الصراع على تركيا في الشمال السوري
عبدالوهاب احمد / نشرة نداء الاصلاح
استبشر السوريون خيراً بانخفاض وتيرة الأعمال القتالية والمعارك بين طرفي الصراع – النظام والمعارضة بعد تنفيذ معظم الاتفاقيات والتفاهمات الخاصة بخفض التصعيد والتوتر في مناطق سورية عدة . تفاؤلٌ حذر ، وترقبٌ لنتائج تكثيف الدول المعنية بحل الازمة السورية لمساعيها في البدء بالعملية السياسية قبل إنتهاء العام الحالي ، بدءاً من التوصيات التي قدمتها المجموعة الدولية المصغرة (٥+٢) وانتهاءً بتأكيد بيان القمة الرباعية في اسطنبول التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظرائه الروسي بوتين والفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، وجميعهم شدّدوا على ضرورة الإسراع في كتابة دستور جديد للبلاد ، والذي تعتبره أمريكا مدخلاً رئيسياً للتسوية السياسية وليست ” كل التسوية ” إلا أن قصف الجيش التركي لمواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد ) والتي تشكل وحدات الحماية الكردية دعامتها الأساسية والمدعومة أمريكياً على الحدود السورية التركية بُعيد هذه القمة لا تشي بقرب انتهاء الصراع المسلح على كافة الأراضي السورية ، وتنذر بفتح هوة أخرى في جدار مأساة الشعب السوري بكافة أطيافه وحيثما وجدوا ، فتركيا التي لا تفوّت أي فرصة للحديث عن ” تطهير الشمال السوري من منظمة إرهابية تابعة للحزب العمال الكردستاني” تعود مجدداً لخلط الاوراق على الأرض بقصفها لمواقع ( قسد ) في منطقة تحت الحماية والنفوذ الأمريكي . تصعيدٌ ، يأتي في الوقت الذي عملت الإدارة الأمريكية وما تزال على ترسيخ فكرة استحالة أي تدخل عسكري في منطقة تتواجد فيها قواتها العسكرية، ولكن هذه القناعة اهتزت في الأيام القليلة الماضية، وولدت لدى الكثيرين شكوك حول مدى جدية الإدارة الأمريكية في حماية حلفائها العسكريين ضد التهديدات التركية، والأهم أصبحت حقيقة وجود المشروع الامريكي في المنطقة محل تساؤل، فيما لو فعلا هناك مشروع أم لا ؟ ، وإلا كيف تتجرأ تركيا على العبث بإحدى أدوات مشروعها في سوريا وهي مازالت تحارب تنظيم داعش بأيدي ( قسد ) و لم تعلن النصر النهائي بعد ؟ ، ثم لماذا تصعد تركيا من هجماتها تجاه الحليف العسكري لأمريكا في الوقت الذي تشدد فيها الإدارة الأمريكية على بقائها في سوريا إلى أجل غير مسمى وتتمسك بخيار الحل السياسي للأزمة السورية وتدفع جميع الاطراف المحلية والإقليمية نحو الإسراع بصياغة دستور جديد لسوريا ؟؟! .
إمكانية استمرار القصف التركي على الشريط الحدودي وتطوره لاحقاً إلى مواجهة حقيقية داخل الأراضي السورية ، يدفعنا إلى استخلاص: أن الإدارة الأمريكية غير معنية حتى النهاية بمصير حليفها “الكردي” أمام العروض التركية المتتالية لها في سوريا والمنطقة، وهي قد تنئ بنفسها عن أي تدخل لصالح (قسد) لردع أي هجوم تركي كما حدث سابقاً في عفرين بحجة أنها كانت غير خاضعة عسكرياً لنفوذها ، خاصة وأن الرئيس الأمريكي وبُعيد إطلاق أنقرة لسراح القس برانسون وعد “بإقامة علاقات ممتازة مع تركيا” في الأيام المقبلة! ، علاوة على أنّ فكرة خسارة واشنطن لأنقرة بالتزامن مع إصرارها في تضييق الخناق وفرض مزيد من العقوبات على طهران والسعي لتحجيم دورها في سوريا غير محببة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة المكلفة بإدارة الصراع في الشرق الأوسط .
من جانب آخر، روسيا تحاول أن تجذب تركيا نحوها أكثر، ولا تريد أن تخسرها كحليف إقليمي تعاون معها كثيراً في سوريا، وكانت سبباً مباشراً لتغير موازين القوى لصالح نظام بشار الأسد عندما فرضت اتفاقيات هدنة ومصالحة على حلفائها من المعارضة اجبرتهم على الانسحاب من مناطق عدة، من أجل ذلك وغيره، كان الموقف الروسي الاخير لافتاً بالنسبة للمناطق الكردية، وبدأت المغازلة الروسية لتركيا عبر وزير خارجيتها السيد لافروف الذي تحدث عن “مساع امريكية لإقامة دويلة كردية في شمال سوريا على غرار إقليم كردستان العراق” الأمر الذي فهمته أنقرة على أنه دعم روسي جديد لموقفها الرافض لإقامة أي نظام حكم يديره حزب الاتحاد الديمقراطي على حدودها الجنوبية، هذا الموقف الروسي المفاجئ ، إلى جانب الموقف الأمريكي الخجول من تطورات الأحداث العسكرية الأخيرة في منطقة نفوذ يفترض أنها أمريكية، قد تفتح شهية النظام السوري أكثر في التمسك بدعوته السابقة إلى تسليم المنطقة الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي لدمشق وفق شروط يريدها الأسد لا كما يروج لها قادة من حزب الاتحاد الديمقراطي .
في العموم، ليس متوقعاً أن تشهد الحدود السورية التركية تصعيداً أكثر حدةً ويمكن إعتبار ما حصل مؤخراً من تصعيد ، ليست إلا رسائل سياسية تركية استباقية تحاول إيصالها لأمريكا التي أعلنت من خلال المجموعة(5+2) على ضرورة « تمثيل حلفائها على الأرض في لجنة صياغة الدستور الجديد لسوريا…” وهذا ما لا تريده تركيا ، إلى جانب ممارسة نوع من الضغط على القوات العسكرية الأمريكية لتنفيذ اتفاقها السابق حول مدينة منبج ، وتلزمها على تسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بعيداً عن قوات سوريا الديمقراطية .
بين الرغبة الأمريكية في تطمين حليفها الاستراتيجي القديم ، والدفع الروسي بفرض رؤيته كإطار شامل لحل الأزمة السورية مع حلفائه في استانة وسوتشي ، تجد تركيا نفسها أمام وليمة جديدة تعزز من موقعها الجيوسياسي في المنطقة ، وتمنحها مزيداً من الأوراق في لعبة الصراع على المصالح والنفوذ قبل الدخول فعلياً في أي تسوية سياسية لصراع دام قرابة الثماني سنوات .