دور المثقف السوري في الثورة السورية
حواس عكيد
ملفات / فيما يخص المثقف الكردي وتعاطيه مع الشأن السياسي لابد لنا بداية التعريف بالمثقف نفسه من هو وماهي وظيفته، حيث أن هنالك تعريفات كثيرة عن مفهوم المثقف وقد عرف لينين المثقفين بأنهم “يعبرون عن تطور المصالح الطبقية والجماعات السياسية في المجتمع ككل”
بينما يعرفهم غرامشي “كل إنسان مثقف وإن لم تكن الثقافة مهنة له ذلك أن لكل إنسان رؤية معينة للعالم وخطا للسلوك الاجتماعي والأخلاقي ومستوى معيناً من المعرفة والإنتاج الفكري ” وهذا المفهوم ضمنياُ يشمل المفكرين والعلماء والكتاب والمبدعين ورجال الدين والأطباء والمهندسين والمحامين قبل العامة الذي أشار اليهم غرامشي، وعلى المثقف قبل كل شيء امتلاك رغبة إنارة الواقع عبر وعيه المكتسب في المحيط الاجتماعي وما اكتسبه من النظريات القيمية في العالم ككل، ويساهم قدر المستطاع في تغير مستوياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد لا يتماثل الانتساب الطبقي للمثقف مع الانتماء الإيديولوجي، هذا فيما يتعلق بالمثقف بوجهٍ عام من غير تحديد لانتمائه القومي او الديني او الطبقي. أما بخصوص المثقف الكردي فلا اعتقد بأن يكون مختلفاً عن المثقف التركي أو العربي أو الانكلوسكسوني أو الامريكاني إلا في طبيعة ما يطلب منه واقعه للقيام به والذي يتأتى كنتيجة طبيعية عن ظروف وبيئة معينة وواقع محدد، والمثقف الكردي مثله مثل غيره يعاني من ازدواجية الثقافة والفكر فمن جهة تراه خاضعا لثقافة القومية الحاكمة، ومن جهة أخرى انتماؤه الى الثقافة الكردية التي تحاول ان تخط لها طريقها الخاص في الظروف القاهرة التي كثيرا ما تحد من تقدمه للامام، وفي ظل المحاولات الدؤوبة لعرقلته من قبل ليس فقط السلطات الحاكمة وحدها فقط انما من قبل مثقفي تلك السلطة قبل غيره، والمثقثف الكردي يشكو بالاضافة الى شكواه من الانظمة الحاكمة ومضايقاتها له هو يشكو من الحركة السياسية الكردية التي لا تقدر على التمييز في كثير من الاحيان بين المثقف كمتنور للمجتمع الى صوفي حزبوي، مقلصة دوره التوعوي في اطار الحظيرة الايديولوجية لهذه الجهة او تلك، والمثقف الكردي مشتت لابعد حد اكثر من اقرانه من الامم الاخرى التي لا تعاني من اشكالية الهوية التي يحاول المثقف الكردي النضال لاجلها واجهاد نفسه لذلك الهدف بدلا من الاهتمام بنشاطه الفكري والتنويري بعيدا عن تلك الهموم التي تجاوزها المثقف المنتمي للملل الاخرى، وكذلك الامر يزداد تشتته وضياع جهوده بفضل الانشقاقات التي تضرب بجسم الحركة الكردية منذ عشرات السنين، وانشغاله بمسائل تنظيمية هو اصلا بغنى عنها، وهذا التشتيت لا شك يأتي بسبب الحالة الاضطهادية التي يعانيها الشعب الكردي وبسبب واقع الأحزاب السياسية الكردية المتسم بالشروخات والانشقاقات والتشرذم بالإضافة إلى العامل الذاتي المتمثل أساساً بالغياب النسبي للأساليب والطرق الديمقراطية في بناء وعمل الأحزاب الكردية، والبحث في اشكالية العلاقة بين المثقف والأحزاب الكردية يفضي إلى الحديث عن موضوع المثقف الكردي واشكاليته مع المؤسسة السياسية ككل، ومنها فقد انخرط العديد من المثقفين في الأحزاب الكردية ومارسوا دورهم الثقافي ضمن المؤسسة الحزبية واصطبغت ثقافتهم بلمسات السياسية فغاب التنوير الثقافي وخفت صوت المشروع الحضاري له بسبب انشغالاته المزدوجة والتي تمنعه غالب الاحيان من ايصال صوته الكامن بسبب المخاطر التي يستشعرها بفضل الواقع المعاش. ونظراً للظروف الاسنثنائية والأسباب الخاصة بالمجتمع الكردي فإن الكثير من مثقفي المجتمع الكردي عندما انخرطوا في صفوف أحزاب الحركة الكردية تحولوا إلى سياسيين يهتمون بالثقافة وليس الى مثقفين يوجهون دفة السياسة في المنحى الذي يرغبون، وصارت الثقافة تحصيل حاصل بالنسبة للكثير من المثقفين، وربما اعتبر الكثير منهم ان الثقافة شيء ثانوي يمكن في كثير من الأحيان الاستغناء عنه، فهذا التفكير لدى البعض من العاملين في الشأن السياسي وحتى قادة الحركة السياسية هو غير صحي ومضر لمستقبل الثقافة الكردية والشعب الكردي بوجه عام، والاعتقاد الخاطئ بلا جدوى الثقافة هو الذي قلل من تاثيرهم على الشارع وبالتالي الانخراط اكثر بالعمل السياسي باعتبار ان الحزب غدا بمثابة رافعة حتى لمن لا يمتلك اقل المؤهلات ليغدو نجم الساحات ومعروفا لدى العامة باعتباره صار يمثل جهة بعينها ناسياً بأن عليه التأثير على مختلف الجهات وليس التحول الى قائد حزبوي قد يقدر على العمل مثله اي كائن حزبوي ضئيل الفكر والمؤهلات طالما أن ثمة مؤسسة كاملة وراءه وتحاول دفعه للامام ليغدو نجماً سياسياً يحسده المثقفون المنزوون والمشغولون بقضايا المجتمع من غير ان يلتفت إليهم إلا قلة قليلة من المتابعين. وعلى كل حال قد نرى بين المثقفين من يحاول تصويب خطأ السياسي ضمن صفوف الحزب وينتقده بغية تفعيل العمل النضالي الكردي وتطوير الحركة