إلى المعارضة السورية

7

ماجد كيالي – جيرون

 

هذه رسالة إلى المعارضة السورية، بشخصياتها وكياناتها الحيّة المخلصة والمسؤولة والوطنية والفاعلة: العالم يتغيّر من حولكم، فالولايات المتحدة وروسيا، بعد قمة ترامب – بوتين، في هلسنكي، غير ما قبله، والدول الأوروبية تسير في الركاب ذاته، والمعنى أنه بات في الموضوع السوري نوع من التقارب، أو التوافق، مفاده على الأغلب تعويم نظام الأسد، أو ما بقي منه، على الأقل مرحليًا، وهذا الكلام ينطبق على الأنظمة العربية، التي “دعمت” في مرحلة ما، وإلى حد ما، الثورة السورية، سياسيًا أو ماليًا، مع كثير من التحفظات على كلمة “دعمت”.

 

على ضوء ذلك، أو لمواجهة التحديات والتعقيدات الناجمة عن ذلك، نتساءل: متى ستحسمون أمركم بشأن القطع مع كل المراهنات السابقة، التي أخذتم أو التي أخذت الثورة السورية إليها؟ ومتى ستحاولون صوغ معادلات أو بناء قواعد جديدة، للمعارضة السورية؟

 

في الماضي، قبل أكثر من سبعة أعوام، أي عندما اندلعت الثورة السورية، بطريقة مفاجئة وقوية وحاسمة، لم يسعفكم الوقت لتدارك تلك اللحظة التاريخية، لبناء كياناتكم وتاليًا لصوغ استراتيجية كفاحية لكم، وتكريس تقاليد كفاحية ووطنية لعملكم وعلاقاتكم، وفيما بعد لم تترك لكم الأطراف الدولية والإقليمية الفرصة لتدبّر أموركم وإدارة أحوالكم، وفقًا لإرادتكم الذاتية، ووفقًا لتقديركم لواقع الحال والإمكانات.

 

هكذا ذهب أكثركم إلى وضع مراهناته، مثلًا، على موقف أميركي وغربي مؤازر للثورة، وعلى دعم بعض الدول العربية لها ماليًا وعسكريًا، وعلى موقف مساند وقوي من تركيا، وبناء على ذلك، بل بناء على تشجيعات خارجية؛ جرى التحول نحو العمل المسلح، والتسليم بقيام بعض الدول بإنشاء كيانات مسلحة، والتدخل بتشكيلات الكيانات السياسية، من المجلس إلى الائتلاف إلى هيئتي التفاوض، حتى فرض شعارات ذات صبغة أيديولوجية معينة. بيد أن ما ينبغي إدراكه الآن أن ذلك كله ذهب أو تبخّر، ولم يعد قائمًا البتّة، لكن ذلك حصل بعد أن انهارت الثورة، أو بالأصحّ والأكثر دقة، بعد أن انهارت المسارات التي سلكتها، بالعسكرة والأسلمة والتعويل على الخارج، وأن ما سبق كان مجرد للتلاعب والتحكم والتوظيف.

 

المشكلة أن كل ذلك، أي التدخلات الخارجية المضرة والتحول نحو العسكرة والأسلمة (وهي هنا ليس لها علاقة بالدين بقدر ما لها علاقة بتوظيفات الدين السلطوية) تم برضى من أكثريتكم، عن سذاجة أو عن حماسة أو عن تقصّد، سيان، أي أنكم جميعًا مسؤولون عمّا حصل، كل بقدره.

 

أنتم مسؤولون، أيضًا، لكونكم طوال الفترة الماضية لم تشتغلوا إلى الدرجة المناسبة لإنشاء كيان سياسي وطني جامع، على الرغم من تقديم عشرات الوثائق التي يمكن الإجماع عليها، ضمنها حتى “وثيقة العهد والميثاق” للإخوان المسلمين (آذار/ مارس 2012)، التي وضعوها حبيسة الأدراج، أو لمجرد الاستهلاك، دون أن يُحوّلوها إلى ثقافة سياسية في الحالة السورية، أو على الأقل عند منتسبيهم، ما يعني أن كل ما سبق عمله كان يقوم على المحاور والتقية، والحسابات الحزبية أو الشخصية.

