كي تنجح الحرب على «داعش»
أصبحت الحرب على «داعش» ومحاولة منع هذا التنظيم الارهابي من التمدد، وصولاً الى القضاء عليه، هي عنوان المرحلة الحالية من الصراع الذي تخوضه الانظمة العربية والحكومات الغربية، جنباً الى جنب. الدول العربية قلقة من هذا الانتشار المدمر لتنظيم يسعى الى سحب الشرعية الدينية والسياسية من تحت اقدام الانظمة القائمة. والدول الغربية اكثر قلقاً، ليس خوفاً على العرب ومصيرهم، ولا حرصاً على سمعة الدين الاسلامي التي تسيئ اليها ممارسات إرهابيي «داعش»، وتوحّشهم الفائق، بل لأن هذه الدول باتت تشعر بخوف حقيقي على أوضاعها الأمنية الداخلية، بعد تغلغل أفكار «داعش» في عقول موجات متزايدة من الشباب المسلم المقيم على اراضيها.
كانت الحرب على «داعش» عنوان اجتماعين مهمين عقدا هذا الاسبوع في الرياض وواشنطن. في العاصمة السعودية التقى رؤساء هيئات الاركان في دول التحالف التي تشارك في الحرب على التنظيم. وأكد الجنرال لويد اوستن، قائد القيادة الوسطى الاميركية، الذي شارك في الاجتماعات، ان الحملة العسكرية ضد «داعش» ستستغرق وقتاً. «لكننا سنهزم هذا العدو». وأشار اوستن ايضاً الى ان قدرة التنظيم تراجعت في سورية، وبات غير قادر على السيطرة على أراض جديدة في العراق.
أما في العاصمة الأميركية فقد انتهى الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس باراك أوباما واستغرق ثلاثة ايام، وشارك فيه مسؤولون عرب وغربيون، من دون الاعلان عن اجراءات عملية او قرارات. لكنه كان مناسبة للتأكيد على مشاركة اكثر من ستين دولة ومنظمة في هذا الجهد العالمي ضد العنف والتطرف، ولم يترك المشاركون فرصة من دون ان يؤكدوا أن أعمال العنف غريبة عن تعاليم الاسلام وقيمه.
كانت الارقام التي عرضها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اجتماع واشنطن مثيرة للقلق، رغم انها ارقام متداولة منذ وقت طويل بين اجهزة الاستخبارات الغربية. قال بان انه خلال الاشهر الاخيرة التحق بتنظيم «داعش» اكثر من عشرين ألف مقاتل أجنبي جاؤوا من حوالى مئة بلد، بينهم اكثر من اربعة آلاف جاؤوا من اوروبا. هذا الرقم يوازي عدد المقاتلين الذين التحقوا بتنظيم «القاعدة» في افغانستان على مدى عقد كامل في تسعينات القرن الماضي.
ماذا يعني هذا سوى ان الحرب التي خاضها الغرب مع تنظيم «القاعدة»، وقال انه «انتصر» فيها، وصولاً الى قتل اسامة بن لادن، لم تحقق الانتصار الذي كان الجميع يأمله، بمنع انتشار هذا الفكر المتطرف، الذي يشكل الغطاء لارتكاب اعمال ارهابية، يسقط ضحيتها ابرياء من كل الاديان؟ فنظرية بن لادن التي أطلقها في حربه ضد الغرب، والتي قسّم فيها العالم الى فسطاطين، ما تزال قائمة، بكل ركائزها «الفكرية». ومثلما سعى زعيم «القاعدة» من خلال «غزوتي» نيويورك وواشنطن الى جرّ القوى الغربية الى مواجهة معه على «أرضه»، يمارس أبو بكر البغدادي الاسلوب نفسه اليوم، فيجزّ رؤوس «الكفار» حيثما عثر عليهم، ويأخذ الحرب الى عقر دار الغرب وعواصمه، بأسلوب اكثر تطوراً، ومن دون حاجة الى تطويع «جهاديين» من بلدان عربية والعمل على زرعهم في الدول الغربية لتنفيذ اعتداءاتهم، ذلك ان وسائل الاتصال الحديثة توفر لـ «داعش» فرصة ثمينة لتجنيد «جهادييه» في الاماكن التي يعيشون فيها والتي يعرفونها جيداً، مستفيدين من الغطاء الذي تؤمنه جنسياتهم الغربية التي تحميهم من ضغوط التحقيقات الامنية. ويأمل البغدادي من حربه هذه ان يجر القوى الغربية الى مواجهة معه على «ارض الخلافة»، حيث تأخذ الحرب كل ابعادها الدينية التي يستفيد منها «داعش» في كسب الموالين وحشد المؤيدين.
ان الحرب الحقيقية التي يجب خوضها والانتصار فيها على «داعش» يجب أن تكون حرب افكار وعقول، قبل ان تكون حرب طائرات ومدافع. واذا كانت لـ «داعش»، كما لـ «القاعدة» من قبله، مصلحة في جر الغرب الى هذه الحرب التي يريدانها «حرباً دينية»، فإن المسؤولية الكبرى تقع على المجتمعات العربية والمسلمة للتصدي لهذه الموجة التكفيرية، وانقاذ شبابها وأجيالها الجديدة من دعاة العنف والتطرف، الذين يشكلون خطراً على هذه المجتمعات أشد من أي خطر آخر.
الياس حرفوش