الكردية التحررية وتأمين مطالب الشعب وإنهاض الأمة ولكن في المقابل يتم محاربته بشتى السبل من قبل السياسي ومن ثم يتم تهميشه ودفعه لمناطق فقدان الامل والتقهقر الفكري، أو بعد الخناق عليه يلجأ مضطراً الى ترك صفوف الحزب والعمل بشكل شخصي، وطبعاً من غير التفات احد الى الذي يقوم به في مختبره الفردي البعيد عن الاعلام والترويج الحزبي، طالما أنه فقط حتى الاطار الذي كان يقر بأهمية وجوده، وبالتالي فقدان تأثيره حتى على أقرب الناس اليه باعتبار ان القيمة في بلادنا ليس مرتبطة بالفكر وما يحتويه انما بالمكان الذي يتبوأه الفرد مهما ضئل شأنه أو تعاظم وهذا كله في زمن السلم، فكيف سيكون حال المثقف في ظل حالة الفوضى الحاصلة ضمن المشهد السوري الدموي، الذي من الصعب على المثقف ايجاد فصيل عسكري واحد ينصت اليه وليس مجتمع باكمله وخاصة في ظل الانتعاش الحاصل لدى التيارات والجماعات المتطرفة والشمولية، وليس من باب التشاؤم نقول ولكن المثقف الكردي لا شك مثله مثل المثقف السوري انتهى دوره بعد ان عمت الفوضى في ارجاء البلاد واحتكم الناس الى منطق القوة وليس قوة المنطق. مفهوم الهوية القومية تاريخيته تبايناته: لا شك بأن الكرد كقومية توحدها عوامل عدة مثل الجغرافيا والعرق والدين واللغة والموروث، ولكن في الوقت نفسه لا يخفى على أحد أن التاريخ مزقها والمصالح الدولية شتتها وكان تلاقي المصالح الدولية السبب المباشر والضربة القاصمة لنهوض الشعب الكردي، ولكن رغم ذلك لم يكف الكرد عن الحلم بما حلم به جيرانهم، وغدا الوجود الكردي مشكلة كبيرة تمس أمن واستقرار الدوَل التي يوجدون فيها بشكل رئيسي نتيجة عجز نظمها عن إيجاد آليات سياسية أو وسائل حضارية انسانية لاستيعاب الكرد ودمجهم بالود في مجتمعاتها الوطنية، لذا تحولت تلك المشكلة التي لم يبت بها وظلت تؤجل إلى أزمة حقيقية ظلت تعانيها تلك الدول منذ استقلالها إلى تاريخ اليوم. وكما أسست شعوب المنطقة دولها على أسس قومية، كانت آمال الكرد كبيرة بدولتهم الموحدة المستقلة بعد إعلان مبادئ ولسون ومعاهدة سيفر لكن كل ذلك لم يكن لم يتم بسبب عدم توافق الدول الكبرى على ذلك بل انهم توافقوا على ابقاء الكرد موزعين بين خمس دول كرمى تحقيق مصالحهم الاستعمارية، ومعروف أن في نهاية الحرب العالمية الأولى شكلت اللبنات الاولى لنمو الشعور الكردي المطالب بالحقوق القومية اسوة بباقي الامم، إذ أخذت آمال الكرد في بناء دولتهم الموحدة في كردستان تتصاعد إثر إعلان الرئيس الأميركي ودرو ولسون عام 1918 لمبادئه الأربعة عشر حول تقرير المصير لأبناء الأقليات الموجودة في الدولة العثمانية (الكرد، الأرمن، الأشوريون)، وقد جاءت معاهدة سيفر 1920 لتؤكد دور الحلفاء في ضمان حق الكرد بالتمتع بالحكم الذاتي تمهيدا لإقامة دولتهم المستقلة بعد سنة واحدة من إبلاغهم عصبة الأمم المتحدة برغبتهم تلك، إلا أن الواضح من سياق الأحداث التي مرت بها القضية الكردية فيما بعد أن تلك الاتفاقات والمبادئ كانت مجرد شعارات على الاقل بالنسبة للكرد الذين تقاربت مصالح الدول الاستعمارية لابقائهم مشتتين بين عدة دول، وهو ما أثبت لدى القاصي والداني أن لغة المصالح تعلو على الثوابت القيمية والأخلاقية، وأن أي تعارض بينهما قد يحسم الامر مباشرة لحساب مصالح القوى المهيمنة حتى وإن دفعت الشعوب المستضعفة ثمن ذلك باهظاً، وهو بالضبط ما حصل مع الشعب الكردي وغيره من شعوب المنطقة، إذ ضربت تلك الدول المهيمنة مبادئ ولسون حول تقرير المصير بعرض الحائط واستبدلته بحق الشعوب المستعمرة في إخضاع الشعوب المستعمرة لهيمنتها ونفوذها وفق نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم عام 1918، ومن خلال ذلك تمكنت تركيا من التفاهم مع بريطانيا وفرنسا على استبدال معاهدة سيفر 1920 بمعاهدة لوزان 1923 التي لم تأتي على أي ذكر شيء مفيد يخص الكرد وحقوقهم القومية، وهكذا كانت نتائج الحرب العالمية الأولى كارثية لحقوق الكرد وتطلعاتهم القومية، إذ وجد هذا الشعب نفسه مرميا بين دول حديثة وحدود مصطنعة، وواقع مرير حتم عليهم الاندماج ألقسري والانصهار بمشاريع وطنية مستحدثة سعت منذ البدء إلى قضم تطلعاتهم السياسية ووأد أي نزوع لبلورة هويتهم القومية عبر أساليب الإقصاء والإلغاء ومصادرة الحقوق والحريات والدمج الإجباري في إطار مجتمعات لم يألفوا العيش معها في ظل كيان سياسي واحد. فبالنسبة للكرد في تركيا فقد قامت الكمالية بخطط شوفينية شاملة لمحو الهوية الكردية وثوابتها من كل النواحي مثل اللغة والعادات والرموز الثقافية ، مثلما ورد في المادة ( 88 ) من الدستور التركي التي أقرت بأن جميع سكان تركيا هم أتراك أيا كانت ديانتهم أو قوميتهم، وفي سوريا تم تطبيق مشروع الحزام العربي وتجريد آلاف الناس من هوياتهم، وسلب الاراضي من سكان عدة قرى في الحسكة واعطائها لمواطنين عرب تم استقدامهم من محافظة الرقة، وفي العراق لم يكن الوضع أفضل