هجمات بروكسيل و «البصمات» الأميركية والأوروبية والتركية

3

هوشنك اوسي – الحياة
في خريف 2012، نظّم «مركز السلام» في مدينة آنتويربن ببلجيكا ندوة شارك فيها عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، وأدارها الصحافي البلجيكي المعروف لوكاس دافوس. دعيت للمشاركة بصفتي كاتباً سورياً مختصّاً بالشؤون الكرديّة والتركيّة. صحيح أن العنوان العريض للندوة كان حول تحوّلات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلاّ أنني حاولت جرّ النقاش نحو سورية، والتركيز على ضرورة التدخّل العسكري المباشر وإطاحة نظام الأسد، مع ظهور التطرّف و «أخونة الثورة» وانزلاقها نحو العسكرة والاحتراب الأهلي. وذكرت أنه في حال أدارت أوروبا ظهرها، فالرابح الأكبر هو الحرب والدمار والتطرّف والإرهاب، ونيرانه ستطاول أوروبا. ودار سجال ساخن وقلتُ حرفيّاً: «في هذه اللحظة التي نحن فيها منهمكون في ترف النقاش، عشرات المدنيين يقتلون بنيران آلة التدمير التابعة لنظام الأسد».

في بداية الندوة، تركزت آراء المشاركين على ضرورة تجنيب أوروبا أهوال وتبعات حرب الشرق الأوسط، وأنه لا يمكنها التدخّل لأنه لا توجد ضمانات بألاّ يستلم الإسلاميون السلطة في سورية، ونصبح في مواجهة ليبيا أخرى. وكان ردّي: «تجاهلتم مظالم الشعب السوري طيلة اربعة عقود، ودعمتم نظام الأسد الأب والابن. وها أنتم تقررون الضلوع عبر الصمت والنأي بالنفس، ومنح نظام الأسد رخصة قتل جماعي». وتغيّرت مواقف المشاركين بمن فيهم مدير الجلسة، باستثناء البرلمانية الاشتراكية كاتلين فان بريمبت التي أيّدت الفيتو الروسي، وذكرت أن أوروبا شهدت حربين عالميتين، وليس من مصلحتها تعريض أمن وسلامة مواطنيها للخطر». صحيح أنها كانت وحيدة في موقفها، إلاّ أن الواقع أكّد لاحقاً تبنّي عموم أوروبا والإدارة الأميركيّة موقف تلك البرلمانيّة. وأتت اللحظة ليقطف الغرب ثمار هذه السياسة اللاخلاقيّة حيال مأساة الشعب السوري.

مناسبة الكلام الهجمات الإرهابيّة والوحشيّة في قلب أوروبا، وعاصمة اتحادها، بروكسيل. ولئن أعلن «داعش» مسؤوليته عن هذه الجريمة المروّعة، فالصحيح أيضاً أن «بصمات» سياسات إدارة أوباما الفاشلة، واضحة ودامغة عليها. فلو تدخّل الغرب والمجتمع الدولي، بالضد من الرغبة والقرار الروسيين، وتمت إطاحة نظام الأسد، منذ بداية الأزمة، لما أطلق النظام العنان لكل التكفيريين والإرهابيين، كي يعيثوا فساداً وإفساداً في سورية والعراق وأوروبا. ولو نشأ موقف حازم وصارم من الدعم التركي للتنظيمات التكفيريّة في سورية، لما انزلقت الحال إلى ما هي عليه أوروبا من قلق وذعر وارتفاع لموجة العنصريّة حيال الاجانب والمسلمين. فتركيا سهّلت مرور الإرهابيين وفي اتجاهين متعاكسين، لكن أوروبا كافأتها وخضعت لابتزازها ودفعت بلايين لها. على أن مجمل الإرهاب المستطير الذي يعصف بالمنطقة والعالم تتحمّل مسؤوليّته إدارة أوباما وتأرجح الموقف الأوروبي بين موقفي روسيا وأميركا.

وبسبب ما تمثّله بروكسيل من دلالة وهيبة أمنيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً (مقرّ حلف الناتو) بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن هذه الهجمات، يمكن مقارنتها بهجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، وليس بهجمات باريس. والسؤال هنا: هل ستدفع هذه المذبحة دول أوروبا وأميركا إلى مراجعة مواقفها من نظام الأسد وإيران، ونفض الأيدي نهائيّاً من الأسد بوصفه جذر وأساس ومنبع الإرهاب والتنظيمات الإرهابيّة، وهل سيظهر في أوروبا وأميركا موقف سياسي – عسكري قوي وجدّي منه، كالذي اتخذته إدارتا بوش الأب والابن بحق نظام صدّام حسين؟!. هل سنرى دعماً عسكريّاً وسياسيّاً مفتوحاً للقوة التي تقاتل تنظيم «داعش» على الأرض، وعدم الاكتراث بالتهديدات التركيّة ومعارضتها لهذا الدعم؟!.

Leave A Reply

Your email address will not be published.