 

على ذلك، وبناء على كل ما يحصل، يفترض أنه آن للسوريين القطع مع كل ذلك، آن للشخصيات الحية والمخلصة، التي تتملكها روح المسؤولية الوطنية في المعارضة، أن تضع حساسياتها وحساباتها الشخصية والفكرية والحزبية والسياسية الضيقة جانبًا. آن لهذه الشخصيات أن ترتقي إلى مستوى تضحيات وعذابات شعبها، وأن تفكّر في ما يمكن عمله، إزاء عديد من التحديات والمشكلات.

 

فأولًا، لا يمكن بناء كيان سياسي فاعل وجامع ووطني، من دون توافق على استعادة المقاصد الأساسية التي انطلقت من أجلها الثورة السورية، وهي المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، بعيدًا من الأيديولوجيات والحسابات السياسية الشخصية والحزبية، بحيث تكون هذه المبادئ بمثابة قيم فوق دستورية، لا يحق لأي أحد المساس بها، ولا لأي سبب، لأنها هي الأساس للتغيير السياسي الحقيقي في سورية.

 

ثانيًا، إن بناء كيان سياسي وطني جامع لا يمكن أن يتأتى من مجرد حلقات، أو محاور، فهذا ينبغي الانتهاء منه، لأن ذلك يتطلب تضافر جهود كل الشخصيات الوطنية المسؤولة والمخلصة، بغض النظر عن خلافاتها وحساسياتها، ولأن الهدف المشترك ينبغي أن يطغى على هذه الخلافات والحساسيات، التي لم توصلنا إلى نتيجة سوى ضياع الثورة وتبديد التضحيات.

 

ثالثًا، سيبدو من الصعب الحديث عن كيان سياسي جامع يمثل السوريين، في الوقت الذي بات فيه ملايين منهم مشتتين في دول العالم، ولا يوجد أي عمل سياسي في أوساطهم، بسبب هشاشة المعارضة، والخلافات في صفوفها، وعدم اتكالها على شعبها، ما يعني أن التأسيس ينبغي أن يبدأ من هنا أيضًا.

 

رابعًا، إذا كنتم تريدون حقًا كيانًا سياسيًا وطنيًا يعبّر عن كل أو معظم السوريين، ويمثلهم، ويوحدهم، ويدير كفاحهم من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، فإن ذلك ينبغي أن يتأسس على وقف الارتهان لأي نظام عربي أو غير عربي، مهما كان نوع هذا الارتهان، ومهما كان مستواه، وهذا ما أكدته التجربة المؤلمة والطويلة.

 

ثمة كثير من المسائل ينبغي مراجعتها، وكثير من التجارب والمفاهيم ينبغي القطع معها، وكثير من العقد والحساسيات الشخصية والحسابات الذاتية أو الحزبية ينبغي التحرر منها. انظروا مليًا حولكم، لا سيّما بعد مؤتمر هلسنكي: أين باتت أميركا؟ وكيف سمحت بأخذ الجنوب، وإنهاء سيطرة المعارضة فيها، والباقي في الانتظار في التنف وشرقي الفرات؟ انظروا ما حصل بعد التموضع التركي الجديد مع الدول “الضامنة” مع روسيا وإيران، في التوافق على مناطق “منخفضة التصعيد”؟ وأين وصلت المعارضة السورية وبالانتظار منطقة إدلب؟ انظروا إلى مآلات الكيانات المسلحة التي تكشفت ارتهاناتها للدول الداعمة.. انظروا ما فعلته الخطابات الإسلاموية المتعصبة والمتطرفة والعنفية والاستئصالية، التي شقت صفوف السوريين وأضعفت ثقتهم بثورتهم وقوضت مقاصدها النبيلة.

 

ثمة كثير مما يمكن عمله؛ إذا تمت مراجعة هذه التجربة بروح وبعقلية وطنية مسؤولة، روح وعقلية تحترم كفاحات وعذابات شعبها.

Leave A Reply

Your email address will not be published.