أكراد سورية: من حلّ عادل لقضيّتهم إلى الفيدراليّة

8

عقدت الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري المعارض، في الخامس عشر من تموز/ يونيو الماضي لقاءً في مدينة إسطنبول التركية، لمناقشة القضية الكردية، والطرح الفيدرالي تحت عنوان (المسألة الكردية والفيدرالية) بحضور ممثلين عن المجلس الوطني الكردي، وأعضاء من الهيئة السياسية لائتلاف قوى الثورة، والمعارضة السورية، وشخصيات مستقلة.

 

استمر اللقاء ثلاثة أيام، من دون أن يُصدِر المشاركون أي بيان صحفي، أو خبر إعلامي. وفي تصريح لصحيفة (جيرون) أوضح القيادي الكردي حواس خليل، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف (وهو منسّق اللقاء) أن غياب البيان الرسمي سببه “أن الخطة المرسومة تقتضي إتْباع هذه الورشة، بورشات أخرى في السياق ذاته”، وعن غياب وسائل الإعلام عن تغطية اللقاء، أكد خليل أنهم وجهوا دعوة إلى العديد من وسائل الاعلام المرئية والإلكترونية، وقال “تمت دعوة مجموعة من الصحفيين والإعلاميين والدبلوماسيين، لكن للأسف، جاء الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا، في التاريخ نفسه، مما حال دون حضورهم”.

 

خلاف طبيعي

 

ولم ينف القيادي الكردي حواس خليل، أن اللقاء شهد خلافات وسجالات بين الشخصيات المشاركة، وقال: “من الطبيعي أن يكون هنالك اختلاف حول مفهوم جديد على السوريين، وهذا يحدث في أرقى الدول الديمقراطية”، وأضاف: “كيف يمكن أن نكون منسجمين مئة بالمئة، وبلادنا لا تزال تعيش أتون صراع ٍ دموي”.

 

وتقول الأحزاب الكردية: إنّ أكراد سورية يشكّلون نحو 12 في المائة من التعداد السكاني العام، ويزيد عددهم عن مليونين ونصف مليون نسمة، يتطلعون إلى نيل حقوقهم القومية، أسوة بأبناء جلدتهم في العراق، الذين يحظون بحكم فيدرالي منذ تسعينيات القرن الماضي.

 

وعدّ حواس خليل أن “قبول مناقشة الفيدرالية من قِبل شخصيات كانت تعارض حتىّ السماع بذلك المفهوم، تُعدّ خطوة إيجابية”، وكشف أن أكثرية الحاضرين “توافقوا على أن يكون اسم الدولة الجمهورية السورية”، وتكون اللغة الكردية رسمية إلى جانب العربية، في المناطق ذات الأغلبية الكردية.

 

تأسس المجلس الوطني الكردي في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وهو ائتلاف سياسي، يضم أحزابًا سياسية، وقوى ثورية، وحركات شبابية كردية. وطالب في بيان مؤتمره التأسيسي بـ “إيجاد حل ديموقراطي عادل لقضيته القومية، بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه، ضمن وحدة البلاد”، وفيما بعد، رفع مؤتمره الثاني الذي عقد نهاية العام 2012، من سقف مطالب الأكراد في سورية، ونصّ البيان الختامي للمؤتمر على الإقرار بأن “أرقى أشكال الدولة في سورية، يتمثل في الدولة الاتحادية الديمقراطية الفيدرالية”.

 

من جهته، قال خليل: “من الخطأ أن تنحصر الفيدرالية بالأكراد وحدهم في سوريا، لأن الدولة الاتحادية شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيها مقسمة دستوريًا بين حكومة فيدرالية ووحدات حكومية أصغر؛ أقاليم، أو ولايات، لأن المسألة تخص كل المكوّنات في سورية، ولا تخصّ الأكراد وحدهم”، منوهًا إلى أن “ثمة أصوات أخرى غير كردية، ترى الفدرالية حلاً وليس مشكلة”.

 

شكل الدولة

 

انضم المجلس الوطني الكردي إلى ائتلاف المعارضة السورية، في 27 آب/ أغسطس 2013، ولديه كتلة من 11 ممثّلًا في صفوفه. إلا أن الطرفين لم يتّفقا، حول شكل الدولة المستقبلية، ونظام الحكم، حيث طالب الأول بنظام اتحادي فيدرالي، بينما رحّل الثاني هذه المطالب، إلى أول جمعية دستورية، تحدد مستقبل البلاد.

