العرب والأكراد: معاودة الخطأ

14

داود الشريان

يعيش الأكراد السوريون في مناطق الشمال الشرقي من سورية، ويشكلون غالبية السكان في محافظة الحسكة، فضلاً عن وجودهم في حلب ودمشق والرقة. وهم يمثلون قرابة 20 في المئة من مجموع السوريين، ولهم دور بارز في الثورة السورية، وقدموا تضحيات خلال السنوات الأربع الماضية. وكان خروجهم تعبيراً عن رفضهم الظلم الذي تعرضوا له تحت حكم نظام البعث. وعلى رغم ذلك، بقي الأكراد محل شك وريبة من بعض قوى المعارضة السورية، فضلاً عن النظام، الذي كان ولا يزال يتعامل مع الأكراد كأعداء و «خونة».

يتفق النظام ومعظم المعارضة على أن الأكراد يخططون للانفصال عن الدولة السورية وخلق كيان مستقل، ويعتبرون التعاون الأخير بين «التحالف» بقيادة واشنطن والوحدات الكردية، دليلاً جديداً على «تآمر» الأكراد، ويصورون المواجهات الأخيرة صراعاً كردياً – عربياً.

العرب يكررون الأخطاء مع الأكراد. خلال غزو الكويت جرى استخدام مأساة حلبجة لفضح جرائم صدام حسين، وقال أصحاب النيات الحسنة وقتها: أخيراً تنبه العرب الى تقصيرهم تجاه الإخوة الأكراد، ولكن سرعان ما تبخرت هذه الحملة بعد زوال دواعي استخدامها. الأكراد جزء من النسيج الوطني السوري، والقيادات الكردية تعتبر «الانفصال خطاً أحمر لا يمكن نقاشه، فضلاً عن القبول به».

واتهام الأكراد بالتآمر مع واشنطن يكذبه تاريخ الوعود الأميركية التي كانت سراباً في الماضي سرعان ما تبخر بعد انتهاء الحاجة الى دعم الأكراد، فالإدارة الأميركية ليست مستعدة لإغضاب تركيا من أجل الأكراد، ولن تخلق مواجهة مع إيران من أجلهم.

الأكراد لا صديق لهم في المنطقة، ولهذا يجب أن يعاود العرب موقفهم القديم، ويصبحوا حلفاء الأكراد وحاضنتهم. روسيا السابقة قدمتهم لقمة سائغة لشاه إيران عام 1945، وتركيا مارست معهم سياسة الأرض المحروقة، وإيران تنكرت لهم عام 1976 في صفقة مع نظام البعث في العراق. وفي نهاية تسعينات القرن الماضي تحالفت تركيا وإيران ضد الأكراد. أنقرة كانت تريد رأس «حزب العمال الكردستاني»، وإيران الراغبة بالتضييق على «مجاهدي خلق»، ضحّت بالأكراد من أجل هذا الهدف. لهذا، فإن تضخيم نشر خرائط «كردستان السورية» وأخبار انتهاكات إنسانية وأعمال تطهير عرقي ضد العرب وتصوير مقاومة الأكراد النظام السوري والدفاع عن أرضهم بالمؤامرة، ليس في مصلحة السوريين، والمطلوب أن تصبح الأزمة السورية مناسبة للتكفير عن ذنوب العرب بحق الأكراد، وفتح صفحة جديدة مع أحفاد صلاح الدين الأيوبي.

لا شك في أن مصلحة المعارضة السورية هي التعاون مع الأكراد، باعتبارهم جزءاً من النسيج الوطني السوري، والسعي الى خلق توازن بين حاجتها الى الدعم التركي وتحالفها مع الأحزاب الوطنية الكردية.

الأكيد أن تشويه سمعة الأكراد السوريين أو التضحية بدورهم من أجل الحصول على دعم الآخرين، تصرف غير سياسي في أحسن الأحوال، وخطأ قاتل في أسوئها.

 

 

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.