ثقافة العنف
فيروشاه عبد الرحمن
يرى سبنسر في مفهوم العنف وأسبابه “ان ظهور العنف ما هو إلا نتيجة حتمية تسببها الاختلافات السائدة بين الثقافات والأعراف المجتمعية مما يؤدي الى التصادم، ومحاولة ثقافة معينة إقصاء ثقافة أخرى”
اما ابن خلدون فيرى “وجود العنف وأسباب وجوبه كظاهرة حامية لقوة المجتمعات من جهة، ومن جهة أخرى لبسط سلطاتها على الأمم والأقوام الأقل منها قوة وعنفا”
إذاً العنف هي تجلي تضطر الى الظهور داخل أزمة التنظيم الاجتماعي وهذا يظهر بأن العنف لا ينتج سوى الموت الذي يسميه الكثيرون بالموت العبثي الذي يأتي بالدرجة الاولى من العمل الأيديولوجي سواء كانت عقيدة دينية او غيرها.
وهذا ما نلاحظه عند بعض الجماعات التي تقوم على التعبئة لثقافة الموت والعنف والتي تؤثر غالباً في الفئات الشبابية والمتواضعة التعليم والفقيرة والمقيِّدة بأيديولوجية الانتقام وما الشعار المتكرر (بالروح بالدم) إلا احد الشعارات التي تصب في هذه الثقافة المميتة والتي من خلالها تدفع بالشباب الى ساحات الموت والقبور على انهم شهداء والتي تم بنائها على العقائد والصراعات والمجابهة وخاصة تلك المؤسسات التي تقف خارجً دائرة المسائلة القانونية وتحتكر الحقيقة بحق سماوي او حق تاريخي وتؤسس لثقافة التعصب المتميزة بالاستبداد وهذا ما نراه لدى الميليشيات المنتشرة في بعض المجتمعات الدينية والانظمة الشمولية المستبدة الني أنتجتها وهذه الثقافة التي تنفي الاخر والتي تبخس الحياة وتمجد البطولات الممسوخة التي تخلق أفراداً متصلبين في الرأي ومحدودي الأفق والذين غالباً يعيشون بين الاحباط التاريخي والامل الأسطوري
وحتى يتمكن مجتمعاتنا من تجاوز هذه الثقافة وتقوم ببناء ثقافة السلم كما عرفه (إسبينوزا) “السلم هنا يعني التوصل الى غياب المعارك والعنف والصراع، انطلاقا من القدرة العاقلة في الانسان والمعرفة المنتشرة في المجتمع”
يجب الانطلاق من قبول الاخر وعدم فرض كل ما هو عقائدي على العقل والإنسان وبناء الأنظمة العلمانية والمدنية وتعزيز العقلية والذهنية الجدلية وبناء القواسم المشتركة من الثقة بين الأطراف المتصارعة من خلال القيم الانسانية المشتركة التي تخدم الجميع وليكون الولاء للوطن وليس للأشخاص او العقيدة والانطلاق كذلك من الاسرة والمدرسة في التنشئة لترسيخ هذه المفاهيم في بناء الفرد من خلال تشجيع قيم الحوار والتسامح .