 

المحامي زردشت محمد، مسؤول الإعلام في حزب الوحدة الكردي (يكيتي)، وإحدى الشخصيات الكردية المشاركة في لقاء إسطنبول، قال لـ (جيرون) “بات من المسلّم استحالة السيطرة على البلاد، من خلال الدولة المركزية المستبدة، من أجل المحافظة على وحدة سورية، وطنًا معبّرًا عن الكلية المجتمعية”.

 

وأكد على أن الاتحاد الفيدرالي “هو الذي يضمن حقوق جميع الشعوب مع بعضها في ظل نظام ديمقراطي”، وشدّد على أن هذا الاتحاد “يجب أن يعيش فيه كل مجتمع، بشكل حر، بهويته وكرامته ضمن حياة متسمة بالعلاقات العادلة، والمساواة”.

 

وتعرّض أكراد سورية خلال خمسة عقود خلتْ، من حكم حزب البعث في سورية، إلى أشكال مختلفة من التمييز، جراء سياسات النظام الحاكم، ولم تقبل المعارضة السورية بمختلف أطيافها، احتواء مطالبهم القوميّة، بعد أن حدّدوها بالفيدرالية، ودافع محمد عن هذا النمط من الفيدرالية، وقال “جميعنا سوريون إزاء الخارج، ومتنوعون ومتعددون إزاء الداخل، لأن الفيدرالية المقترحة هي فيدرالية جغرافية، وليست على أساس عرقي أو ديني أو طائفي، في ظل توافق وتفاهم بين مكونات كل إقليم، أو مساحة جغرافية محددة، واحترام الخصوصيات”.

 

اتحاد أم تقسيم

 

بعد انسحاب قوات النظام السوري، من المناطق ذات الغالبية الكردية، صيف العام 2012، سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي، تدريجيًا، على المنطقة الممتدة من ريف حلب الشمالي، عفرين وعين العرب (كوباني)، مروراً بمدينة تل أبيض التابعة إلى ريف محافظة الرقة، ورأس العين وتل تمر والدرباسية وعامودا، علاوة على القسم الأكبر من مدينتي الحسكة والقامشلي وريفيهما، وانتهاءً ببلدة المالكية أو (ديركا حمو) بحسب التسمية الكردية لها.

 

أعلن حزب الاتحاد بالتحالف مع أحزاب وشخصيات وقوى عربية وآشورية في 17 آذار/ مارس الماضي الاتحاد الفيدرالي من طرف واحد، وأطلقوا عليها اسم (روج – آفا شمال سوريا)، ضمن المناطق التي تقع تحت سيطرتهم شمال شرق سوريا، خلال اجتماع عقده في مدينة رميلان التابعة لمحافظة الحسكة، ضم 150 مندوباً وممثلاً عن 31 حزباً كردياً وآشوريًا وسريانيًا، وشخصيات من عشائر عربية.

 

إلا ان سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديموقراطي، نفى خلال حديثه لـ (جيرون) أن يكون النظام الفيدرالي بمنزلة بداية لتقسيم البلاد، واستغرب من توسيم الفيدرالية بأنها تقسيم، وقال: “تعيش سورية اليوم حالة متقدمة من التقسيم، والفيدرالية تضمن اتحاد البلاد، وبقاءها دون تفتت وتشظٍ”، وأضاف: “إن أحد عوامل قوة المشروع، جاءت بحضور سبعة مكونات من الشعب السوري، من كرد وعرب وسريان/ آشوريين وشيشان ويزيديين وشركس وتركمان وأرمن”، وتمثل هذه المكونات أديان سماوية تنتمي الى الإسلام والمسيحية”.

 

وعدّ ديبو أن النظام الفيدرالي “حاجة مطلبية لإدارة المناطق التي تم تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”، ولفت إلى إمكانية تعميمها على كل سورية، وشددّ على أن الفيدرالية المعلنة في مناطق سيطرتهم “ليست من أجل إلغائها مستقبلًا أمام صيغ اللا حل، بل سنعمل على ترسيخها، أمام أي محاولة لإعادة إنتاج نظام استبدادي آخر” وفق تعبيره.

 

وكان إعلان الفيدرالية من قبل بعض أكراد سورية، في مناطق سيطرتهم، قد أثار جدلاً واسعاً بين السوريين. وتباينت المواقف بين منتقد ومعارض ومؤيد للخطوة، مع تحفظات بضرورة تأجيلها، إلى حين إجراء استفتاء بشأنها، ومازالت هذه التباينات مستمرة حتى اليوم.

جيرون

Leave A Reply

Your email address will not be published.