بل قام النظام العراقي بابادة عشرات القرى مع ناسها حتى الوقت القريب، وكانت آخر محاوله للبعث المقنعين باسم الدواعش هو محاولة ابادة الايزيديين الكرد عن الخارطة الوجودية، علماً ان كل تلك المحاولات لم تثني الكرد عن المطالبة بحقوقه القومية ولم تقضي على الشعور القومي لدى الكرد بالرغم من ان هنالك مئات الألاف من الكرد تم تتريكهك او تعريبهم وطمس معالمهم عبر التاريخ، إلا أن الباقي منهم قاوم وبقوة كل تلك المحاولات العنصرية التي استهدفت تاريخه وثقافته ووجوده، بل وقام الكرد بعدة ثورات تعبيراً عن رفضهم للواقع القائم، ونشبت عدة ثورات كردية في تركيا منها ثورة الشيخ الشيخ سعيد 1925 الذي وقف بقوة ضد المشاريع الاتاتوركية، وفي العراق نجح الشيخ محمود الحفيد عام 1923في تجميع القبائل الكردية في السليمانية وإعلان الاستقلال عن جسد الدولة العراقية رافضا الدخول في المشروع البريطاني الخاص بإنشاء دولة عربية تفقد الكرد تميزهم القومي، وفي شمال غرب إيران استطاع إسماعيل أغا سيمكو أن يفرض سيطرته وينصب نفسه حاكما على كل كردستان إيران غرب بحيرة أرومية عام 1921، ورغم فشل تلك الثورات فإنها أقرت حقيقة أن الهوية الكردية من الصعب ان تحل بالانصهار والتذويب كما سعت الى ذلك الدول المغتصبة لكردستان، علماً أن فشل تلك الثورات بسبب العقليات القبلية والصراعات الداخليى بين الكرد أنفسهم، لعبت دورا مؤثرا في بقاء المجتمع الكردي مفككا عبر التاريخ ومحروما من أن يكون ذا كيان سياسي معترف به بين الامم، وتلك الاسباب الداخلية اضافة الى العوامل الخارجية كانت السبب في منع قيام كيان كردي موحد، وبفشل تلك الثورات أحكمت تلك الدول قبضتها على المناطق الكردية ومارست السياسات القمعية بحقهم، سواء في تركيا حيث أزيلت كلمة كرد من القواميس أو في إيران حيث مارس الشاه رضا وابنه محمد رضا بهلوي سياسة قمع شديدة للكرد تضمنت القضاء على نواة أول دويلة كردية أسسها الكرد بمساعدة السوفيات في مهاباد عام 1946 بقيادة القاضي محمد، ثم بعدها جاءت ثورة الخميني التي لم تكن أفضل حالاً من زمن الشاه، وفي العراق استطاعت الحكومة العراقية الملكية وبالتعاون مع القوات البريطانية والقبائل الكردية الموالية القضاء على ثورة الشيخ محمود الحفيد ومن بعده، وفي هذا المجال لا يمكن نسيان الثورات المتلاحقة للبرزانيين من الجد الى الابن، وهنا لا يغيبن عن بال أحد حرب الخليج الثانية عام 1991 شكلت منعطفا حاسما في مسار الحركة الكردية في العراق، في تصاعد طموحات الكرد لتحقيق مشروعهم القومي ولكن بصيغة فدرالية تعد أكثر تقدما من الناحية السياسية والدستورية من صيغة الحكم الذاتي التي كانوا يطالبون بها من قبل، وساعد نجاح الأحزاب الكردية في ملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب مؤسسات البعث من الشمال بإنشاء إدارة محلية وبرلمان وحكومة في تعزيز ثقة الكرد بنفسهم وقدرتهم على إدارة دولة. ولا يخفى على المتابع أن السنوات التي عاشها الكرد في إقليم كردستان ساعدت في تعميق الشعور الكردي أكثر من ذي قبل باعتبار أن التجربة نجحت بخلاف كل الثورات التي كانت تبوء بالفشل في الأجزاء الاخرى من كردستان، لذا فقد نشأت أجيال كردية جديدة بعيدة عن التبعية والدونية وتأثيرات المركز وكان لذلك انعكاساته النفسية على سلوكيات المواطن ككل وساعد في تعزيز ثقتهم بالذات القومية، كما تأسس فهم جديد لمستقبل العلاقة المقبلة مع الآخر، كما وساعد التحالف الأميركي الكردي في زيادة اقتناع جماهير واسعة من الشعب الكردي بأن الحماية الأميركية لإقليم كردستان خلال مرحلة التسعينيات والعلاقة المتميزة التي ربطت الفصائل الكردية بالولايات المتحدة، ستكون خير عون لهم لتحقيق مطالبهم المتعلقة بحق تقرير المصير وبالشكل الذي يرغبون به، لا سيما فيما يتعلق بالفدرالية التي أقرها إقليم كردستان عام 1992 كصيغة قانونية تربط علاقة الإقليم بالحكومة المركزية في بغداد، وعلى نحو يؤسس مطالب الكرد بالفدرالية على أسس واقعية، دون أن يخفي القادة الكرد أن مطلب الفدرالية الذي ثبته الكرد في واقعهم السياسي المعاصر إنما يمثل مرحلة أولية في طريق الحصول على تقرير المصير وإقامة دولة كردية في المراحل المقبلة، وهذا الوضع ساعد في نهوض الشعور القومي حتى لدى الكرد في باقي الاجزاء من كردستان، وكانت بمثابة الامل القومي الابرز للكرد بوجهٍ عام في العصر الحديث. مفهوم حركة التحرر وأدوات الصراع بأنساقها الفكري السياسي: ليس بخاف على أحد أن القضية الكردية تعتبر من اكثر القضايا السياسية تعقيداً في الشرق الاوسط وذلك بسبب التداخلات التاريخية و الجغرافية والثقافية، وكذلك بسبب تقسيم بلاد الكرد بين عدة دول لكل منها مصالحها و سياساتنها التي تتقاطع مع سياسات الدول العظمى، المحزن في هذه القضية هي نظرة المواطن العربي وجهله بحقائق علمية عن تاريخ وجود الكرد كشعب يملك كل مقومات الامة في