أنقرة وجنيف والأكراد

6

لا يختلف كُثر حول علاقة «حزب الاتحاد الديموقراطي» (الفرع السوري للكردستاني) بالنظام السوري، ومدى تنسيقه معه، لأسباب كثيرة. ما لا يمكن فهمه أو تبريره أو شرعنته هو الإصرار التركي المستميت على إبعاد «الاتحاد» عن «جنيف – 3» ضمن فريق المعارضة! هذا العناد كأنّما يراد به الإبقاء على العلاقة بين الحزب الأوجلاني السوري ونظام الأسد، بدلاً من السعي المعاكس! ثم إن التعنّت التركي، يشي بافتراض مفاده أنه في حال انتقل «الاتحاد» فعلاً إلى معارضة النظام ونفض يديه منه، قد تنتقل أنقرة إلى الضفّة المعاكسة، الى جانب موسكو وطهران دعماً للأسد، ليس حبّاً به، بل كرهاً بأكراد سورية!

هذه الاستــماتة التـــركيّة المرفقة بالتهديد والوعيد للمعارضة السورية بأن أنقرة ستتوقف عن دعمهم وتنسحب من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، في حال أُدرج «الاتحاد» ضمن فريق المعارضة، تفتقد أبسط درجات الوجاهة والمعقوليّة، وتقترب من العداء والعنصــــريّة العمياء التي يستبد بها الخوف من أن يكون للكـــرد دور في صياغة مستقبل سورية، بقي الأســـد أو رحـــل. وعليه، تبدو حجج الرفض والممانعة التركيّة، فـــي ظاهرها، سخيفة وهشة، أمّا باطنها، فتعبير عن الفاشيّة الطورانيّة المزمنة، المتوارية خلف معسول الكلام، من أن أنقرة «مع مشاركة الأكراد»، لكنها ضد مشاركة «الاتحاد»، وفق ما صرّح به أحمد داوود أوغلو.

فإذا كانت حجّة أن «الاتحاد» هو الفرع السوري لـ «الكردستاني»، سبب الرفض، فأنقرة تفاوض «الكردستاني» منذ 2009، وهي تتهمه بأنه «تنظيم إرهابي»! وإذا كان الحزب الأوجلاني السوري، يسيطر على الشريط الحدودي التركي – السوري، فعلى الأتراك مكافأته على ذلك، لأنه يحمي حدود تركيا من «داعش». هذا إن كانت أنقرة تعتبر «داعش» تهديداً حقيقيّاً لأمنها، وليس «ذراعها الخفيّة» في سورية والعراق!

كان يجدر بالأتراك، أكثر من غيرهم، الدفع باتجاه مشاركة «الاتحاد» في المفاوضات، لا عرقلة ذلك. لأن وجوده، في مقابل النظام، يحرج الحزب نفسه، ويضعه على المحّك، أقلّه على طاولة المفاوضات. وربما يكون ذلك أولى الخطوات في الاتجاه الصحيح، لجهة فك ارتباطه بنظام الأسد.

أصلاً، طالما أن الرأس الأيديولوجي لـ «الكردستاني» وفرعه السوري، أي أوجلان، بيد الأتراك، ومنسجم مع طروحاتهم حيال مناهضة الدولة القوميّة الكرديّة، فهذا يعني أن أنقرة يمكن ان تستفيد من «الكردستاني» وأذرعه في المنطقة. وغير مفهوم لماذا لا تسعى للاستفادة منه بينما تسعى كل عواصم العالم للاستفادة منه ضد أنقرة؟! ربما لأن تركيا تعرف أن ثمن ذلك هو منح الكرد بعض حقوقهم القوميّة والوطنيّة والديموقراطيّة دستوريّاً!

إن من مصلحة المعارضة والثورة السوريّة، ومصلحة تركيا والسعوديّة ودول الخليج، كسب ثقة «الاتحاد» وجرّه (بما يملكه من قدرة قتاليّة)، إلى «فخ» المفاوضات في جنيف، لأن ذلك يحيق هدفين كبيرين: إفقاد النظام أحدَ حلفائه الداخليين الاستراتيجيين، والاستفادة من قدراته القتالية كخط دفاع أوّل في مواجهة «داعش» داخل سورية.

وبما أن ستيفان دي ميستورا لم يوجّه الدعوة إلى صالح مسلم، بعد تلويح الروس بأنه سيُدعى لاحقاً، فعلى «الاتحاد» اغتنام الفرصة لإحراز اعتراف إقليمي ودولي به كطرف معارض، له ثقله الوازن في المعادلة الداخليّة، وأن يقنع العالم بأنه قطع علاقته بنظام الأسد، وأنه جهة سياسيّة وعسكريّة معارضة له، قولاً وفعلاً. على الحزب العمل وفق مبدأ «كرد سورية أولاً»، في إطار «سورية أولاً»، ولا يرجّح كفّة مصالح كرد تركيا، على مصالح كرد سورية. وعليه التوقّف عن هذه الطاعة العمياء لـ «الكردستاني»، في حال تعارضت مصالحه مع مصالح سورية وأكرادها. فقد آن له أن يحرر مصير كرد سورية من سجن إمرالي وكهوف جبال قنديل.

هوشنك اوسي

Leave A Reply

Your email address will not be published.