لماذا لا تؤوي حكومات الخليج أي لاجىء سوري؟
عندما عرض القائمون على برنامج «عالم الظهيرة» في راديو «بي بي سي 4» استضافة متحدثين باسم سفارات بعض الدول الخليجية في لندن للإجابة على السؤال الكبير: «لماذا لا تساهم حكوماتكم في إيواء اللاجئين السوريين؟»، لم يجدوا من يقبل الدعوة. ولكنهم تلقوا ردا من السفارة الكويتية في شكل بيان كتابي يشرح أن حوالي ثلثي المقيمين في الكويت هم من الأجانب، وأن كثيرا منهم هم في الأصل ممن فروا من مناطق الحروب والنزاعات، وأن الكويت هي من أسخى الدول في مجال تقديم المساعدات للاجئين. وقد حاول البرنامج تدارك مسألة نقص المتحدثين الخليجيين باستضافة سفير بريطاني سابق في السعودية، فتمكّن بلباقة الدبلوماسي المحنك من تمرير رسالتين: أولا، أن ملايين الأجانب يقيمون في السعودية وأن كثيرا من هؤلاء هم من العرب. ثانيا، أن اللاجئين السوريين يفضلون التوجه إلى أوروبا ولم يحدث أن قدم أي منهم طلب لجوء في الخليج.
ورغم أن قضية اللجوء والهجرة غير القانونية قد ظلت تؤرق أوروبا على مدى الأشهر الماضية، ورغم أنها تحولت في الأيام الأخيرة إلى قضية إنسانية وأخلاقية كبرى تؤنب الضمير الأوروبي وتعذبه، فإن الخطاب الإعلامي في بريطانيا وفرنسا لم يهتم في السابق بإثارة قضية انعدام الدور العربي أو الإسلامي في حل قضية اللاجئين السوريين. صحيح أنه لا يغفل عن التذكير، كلما اقتضى الأمر، بأن تركيا ولبنان والأردن هي التي تؤوي معظم اللاجئين السوريين. ولكن لم يسبق له، حتى اليومين الأخيرين، أن اهتم بإثارة مسألة عدم مبادرة الدول العربية النفطية إلى عرض إيواء عدد من اللاجئين السوريين.
وهذا من أدلة بطلان الرأي القائل بأن الإعلام الغربي متحيز ضد العرب بسبب ودون سبب. إذ لو كان الأمر كذلك، لعجّل الإعلام الغربي بالنسج على المنوال الإسرائيلي المعروف. ذلك أن الإسرائيليين دأبوا منذ عقود على القول بأن وجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ليس سببه النكبة، وإنما سببه تقاعس الحكومات العربية، خصوصا في الدول النفطية، عن إيوائهم ومنحهم حقوق المواطنة وأسباب العيش الكريم. والمقصود أن مأساوية الأوضاع الإنسانية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وسوريا ليست إحدى نتائج قسوة العدو الإسرائيلي وإنما هي نتيجة مباشرة لقسوة الشقيق العربي.
إلا أن صورة الطفل السوري الغريق قد خلّفت صدمة بالغة لدى الرأي العام والإعلام في كامل أوروبا الغربية، وجعلت الأسئلة المنسية تفرض نفسها حتى على فاقدي الذاكرة. أسئلة من قبيل: أليس لهذه الصورة التي هزت ضمير العالم أن تحرك في نفس الطاغية السوري، حارق بلاده قاتل أولاده، ساكنا؟ هل يعقل أن دول الخليج العربية لم تؤو حتى الآن ولو لاجئا سوريا واحدا؟ لماذا لا تستجيب الحكومات الخليجية للحملات التي أخذ مواطنوها يطلقونها منذ نهاية الشهر الماضي على «تويتر» لحثها على نجدتهم؟ أليس من المعيب أن ينتظر العرب من الأوروبيين أن يذكّروهم بواجباتهم نحو بني جلدتهم؟
أما على المستوى السياسي فإن الواضح أن هذه الصورة، التي التقطتها صحافية تركية وانتشرت على صدر معظم الصحف الأوروبية وعلى ما لا يحصى من مواقع الانترنت، قد أحدثت فارقا حاسما على صعيد تغيير مواقف الحكومات الأوروبية من أزمة اللاجئين تغيّرا قد تكون وزيرة التعليم الفرنسية نجاة فالود-بلقاسم هي أفضل من حدد اتجاهه (على مستوى التعبير) عندما قالت إن مرأى الطفل الغريق «يتجاوز طاقتنا على التحمل، ولكن يجب علينا ألاّ نشيح عن الصورة بأنظارنا. بل ينبغي أن نرتقي جميعا إلى مستوى قيمنا فنكون بها جديرين».
ولأن السياسة ليست كلها مكرا وخداعا، فقد كان التأثر واضحا الخميس في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي في الإليزيه. كما كان مشرّفا، سياسيا وأخلاقيا، أن يتفق مع المستشارة الألمانية أولا، على وجوب تضامن جميع الدول الأوروبية مع اللاجئين بمنحهم حق الإقامة، وثانيا، على وجوب تضامن هذه الدول في ما بينها بتقاسم عبء إيواء اللاجئين حسب حصص تحددها معايير القوة الاقتصادية والسكانية والاتساع الجغرافي. أما «دكتاتور المجر»، كما ناداه رئيس المفوضية الأوروبية ذات مرة، فقد هوى به التاريخ، منذ الآن، إلى الدرك الأسفل الذي هو به «جدير»، درك المتحجرة قلوبهم إعراضا عن الألم الإنساني ولكن الفائضة دموعهم خوفا على «جذور أوروبا المسيحية».
مالك التريكي