الوقت الذي كان من المفروض على العرب أن يكونوا الاقرب الى فهم وضع الكرد والحاضن لقضيته بما أنه من اقرب الشعوب للاكراد و أنا هنا ليس المقصود بالعروبة بمفهومها السياسي بل حتى بمفهومها الاجتماعي العام، وبنا ان القضية الكردية في سورية كما تشير الوقائع والمعطيات اصبحت محل اهتمام اقليمي و دولي في ظل المعرفة الضيئلة جداً من قبل أقرب الناس اليه او معارفه المشوه عن هذه القضية لذا سنسلط الضوء على هذه الملة القريبة البعيدة، القريبة من العربي جغرافياً ولكنها بعيدة عنه معرفياً. الكرد في سوريا: الوجود الكوردي في سوريا حقيقة تاريخية لا يمكن الشك بها ولا بامكان خريجي مدرسة عفلق إنكارها وفق رغباتهم القومية، وبهذا الصدد تؤكد معظم الدراسات التاريخية وخاصة الاجنبية منها باعتبار أن ابن المنطقة من الصعب عليه ان يكون منصفا مع جيران له معهم خلافات تاريخية، لذا يبقى الاعتماد على المستشرقين أفضل بكثير من كتاب ومؤرخي الشرق، وطبعاً لا تخلو المنطقة من بعض المنصفين من كتبة التاريخ ولكنهم قلائل جدا جداً، لذا وبناء على معظم تلك الدراسات فالجزء الكوردي من سوريا هو الجزء الغربي من كوردستان فيما يسميه الكورد بالجزء الملحق بالدولة السورية، الجزء الذي الحق به قانونيا بعد اتفاقية سايكس بيكو 1917 بين فرنسا وبريطانيا، كما أن المصادر ذاتها تشير بأنها كانت امتداد للتقسيم الاول لموطن الكورد ” كوردستان ” الذي جرى في معركة جالديران في 23 أب 1514 بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم ياوزالأول و الدولة الصفوية بقيادة إسماعيل الأول، حيث تم حينها تثبيت ذلك التقسيم نهائيا بموجب معاهدة قصر شيرين التي أبرمت بين الإمبراطوريتين سنة 1639م. وبناءً عليه فالشعب الكوردي ليس مستوراً أو غازيا أو محتلاً كما هو الحال لدى بعض أقوام المنطقة، إنما يعيش على أرضه التاريخية منذ الألاف السنين ورغم كل الويلات والمجازر والحروب عليه استطاع الحفاظ على هويته القومية والاحتفاظ بلغته وثقافته وعاداته وتقاليده. وفيما يتعلق بتوزيعهم الجغرافي فالكرد يقطنون في الشمال والشمال الشرقي، حيث يجاورون الأكراد في تركيا في الجزيرة محافظة (الحسكة) وبالنسبة للجزيرة فهم ينتشرون في مناطق القامشلي و ديريك وسري كانيه وعامودا والدرباسية وفي منطقتَي كوباني وعفرين في محافظة حلب، وكذلك في الشريط المحاذي للحدود التركية من محافظات أدلب واللاذقية، كما ينتشرون في تجمعات صغيرة في مناطق من محافظات مثل حماه ودمشق وحولها وفي هضبة الجولان، وفي بعض قرى وادي النصارة حول قلعة الحصن.يبلغ عدد الكورد في سورية حسب الاحصائيات غير الرسمية ما بين 3 و 3,5 مليون ما يشكل من 12-14 % من نسبة السكان في سورية. الحركة الكردية في سوريا: تبلورت الحركة الكردية في سوريا كظاهرة طبيعية مثلها مثلما هو الحال لدى كل الشعوب التائقة للحرية والعدالة، وبناءً على حتمية التطور التاريخي للمجموعات البشرية والاثنيات تطورت وتبلورت الحركة الكردية مثلها مثل باقي حركات التحرر في المنطقة، وربما نتيجة لسياسات الصهر القومي وخاصة في بدايات النصف الاخير من القرن الماضي التي مارستها الانظمة الشوفينية في سورية بحق الشعب الكوردي كان لا بد لهم من حاضنة ومن أداة تحميهم و تمثلهم و تحافظ عليهم من الانصهار المتعمد من قبل النظم التي حكمت البلد، لذا بادر مجموعة من المثقفين والسياسيين الكورد في 14 حزيران عام 1957 يتقدمهم السياسي والمثقف محمد علي خوجة الذي استشهد في السجون ا السورية عام 1965 وهو يعتبر اول شهيد كوردي سوري في التاريخ الكوردي الحديث وحميد درويش وعثمان صبريو رشيد حمو و شوكت نعسان و حمزة نويران لتأسيس أول حزب كوردي في سورية سمي آنذاك بـ : الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، كان ذلك في منزل السيد محمد علي خوجة في حي كرم الجبل بمدينة حلب، وما لبث أن اعتقلت قيادة الحزب في بداية الستينات وأودعت السجن و في عام 1965 ونتيجة لسخونة الاحداث و نضال حركة التحرر القومي آنذاك في كوردستان العراق والثورة الكوردية التي كانت مشتعلة هناك بقيادة الملا مصطفى البارزاني ارتبط معظم الكورد وفي مقدمتهم الحزب الفتي بهذه الاحداث وبقيادة مصطفى البارزاني حيث كانت هناك علاقات وثيقة تربط القيادتين مما اضطر القائد الكوردي ملا مصطفى البارزاني للتدخل و تصليح الشق الذي حصل في أول حزب كوردي سورية وطلب من قيادة الطرفين السفر إلى جبال كوردستان حيث كان هناك، إلا أنه و للأسف الشديد حصل ما هو غير متوقع و مازال موضع تساؤل و بحث عن أن الطرفين عادوا إلى سورية بزيادة طرف ثالث ليصبح ثلاثة أحزاب بدلاً من واحد و قد سمي الوليد الجديد بـ ” المَرّحليين ” و هو الطرف الذي تبين بعد ذلك أنه الاقرب للبارزانيين و ابتعاد الاخرين عنه و ليستمر بعد ذلك مسلسل الانشقاقات والولادات القيصرية للأحزاب الكوردية لتبلغ الآن أكثر من 15 حزباً كوردياً