، أو تعتمد على فصائل سورية موالية لها فقط. وعلى الرغم من أن قوة درع الفرات ستشارك معها، إلا أن حجم المهمة يتطلب حشد قوات تركية برية كبيرة، بالإضافة إلى سلاح الجو.
هناك عاملان سوف يلعبان، نسبيا، لصالح تركيا. الأول موافقة روسيا وايران على العملية من الناحية المبدئية. ورغم التفاوت بين موقفي موسكو وطهران، وقيمة الثمن الذي تطلبه كل منهما من أنقرة كمقابل لإطلاق يدها، فإن الترتيبات الميدانية قد تشكل عائقا، وتمنع تمدد العملية إلى منطقة شرق الفرات. الثاني أن الولايات المتحدة لن ترسل قواتها للقتال على الأرض من أجل الدفاع عن الأكراد في منطقة غرب الفرات، في وقت بدأت بإنشاء معسكرات تدريب أميركية شرق الفرات، وتخصيص 400 مليون دولار للعملية، ولهذا موقف واشنطن قاطع لجهة عدم الوقوف إلى جانب الطرف الكردي في المواجهة، بدليل التصريحات التي صدرت يوم الثلاثاء عن وزارة الدفاع الأميركية، أنها لا تدعم المليشيات الكردية، في عفرين، ولا تراها جزءًا من قوات مكافحة تنظيم داعش، وقالت إنها ليست جزءًا من أي عملية عسكرية تركية محتملة في عفرين، كما قال المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، ريان ديلون، لوكالة أنباء الأناضول، إن واشنطن التي تقود التحالف لن تدعم المليشيات الكردية، في حال قيام تركيا بعملية عسكرية في المنطقة، وأضاف “عفرين لا تدخل ضمن مجالنا العمليَّاتي”.