جدلية العلاقة بين الديمقراطية وثقافة قبول الاخر

17

وليد فرمان / خاص

تعتبر الديمقراطية شكلا من اشكال النظام السياسي الذي يستند على مبدأ سلطة الشعب وحرية الافراد والمساواة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية وفي اختيار مؤسسات الدولة وأجهزتها . عن طريق الانتخابات وتوفير الحربات العامة بما فيها حرية التنظيم السياسي والنقابي ومنظمات المجتمع المدني وتوفير الاجواء القانونية والدستورية لتحقيق ذلك

لقد اثبتت تجارب الشعوب بان إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها اي مجتمع سواءً كانت اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية او سياسية …. يكمن في توفير الديمقراطية او في ظل نظام ديمقراطي فعلي يتمتع فيه كافة افراد المجتمع بحقوقهم كاملة ضمن الاطر التي يحددها الدستور والقانون حيث تنتفي فيه كافة أشكال الاضطهاد والتمييز القومي والديني والعرقي وتصان فيه حقوق الانسان وحرياته العامة .وبالتالي حقوق جميع المكونات القومية والدينية التي تتعايش في بلد واحد

في حال عدم توفر الديمقراطية او غيابها فاِن هذه المكونات القومية وحتى الافراد يتحولون الى كتلٍ متناحرة ومتصارعة فيما بينها مما يسبب في مشاكل وهدر لطاقات المجتمع ويؤدي الى تخلفه عن ركب الحضارة الإنسانية نتيجة لفقدان المساواة بين أفراد المجتمع .وللوصول الى مجتمع متحضر وبوعي ديمقراطي هو العمل على نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وقبول الاخر وتنمية ثقافة المجتمع المدني ونشر مفاهيم ومبادئ حقوق الانسان لكونها الضمانة الوحيدة للعيش معاً تحت سقف وطن واحد

والعمل على ترسيخ ثقافة الولاء للوطن وليس لحزب او لشخص معين وذلك من خلال تنمية الانسان (سوريا نموذجاً) للارتقاء الى مصافي الدول المتحضرة واعادة دورها الحضاري والتاريخي باعتبارها مهداً للحضارات الانسانية والأديان السماوية التي تقر جميعها بالتسامح والعدل والمحبة. وقد قدمت البشرية عبر مسيرتها النضالية الطويلة تضحيات جسيمة في سبيل هذه القيم والمبادئ الأساسية التي اعتمدتها فيما بعد مختلف المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الانسان.

التاريخ الانساني مليء بالرموز النضالية التي واجهت بصمود وعزيمة أشد انواع الاضطهاد والتعذيب والتصفية الجسدية بسبب تمسكها بقناعاتها; وسعيها الدؤوب من أجل التعبير عنها بحرية .أمثال غاليلو الذي تمرد على تعاليم الكنيسة ذات الحكم المطلق . والمناضل الافريقي نلسون مانديلا الذي امضى سبعة وعشرون عاماً في سجون النظام العسكري العنصري لجنوب أفريقيا ليصبح بذلك أشهر سجين سياسي في العالم مدافعاً عن الحرية والقيم الإنسانية النبيلة . فقال منبهاً / لا تحط نفسك بأشخاص لا يعرفون ان يقولوا الا نعم/

ومثل هؤلاء لم يكتفوا بالدعوة الى الحرية لأنفسهم فقط بل ناضلوا ودافعوا عن حرية الاخرين وان كانوا مختلفين معهم في الرأي والموقف وقال فولتير في هذا الاتجاه ” قد اختلف معك في الرأي ولكني على استعداد أن أدفع حياتي ثمناً كي تعبر عن رأيك بحرية”

من أجل الوصول الى خطوط رئيسية وقواسم مشتركة فان رفض اي مكون للآخر وأقصاءه يعتبر خرقاً وانتهاكا لمبادئ حقوق الانسان في الفكر والعقيدة والراي وإلغاء الحقوق المنصوص عليها دستورياً والتي تكفل للفرد الحق في التعبير عن رأيه حيث نصت المادة /19/ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ……..”

من خلال نشر ثقافة الحوار وتقبل الاخر يمكن للمجتمع المضي قدماً في طريق التحول الديمقراطي واعتماد مبادئ العدالة الانتقالية من خلال تعزيز مبادئ وثقافة احترام الرأي والرأي الاخر والحوار معه والاستمرارية في التواصل وهو الطريق السليم والأنجع لحل كافة القضايا الوطنية العالقة وهو البديل الأمثل عن فرض الرأي بالقوة ورفض الاخر وإقصائه

وبالتالي نحافظ على الاستمرارية والوئام والسلام وتعميق مبادئ الديمقراطية في مجتمع عان من سياسة النظام الشمولي والحزب الواحد والقائد الأوحد الذي كرس ثقافة العداء والكره بين المكونات القومية في البلد بأساليب مختلفة لتتصارع فيما بينها لإبعادها عن مسارها الحقيقي وجعلها ضعيفة ومشتتة.

لذلك بدون سلام وتقبل الاخر لا يمكن ان يكون هناك تنمية حقيقية أو ديمقراطية وخاصة في ظل الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة والمتطورة للتواصل بين البشرية من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والحقوقية

لذلك لا بد من تجاوز الثقافات السلبية المتراكمة خلال عقود للأنظمة الشمولية والديكتاتورية ومفهوم الحزب الواحد ( قائد الدولة والمجتمع ) والإفساد الممنهج للمجتمع بكافة جوانبه أفراداً ومؤسسات و ذلك من خلال دعم ومساندة البرامج التنموية لمؤسسات المجتمع المدني ورفع قدراتها وتطويرها ونشر ثقافة حقوق الانسان وأطلاق الحريات العامة ورفع مستوى الوعي العام لدى المجتمع والتركيز على دور المرأة في اطار العدالة الانتقالية والعمل بمبادئ القانون الدولي والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن

فالديمقراطية هي الحاضنة الاساسية التي تنمو فيها ثقافة الحوار وتقبل الاخر لبناء مجتمع يسوده العدالة والتسامح والمحبة ….

 

 

 

 

 

 

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.