يضاف إليه بعض المجموعات الشبابية التي ظهرت في عهد الثورة السورية وسرعان ما انطفأت منها و بقي الاخرى غير فاعلة. أما بالنسبة للأحزاب فكانت دائماً موضع تجاذبات و تناقضات و خلافات فيما بينها إلا أن الثورة السورية التي بدأت شراراتها الاولى في الخامس عشر من شهر آذار عام 2011 أجبرت على ما يبدو هذه الاحزاب إلى التفكير بعمق أكثر للانخراط في الثورة السورية ولكن الغموض الذي يكتنف نتائجه سيما وأن القراءات التي رافقت الثورة أشارت إلى التعقيد في الوضع السوري العام، وخاصة بعد المد الديني الذي غزا اغلب الميادين، والضعف الملحوظ في قيادة الثورة وفوقها الموقف السلبي لمعظم المعارضة من قضية الشعب الكوردي جعلت من الاحزاب الكوردية أن تلتم في إطار كوردي واحد يضم معظم الاحزاب الكوردية في سورية، و رغم ذلك إلا أن الخلافات الحزبية والسياسية في الحركة السياسية الكوردية والموقف من الثورة والتناقض الايديولوجي دفعتهم لتشكيل إطارين وليس إطاراً واحداً كما كان من المفروض ان يحصل، لقد اتخذ الاطارين السياسيين موقفاً يكاد يكون واحداً من الثورة السورية يتضمن ضرورة الحفاظ على سلمية الثورة لإسقاط النظام السوري والاعتماد على الشعب السوري في ذلك بخلاف ظهور مواقف من حزب أو حزبين و من بعض التنسقيات توحي إلى ضرورة عسكرة الثورة والانخراط في صفوف الجيش الحر، و قد شارك المجلس الوطني الكردي بقوة في المظاهرات التي نادت بإسقاط النظام السوري، ولكن سرعان ما تحول الطرف الكردي الآخر الى نقيض للاول وراح يعيق أنشطته بعدما تسلح حزب الاتحاد الديمقراطي، وغدا يدير بمفرده وبقوة العسكر المناطق الكردية عوضا عن قوات النظام. المكونات السياسية في المجتمع الكردي في سوريا أولاًـ المجلس الوطني الكردي والأحزاب المنضوية فيه: يتألف المجلس الوطني الكردي من عدة أحزاب ومنظمات تزيد عن 16 جهة ما بين حزب وحركة ومنظمة، والمؤتمر الوطني الكردي الأول انعقد في مدينة القامشلي في السادس والعشرين من تشرين أول 2011، بدعوة من أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية، وحضور أكثر من 250 مندوب، شمل مناضلين أوائل في الحركة الكردية، وشخصيات وطنية مستقلة، وممثلين عن المجموعات الشبابية، وكذلك ممثلي الأحزاب المشاركة، ونشطاء يمثلون لجان حقوق الإنسان، وفعاليات اجتماعية وثقافية وإعلامية..، وذلك تحت الشعارات التالية : من أجل تحقيق أهداف الثورة السلمية للشعب السوري في الحرية والكرامة ، نحو دولة ديمقراطية برلمانية تعددية تضمن الحقوق القومية للشعب الكردي، الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كمكون رئيسي في البلاد ، لا للتمييز القومي والديني والطائفي، نعم لدولة وطنية علمانية وديمقراطية لكل السوريين، لا للقمع والاستبداد والحرية لجميع معتقلي الرأي في سورية . وكان من اهم توجهات ومقررات المؤتمر الأول : في المجال الوطني: أكد المؤتمر أن ما تشهده الساحة السورية من أزمة وطنية متفاقمة يتحمل النظام مسؤوليتها، فمنذ وصول نظام البعث إلى السلطة من خلال انقلابه العسكري عام 1963، مارس القمع والتنكيل ومصادرة الحريات العامة والخاصة، وأخفق في تحقيق التنمية والتطوير الاقتصادي، حيث تزايد مستوى الفقر والبطالة واستشرى الفساد .. ورغم مطالبات الشعب للسلطة طيلة عقود من الزمن بضرورة تحقيق إصلاحات ديمقراطية، إلا أنها كانت تمعن في قمعها وبطشها بحق كل صوت مناد بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وحتى المطالبين بتحسين الأحوال المعيشية. كما أكد المؤتمر أن إنهاء الأزمة في البلاد يمر من خلال تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية، وتفكيك الدولة الأمنية وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية، وعلى أساس اللامركزية السياسية، بعيداً عن العنصرية، دولة المؤسسات والقانون تحقق المساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين، وتحول دون عودة أي شكل من أشكال الاستبداد والشمولية . وكلف المؤتمر الهيئة التنفيذية المنبثقة عنه السعي لتوحيد صفوف المعارضة الوطنية السورية، كون هذا التوحيد يشكل عاملا هاماً في ترجيح موازين القوى لصالح الثورة السلمية للشعب السوري وتحقيق مطالبه المشروعة. وطالب المؤتمر بضرورة سحب قوات الجيش والأمن من المدن وإعادتها إلى ثكناتها وعدم زجها في مواجهة التظاهرات السلمية . في المجال الكردي السوري: رأى المؤتمر أن الشعب الكردي في سورية هو شعب أصيل، يعيش على أرضه التاريخية، ويشكل جزءا أساسيا من النسيج المجتمعي والوطني والتاريخي لسورية، وهذا يتطلب الإقرار الدستوري بوجوده كمكون رئيسي من مكونات الشعب السوري، وثاني أكبر قومية فيه، وإيجاد حل ديمقراطي عادل لقضيته القومية بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد، كما رأى المؤتمر أن حل القضية الكردية يعتبر مدخلا حقيقيا للديمقراطية وامتحانا