ما مدى جدّية الحرب على «داعش»؟
ليس الخلاف مع «داعش» عسكرياً أو سياسياً. انه عقائدي بالدرجة الأولى، فالتنظيم الإرهابي اختطف الإسلام من دون أن يتقدم ببرنامج يؤيد حقه في الاختطاف ويصف مؤهلاته باعتباره «الفرقة الناجية».
استهدف «داعش» جنوداً ومدنيين سعوديين أثناء صلاتهم في مسجد. إنها عمليته الإرهابية السادسة في المملكة بعد عملية عرعر وعمليتي الرياض وعمليتي القطيف، على اختلاف درجات هذه العمليات. ولم يفاجأ السعوديون بقدر ما أسفوا للضحايا وامتعضوا من التنظيم الإرهابي الذي يزعج حياتهم اليومية ويتوهم أنه يستطيع إرباك الحكومة والمجتمع في مملكة مستقرة سبق أن واجهت أخطاراً تشبه «داعش» أو تزيده شراسة، وبقي الاستقرار دائماً نقطة تجمع أنحاء المملكة الشاسعة ومواطنيها المنتشرين في المراكز والأطراف.
لكن ضربة «داعش» في أبها تؤكد مجدداً خطر التنظيم على الشرق الأوسط والعالم، فقد تجاوز الرسائل الدموية إلى هذا البلد أو ذاك، ليعلن حرباً من طرفه على العالم كله ويحصر بنفسه أجندة هذه الحرب، مفاجئاً أعداءه الذين يستخفون به أو يعتبرونه مجرد ذراع سرية لاستخبارات دولة أو أكثر.
المسألة جدّية، على رغم غموض مخططات خليفة «داعش» الضابط العراقي السابق الطالع من تربية بعثية مشبّعة بالمخادعة، والمتبني دولة إسلامية تشبه ديكتاتورية البعث بل تزيدها باتجاه التزمت الستاليني والهتلري، حيث ينطق الديكتاتور وحده بالحقيقة، باسم البروليتاريا أو باسم الأمة المتعالية، وعند «الخليفة» البدري باسم ما يراه إسلاماً يلغي أو يكفّر ما سبقه من إسلامات.
المسألة جدية، تتطلب العمل في مجالين:
المجال السياسي والعسكري بأن يجري تفكيك ألغاز انطلاقة «داعش» حين استولى على الموصل أرضاً وسلاحاً وأموالاً بعدما كان محصوراً بالرقة السورية التي اختطفها من النظام والمعارضين. ويبدأ تفكيك الألغاز بمعرفة حقيقة دور نوري المالكي ومن وراءه في تسليم «داعش» قوته واقتداره، ثم بكشف العلاقة بين رجب طيب أردوغان و «داعش» التي كادت تقارب علاقة الاستخبارات الباكستانية بحركة «طالبان» الأفغانية. والآن عندما يعلن أردوغان اندراجه في التحالف ضد «داعش» لا نعرف طبيعة هذا الاندراج ومداه وهدفه، فمحاربة «داعش» كهدف عالمي هي أكبر وأهم من أهداف أردوغان الصغيرة في منع الأكراد من اقامة كيان أو شبه كيان في الشمال السوري. والحال أن أردوغان يرى هدفه الكردي أكبر وأهم من محاربة «داعش»، على رغم ضغوط أميركا والعرب والعالم في هذا الشأن.
والعمل الثاني الأهم، يقع في مجال العقيدة، ذلك أن «داعش» ينسب إلى نفسه حقيقة الإسلام ويضرب مخالفيه بلا رحمة، بل يتقصد غالباً التمثيل بالضحية لإلقاء الرعب في وجه العالم.
هنا نفتقد رجال الدين المسلمين، أو من يسمون «العلماء»، فعلى هؤلاء تقع مسؤولية وضع ظاهرة «داعش» في نصابها الإسلامي الذي تستحق. المعركة هنا ثقافية عقائدية يبدو «علماء» المسلمين كأنهم يمتنعون عن خوضها لأسباب غامضة، فليس معقولاً أن يعجز هؤلاء عن مجابهة قياديي «داعش» شبه العسكريين في سجال عقائدي إسلامي، بل حتى في سجال فقهي.
يهبط «داعش» كاللعنة على العالم العربي والإسلامي، وبهبوطه لا يسمح للمسلمين بوقت كافٍ لينظروا داخل أنفسهم ويطهروها من دنس أفكار «داعشية» طالما عطّلت الإيمان الإسلامي وأساءت إلى صورة هذا الدين في نظر شعوب العالم، حتى بدا في معظم الأحيان مرتدياً ثوب العسكري المسلح بدل أن يرتدي ثوب المؤمن الذي يمد يديه إلى الناس مودة ورحمة.
محمد علي فرحات