مداخل كردستان ومخارجها
آزاد عنز _ العربي الجديد
جبالٌ وأنصاف جبال ترحب بك على مداخل كردستان ومخارجها، في العراق، فكل مدينة أو قرية أو شارع يحتلّها جبل أو شبه جبل أو تلّ أحمق أو هضبة مجنونة، منازل تتسلّق الجبال كقُبَلٍ مجنونة لرجل مجنون، وهي تتسلّق جسد امرأة عارية.
جبالٌ تحرس مُدنها كمدينة دهوك المحصنة بجبالها المُشرفة على أحوال المدينة، جبل زاوه يحمل عبء نصف مدينة دهوك، ويزاحمه في حمل النصف الآخر جبل أبيض (سبي)، جبل لم يفلح الكرديّ في تسميته، فبقي أبيض احتراماً للبياض الذي يلبسه كنقاء قلوب ملّة الكرد.
في الطريق إلى هولير (أربيل) تصادف الزاب الأعلى، النهر المُنصف أبداً في جريانه جنوباً باتجاه المنفى. أما هولير المدينة التي لن ينتصر كاتبٌ واحد في توصيفها أو رسامٌ واحد في إبراز ألوانها على البياض الرحب، إذ يتطلب الأمر اشتراك عدة كُتاب أو عدة رسامين لإيجاد مخرج من مأزق الوصف أو التدوين أو اللغة كاشتراك عدة رسامين في بناء ملامح امرأةٍ كردية تستطيع أن تتبرع بنصف جمالها وتبقى جميلة كجمال قلعتها المركونة على هضبة معتوهة، مدينة تائهة تتوه بين ملامحها كتيه أبنائها بين أقداح الشاي. أكرادٌ يدمنون الشاي ويقرعون أقداحهم نخباً وثأراً للبُن الذي فشل أكراد العراق في تعريف مذاقه، فلم يطحنوا البُن لاستخراج النكهة من حباته كما طُحنت أجسادهم مراراً بفعل آلة القتل العراقية.
رئاتٌ كردية تتنفس الشاي في مقهى مجكو، أو كما تفضل ألسِنة أكراد العراق تسميته وتدوينه بلهجتهم السورانية (مه جكو)، المقهى الذي يختزل أدب كردستان وثقافتها بين جدرانه. وبالقرب من مقهى المثقفين (مه جكو) تجد جاره مقهى المديونين (قرزار) في دلالة واضحة على إفلاس أبنائها من موظفي الدولة على أن يستوفوا ضرائب أقداح الشاي في أول أيام الشهر، فبقي الإفلاس يطارد الكرديّ حتى في جغرافيته.
أكرادٌ قرويون لا تزال العشيرة تسكن في مخيلتهم، يسكنون في أبنية مدنية لتبقى المعادلة خاطئة في برهانها، أما ضواحي هولير فلا تزال دبابات صدام حسين مُعلّقة في جبل شيره سوار، ثلاث دبابات كانت كافية لسحق الأكراد، فاستحضر الأكراد الدبابات الثلاث، ووضعوها في جانب الطريق العام استذكاراً للهزيمة والانتصار. وبعد أميال، هناك تلّان عاقلان مركونان في أعلى جبلٍ عاقل، حمد آغا وشيلان، التلّان اللذان تحصن خلفهما الأكراد الحمقى إبّان قتال الكرديّ الكرديّ على أرضٍ كردية وجبالٍ كردية وتلالٍ كردية لدوافع غير كردية. جغرافيا مزدحمة بالجبال والحسرات وجبال ثرية بالكهوف، فكهف (شاندر) زعيم الكهوف والمُرجّح بدء البشرية من جوفه.
نحن أمام جغرافيا بدأت البشرية من باطنها، وبقي أولادها في نهاية البشرية، كهف شاندر جار برزان، مهد البارزاني الأب الثائر. ملّة تائهة لا يُسعفها من هذا التيه إلّا جمال الكرديات في كويا، بداية الحدود الإدراية لدولة السليمانية، دولة تحتضن دولة، دولةٌ ضمن دولة، دولة هولير دولة السليمانية!
كويا الجميلة كنسائها الجميلات، وخلفها تماماً تعثر على (دوكان) المُقسمة بالتساوي على ضفّتي النهر المُنصف، الزاب الأدنى، الأخ الصغير للزاب الأعلى من أبٍ آخر، النهر الذي يروي ظمأ النبتة الكردية الخالصة (ريواز) نبتةٌ لا تحيا إلّا على التراب الكردية، نبتةٌ يظلّلها جبل بيره مكرون، الجالس على ضفة الجغرافيا والملاصق تماماً لجبل كوسرت، الجبل الذي أجهد الله نفسه بصنعه، جبل كوسرت وابن عم جبل، أزمر، الحارس الشخصي للسليمانية المدينة الحاصرة بين جدرانها مبنى الأمن الأحمر الذي لا زالت ظلّال أجساد الكرد معلّقة بسقوفه فحافظ أحفاد الموتى على هيكله ليبقى أثر البارود المُخترق لظاهره شاهداً على طحن الأجساد الكردية تحت آلة الدمار العراقية، جغرافية خصبة فاضت بالدماء ورائحة الموتى، قبورٌ لا تنتهي