لقوى المعارضة السورية، التي تسعى لتحقيق غد أفضل لسورية على قاعدة أن سورية لكل السوريين . تبنى المؤتمر الحراك الشبابي الكردي كجزء من الثورة السورية السلمية، مشيدا بدوره المساهم في إعلاء شأن الكرد وتعميق وطنية القضية الكردية، كما أكد المؤتمر على توفير ضمانات حرية المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية واحترامها وحمايتها دستوريا، و ضرورة تأمين الحقوق القومية للسريان كلدو آشور والأقليات الأخرى. وبخصوص الموقف من موضوع الحوار مع السلطة فقد رأى المؤتمر – كونه جزءا من المعارضة الوطنية السورية – ضرورة عدم القيام بإجراء أي حوار مع السلطة بشكل منفرد ، هذا وخول المؤتمر الهيئة التنفيذية المنبثقة عنه بالحوار مع أطر المعارضة الوطنية، ومن ثم التنسيق والتعاون مع الأكثر استجابة لقرارات وتوجهات المؤتمر، وتعليق عضوية أحزاب الحركة في الأطر الأخرى . وفي صبيحة يوم الخميس 27/10/2011 أنهى المؤتمر أعماله بنجاح، حيث أجمع الحضور على أن انعقاد هكذا مؤتمر وطني وبهذا الحجم من الغنى والتنوع والمسؤولية، وبتنظيمه الحضاري، يعد هو الأول من نوعه في تاريخ كرد سورية، حيث اختتم بانبثاق هيئة تنفيذية من ممثلي أحزاب الحركة الوطنية الكردية وفعاليات وطنية اجتماعية، ثقافية وشبابية وحقوقية ونسائية، مستقلة .. تترتب على عاتقها مسؤولية متابعة العمل بجد وإخلاص، ويدا بيد لما فيه خير هذا الشعب والوطن . بينما انعقد المؤتمر الثاني للمجلس الوطني الكردي السوري في يومي 10-11/2013 في مدينة قامشلو ، بحضور /211/ مندوباً يمثلون كافة أطياف المجتمع الكردي من أحزاب و مستقلين و نساء و شباب الحراك الثوري، حسب النسب: الأحزاب 45%, المستقلين 30% , الشباب 15% , المرأة 10%. ، وقد افتتح المؤتمر المرحوم الأستاذ عزيز داوود أكبر الأعضاء سناً، ونوقش في المؤتمر تقرير نشاط المجلس و البرنامج السياسي المرحلي و الهيكلية التنظيمية للمجلس و جرى تقييم لاتفاقية هولير الموقعة بين المجلس الوطني الكردي و مجلس شعب غربي كردستان. وقد خرج المؤتمرون وقتها بعدة مقررات منها ما يتعلق بالجانب السياسي، وإطار العلاقة مع المعارضة الوطنية السورية، وكذلك تم التأكيد على أهمية اتفاقية هولير. 1 ـ الجانب السياسي: أقر المؤتمر بأن أرقى أشكال نظام الحكم في سوريا يتمثل في الدولة الاتحادية الديمقراطية متعددة القوميات و الأديان و الطوائف بنظام نيابي يلتزم المواثيق الدولية و مبادئ حقوق الإنسان و تقر دستوريا بوجود الشعب الكردي و حقوقه القومية المشروعة بصفته شريكا أساسيا وحل قضيته القومية وفق العهود و المواثيق الدولية و اعتبار المناطق الكردية وحدة قومية متكاملة بما ينسجم مع الدستور المستقبلي للبلاد و الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية في البلاد. 2 ـ العلاقة مع المعارضة الوطنية السورية: أكد المؤتمر على ضرورة العمل معها من اجل إسقاط النظام الاستبدادي القمعي الدموي بكافة رموزه و مرتكزاته الأمنية و الإيديولوجية و إيجاد البديل الديمقراطي و كذلك أهمية العمل على الحل السياسي في البلاد و ضرورة الانتقال إلى دولة الحق و القانون عبر مرحلة انتقالية واضحة المعالم و نبذ و إدانة كافة أشكال الصراعات الطائفية و المذهبية. 3 ـ اتفاقية هولير(أربيل): حيث أكد المؤتمر على أهمية اتفاقية هولير(أربيل) باقليم كردستان العراق لصيانة وحدة الصف الكردي في سياق الثورة السورية و ضرورة تنفيذ بنودها و تفعيل عمل لجانها في فترة زمنية قصيرة و ضرورة تعديل بعض البنود التي من شأنها المساهمة في تسريع العمل و توسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار و المحافظة على خصوصية كل مجلس بحيث لا يتعارض مع الهدف المشترك، وقد تم في المؤتمر الثاني انتخاب مجلس وطني كردي: قوامه /75/ عضواً من بين أعضاء المؤتمر، أما بنهاية أعمال المؤتمر الثالث للمجلس الوطني الكردي المنعقد في القامشلو/ مساء يوم الثلاثاء16/6/2015 تم انتخاب ممثلي مكونات المجلس من مستقلين وحركات شبابية والمنظمات النسائية . ثانياًـ مجلس غربي كردستان يتألف من : حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم هو الحزب الذي يتحكم ويحكم مناطق الادارة الذاتية في كل من الجزيرة وعفرين وكوباني ويقود مناطق الادارة الذاتية كما كان حزب البعث يقود الدولة والمجتمع، وحاله كحال الكركوزات في الجبهة الوطنية التقدمية التي يعتمد عليها النظام للإيهام بأن هنالك احزاب اخرى تشاركه في حكم سوريا، ومن تلك الأحزاب الصغيرة التي تشاركه في إدارة مقاطعة الجزيرة: كما أن في إدارة كانتون الجزيرة بالاضافة الى مكونات المنطقة من السريان والعشائر العربية هنالك حزب كردي أيضاً ألا وهو: الحزب اليسار الديمقراطي الكردي/ صالح كدو، ولا يخفى على احد أن حزب صالح مسلم استفاد من ارث وثقافة وتجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في الحكم، وذلك من خلال الاكثار من المنظمات والهيئات التابعة لحزبه ومجملها تدور في فلكه، حيث أن كل القرارات والأوامر والنواهي هي بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، وما الأحزاب الأخرى سوى نجوم صغيرة تدور في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم. الديمقراطية و ركائزها في الشارع الشعبي والسياسي الكردي مقدمة جغرافية: يقطن الكرد في الشرق الأوسط من آسيا الغربية، في البقعة التي يطلق عليها اسم كردستان منذ القرن الثاني عشر، وهي موطنهم التاريخي حيث لم يأتي الكرد من ما مناطق اخرى من العالم كما حصل مع بعض شعوب المنطقة، حيث تطور الكرد بالتفاعل مع طبيعتهم الجبلية الصعبة التي فرضت أنماطا قبلية وساعدتهم على الاحتفاظ بهويتهم لكنها عزلتهم إلى حد كبير عن المدنية بسبب الطبيعة الجغرافية الوعرة لبلادهم، والطبيعة التي ميزت موطنهم وهي تتوزع على مناطق جبلية، وسهول، وأودية، أوجد سمات أيكولوجية خاصة في بهم، كما أن تنوع الشعوب والثقافات التي قطنت هذه المنطقة إلى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية، وعربية وأرمنية وتركمانية وآشورية وكلدانية، أدى إلى تكوين مجتمع تنوعي، وهذا التنوع في حد ذاته قد يكون مصدر ثراء ثقافي للمجتمع، ولكنه كان في بعض الاحيان مصدراً للتوتر، ففي المجتمع الكردي ظهرت ديانات ومذاهب عديدة، منها الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) كما وظهرت مذاهب أخرى غير إسلامية كاليزدية والكاكائية والعلية وغيرها، مما شكل لوحة فسيفسائية ثرية، ومن ناحية العادات والتقاليد، فهي حصيلة التطور التاريخي والحضاري للأفراد والخلايا او الوحدات الاجتماعية في البيئة الكردية، وقد استقرت تلك العادات منذ الأزمنة القديمة وحتى الآن، مع بعض الاختلافات المتعلقة الجغرافية الكردية والبيئة بشكل عام. ملامح الديمقراطية والانفتاح على الآخر في المجتمع الكردي: بالرغم من وجود القيم الدينية السلفية في كردستان فإن الشباب الكردي بات يتبنى بشكل متزايد قيم الانفتاح على الغرب بل ومنهم من يفضل التحدث بالإنجليزية هذا بالنسبة لاقليم كردستان العراق، حيث تتصارع في المجتمع الكردي المعاصر تيارات عديدة تميل باتجاه السلفية من ناحية والمستقبلية وخاصة عند الجيل الصاعد من الشباب الكردي الرافض للماضي والتقاليد، ويتجلى هذا الصراع في الحياة اليومية، والحركات السياسية، والاتجاهات الفكرية ومختلف النشاطات الإنسانية، أما بالنسبة للكرد السوريين فالدين شبه منفصل عن الاراء والقناعات السياسية للافراد، وليس للدين تلك السطوة على المجتمع الكردي مقارنة بالبيئات المحلية الاخرى، لان القيم الاجتماعية لدى الكرد السوريين تاثيرها اكثر من القيم الدينية، بالرغم من ان غالبية الكرد مسلمون، وأكثرهم من أهل السنة والجماعة، وقبل دخولهم الإسلام في القرن السابع الميلادي كان الكرد يعتنقون الديانة الزرداشتية تلك الديانة التي لم تتنتشر إلا بين الأقوام الارية، ولقد تحول الكرد عام (20) للهجرة من الديانة الزرداشتية إلى الإسلام من دون أن يمروا بالمسيحية، حيث الزرداشتية هي الديانة المشتركة التي ينتمي إليها جميع الكرد، ومن ناحية المذاهب فينتمي غالبية الكرد إلى المذهب الشافعي، وقد أختاروا هذا المذهب، لتأكيد اختلافهم عن الأتراك الذين اختاروا المذهب الحنفي، ويعزى الباحثون انتماءهم لهذا المذهب إلى خضوع كردستان المبكر للحكام السُنة، وكذلك نشاط علماء الدين الكرد الذين درسوا العلوم الدينية في المدرسة النظامية ببغداد أثناء الخلافة العباسية التي كانت تتبنى المذهب الشافعي، كما تنتشر بين الكرد الطرق الصوفية التي تختلف عن بعضها اختلافاً بسيطاً، وأكثر الطرق شيوعاً هي الطريقة القادرية، والطريقة النقشبندية، وقد لعب رجل الدين الذي يدعى (ملا) في كردستان دوراً بارزاً وإيجابياً في الحركة الوطنية التحريرية الكردية من حيث الولاء والانخراط فيها، وفضلاً عن الدين الإسلامي يتواجد بين الكرد اتباع لأديان ومذاهب اخرى، كالمسيحية، واليزدية، والعلي اللاهيين، والعلويين، وأهل الحق، والكاكائية، أما بالنسبة الى اليهود الذين كانوا منتشرين في كردستان العراق فقد هاجروا إلى إسرائيل بداية عام 1948. ومن ناحية حرية المرأة فالكرد هم أكثر شعوب المنطقة تسامحا تجاه المرأة ويعطونها مكانة كبيرة ويقبلون بزعامتها، وما يتعلق بالدور المتقدم للمرأة في المجتمع الكردي، يؤكد (مينورسكي) بأن الكرد هم أكثر تسامحاً من جميع الشعوب الإسلامية الأخرى المجاورة تجاه المرأة، ويعني مينورسكي بالتسامح هنا حرية التعبير والرأي وإعطاء المرأة مكانتها التي تستحقها، وبذلك فالكرد أكثر تقبلاً لحرية المرأة ومكانتها قياساً بالأقوام الإسلامية (الترك والفرس والعرب)، ولعل هذا الاهتمام النسبي بالمرأة الكردية من قبل الرجل الكردي وثقته العالية بها، لها أسباب أو عوامل تاريخية ودينية طويلة. وفيما يخص السياسة ودور المرأة فيؤكد الرحالة والمستشرقون الى وجود زعامة للمرأة الكردية على رأس القرية والقبيلة، وهذه الظاهرة مع قلة انتشارها، تؤكد بأن المجتمع الكردي يتقبل زعامة المرأة عبر التاريخ ولم يكن يعاني من عقد تجاهها عندما كانت تفرض المرأة وجودها لمبررات وأسباب تاريخية ما وظروف معينة، ولا شك أن موضوع الانفتاح والحرية والتسامح والتعددية والديمقراطية، احتلت موقعاً أساسياً ضمن المشروع النهضوي الكردي الذي شكل منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، واتخذت قضية المرأة أهميتها في صلب هذا المشروع، في ضوء العلاقة العضوية بين التحول الديمقراطي وتحرير المرأة من ناحية، وبالنظر إلى الدور المؤكد للمرأة في الشأن الكردي العام من ناحية أخرى، ولكن تبقى مشكلة المرأة الكردية هي مشكلة المجتمع الكردي الذي لا يزال يناضل من أجل تقرير المصير وتثبيت كيان سياسي له (أي الدولة الكردية)، وهذا هو الرأي السائد للرجال والنساء في المجتمع الكردي في كافة أجزائه. أما بخصوص تقبل الأخر والعلاقة مع الشعوب المجاورة: فحسب المؤرخين يرجع تاريخ علاقة الشعب الكردي مع الشعب العربي إلى ما قبل ظهور الإسلام، وتوطدت هذه العلاقة أثناء الفتوحات الإسلامية التي شارك فيها الكرد، ورغم هذه الصلة الوثيقة بين الشعبين العربي والكردي، فإن الرأي العام العربي، سواء رجل الشارع أو معظم المثقفين، لا يعرفون إلا القليل عن الشعب الكردي وعن قضاياه، وعن تأثير حل القضية الكردية على الأمن القومي العربي خاصة وعلى استقرار المنطقة عامة، وذلك ربما يعود لسببين أحدهم ديني حيث المركزية العربية الاسلامية فرضت نفسها مع الزمن على كل الاقوام التي آمنت بالاسلام كدين للخلاص وفق النظرية الدينية، وسبب آخر هو ظهور الأحزاب الشوفينية في الوطن العربي مثل حزب البعث السيء الصيت وكذلك الأمر الحركة الناصرية. ورغم أن الانظمة العربية بمعية منظريها وكتابها ومثقفيها كانت وراء الويلات التي حلت بالشعب الكردي وبدلاً من أن نرى أسماء كثيرة تدافع عن قضايا الشعوب ومن بينهم الشعب الكردي، لم نرى إلا أسماء لا تتعدى أصابع ممن دافعوا عن حقوق الانسان والشعوب بغض النظر عن انتماءاتها القومية ومنهم على سبيل الذكر بعض الكتاب العراقيين مثل شاكر خصباك ومنذر الفضل وعبدالحسين شعبان وهادي العلوي بينما في سوريا لم يظهر صوت واحد يماثل الاصوات العراقية التي ذكرتها وهو الشاعر الرقاوي محمد غانم، ومع ذلك يبقى الكردي مطالب باستعطاف أبناء القومية التي هضمت حقوقه وحاولت صهره بالعنف والاكراه منذ عشرات السنين. العلمانية في المجتمع الكردي: بخلاف البيئة الاجتماعية العربية في سوريا فالمجتمع الكردي لا يرى بأن العَلمانية خاصية أوروبية وأنها لا تناسب مجتمعاتنا، بالعكس وعلى اختلاف المشارب الفكرية والسياسية للاحزاب الكردية فالجميع شبه متفقين بأن العلمانية احد الحلول التي قد تحرر الدولة من سلطة الدين، وكذلك تخلص المواطن رويدا رويدا من الامراض العشائرية والقبلية والعصبيات بشكل عام، باعتبار أن القانون هو سيكون أساس الملك ولن يكون المرء ضحية هذه الجهة أو تلك، ولن يكون الفرد قؤبانا لمجتمعه في أي اشكالية ما عند حصولها بين هذه الفئة وتلك، فالعلمانية كفيلة بتخليص المجتمع من كل أشكال العصبية والفكر القطيعي باعتبار أن القوانين لا تخضع لمزاج اية جهة دينية او اجتماعية او ثقافية، وبرامج اغلب الاحزاب الكردية تتوافق مع الفكر العلماني، بل وحتى المجتمع الكردي نفسه لديه أرضية مسبقة لتقبل الافكار والقوانين العلمانية بما أن التشدد لم يجد له مكان بينهم، ولا حتى الدين له السطوة على الكردي باعتبار ان لديه عبر التاريخ حساسية ما تجاه هذا الدين وذلك بسبب الاضطهاد الذي تعرض له تحت اسم الدين، فالدين كان مصدر من مصادر هدر حقوقه القومية ومصدرا من مصادر الانصهار، وإذا كان نقاد العَلمانية يؤكدون بأنها اتجاه ظهر في المجتمعات الأوروبية كتعبير عن ضرورة تاريخية مرتبطة بالظروف الخاصة التي مرت بها أوروبا في أثناء انتقالها من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، فالحركة الكردية ترى بأننا نمر بنفس المرحلة التي مرت بها اوروبا وأن الفرصة مواتية للتخلص من سطوة رجال الدين وخرافاتهم، وأن اعتناق العَلمانية وتبنِّيها في مجتمعات غير أوروبية بالنسبة للاحزاب الكردية لا يعني، بأنها تسعى الى ذلك من باب التقليد أو المحاكاة الببغائيةً إنما تراها حاجة ضرورية. والحركة الكردية ترى بأن العلمانية احد الحلول للتخلص من العقائد المغلقة التي يعتقد أصحابُها أنهم يملكون الحقيقة كلَّها، فيقسمون البشر إلى (أهل الحق) وهم أصحاب هذا الدين أو تلك العقيدة، وإلى (أهل الباطل) الذين لا ينتمون إلى ذلك الدين أو تلك العقيدة، وهكذا يتم حسم معظم الاشكاليات التاريخية التي كانت وراء ولا تزال اراقة دماء الابرياء في كل مكان تقريبا من دول الشرق الاوسط.