الكُرد أصحاب حقوق وهذا موقفي من المسألة الكردية عامة والمسألة الكردية السورية خاصة

7

د . برهان غليون  – السلطة الرابعة

في إطار بحث يعده عن النخب السورية والمسألة الكردية سألني شمس الدين الكيلاني عن تلخيص موقفي من المسألة الكردية التي هي في نظري مسالة أخلاقية مثلما هي مسألة سياسية وجيوسياسية لا يمكن لإنسان حر أن يتجنب الخوض فيها. وهذا ما كتبته.

الكرد أحد شعوب المنطقة الأربع الرئيسية، العرب والترك والايرانيين والكرد.

وهو الشعب الذي عانى أكثر من غيره من اغتصاب حقوقه وحرمانه من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته القومية كباقي الشعوب. هذه قضية مبدئية وسياسية تاريخية لا ينبغي نسيانها، واحترام هوية الشعب الكردي ومساعدته على نيل حقوقه واجب كل حر، بصرف النظر عن أي خلافات سياسية يمكن أن تولد أمام تعدد الخيارات الاستراتيجية وتباين المصالح الطبيعي واختلاف التصورات. وهي خلافات يمكن أن تنشأ بين قيادات الكرد أنفسهم كما يمكن ان تكون مع شركائهم من قادة الدول الأربع التي يتوزعون على أراضيها، حاكمين ومعارضين، لتحديد أنجع السبل والوسائل وأسلمها لتحقيق هذا الهدف، بأقل الأضرار الممكنة لجميع الأطراف.

 

أما في ما يتعلق بالمسألة الكردية في سورية فقد كنت أعتقد ولا أزال، وهو ما ذكرته لأصدقائي الكرد في المؤتمر العام الذي دعوني إليه في باريس قبل الثورة السورية بسنوات، أن من مصلحة الأكراد الانخراط في الكفاح الديمقراطي في سورية، لا الرهان على القطيعة القومية مع بقية السوريين، وذلك من دون نسيان قضيتهم الكبرى، لكن في انتظار أن يحسم الوضع في البلدان المجاورة، وعندئذ يصبح من الممكن التفكير بدولة كردية واحدة أو فدرالية.

 

وأن انفصالهم عن القضية الديمقراطية يمكن أن يضر بقضيتهم القومية بينما سيفتح لهم انخراطهم فيها باب الإدارة الذاتية من دون مشكلة وبكل أريحية. لكن، كما قلت في تلك المداخلة الطويلة أيضا، أن أحدا لا يستطيع أن يقرر مكان الكرد، ولهم الحرية في اتباع الطريق الذي يرونه أجدى لتحقيق اهدافهم، النزاع أو الحوار، لكن من حقنا نحن الديمقراطيين السوريين أن نقول ما نعتقد أنه الأصوب، بحكم أن خيار النخب الكردية السياسي يمس أيضا مصالح سورية دولة وشعبا، بما فيهم مواطنينا الكرد.

 

في اعتقادي هذا هو الموقف الذي عبرت عنه جماهير الشعب الكردي في سورية بعد اندلاع ثورة آذار ٢٠١١ والتي سبقت الجماهير العربية لملء الساحات ورفع الشعارات بالعربية والكردية معا، وكان ذلك أعظم تجسيد لاخوة كردية عربية ألفية في ما وراء الوحدة الوطنية ذاتها.

 

وكانت الجماهير على حق. فمواكبة الثورة التحررية والديمقراطية وحدها تفتح أفق تحقيق ما يمكن أن يشكل المرحلة الأولى من تقرير المصير الكردي، وهي التفاوض على حكم ذاتي يعزز الهوية الكردية ويحقق المساواة التامة والعدالة، ويعمق الاخوة العربية الكردية في سورية، حيث لا تشكل المسألة الكردية، حتى في أفق الحلول الفدرالية، أي تهديد جدي للكيان والدولة. وفي هذا السياق وقعنا، في إطار المجلس الوطني السوري، مع المجلس الوطني الكردي، على وثيقة تؤكد الاعتراف الدستوري، كما طلب الاخوة الكرد، بالهوية القومية الكردية في إطار إدارة لا مركزية موسعة، بانتظار أن يقرر الشعب السوري، بكرده وعربه، في أول برلمان منتخب، طبيعة الدولة التي يريد أن يقيمها.

 

وقلنا للأخوة الذين كانوا يطلبون أكثر من ذلك إننا لسنا ممثلين للشعب السوري بصورة شرعية، ولا مخولين بتقرير مصيره بدلا عنه، وأن واجبنا ومهمتنا هي إعداد الشروط التي تتيح له ممارسة حقه في تقرير مصيره بحرية لا مصادرة هذا الحق او التصرف به في غيابه. وليس للثورة وهدفها في القضاء على نظام الطغيان مبرر ولا سبب آخر سوى إعداد هذه الشروط.

 

ربما كان هناك من راهن على تفكك سورية أو تقسيمها، ولا يزال، وربما انخدع البعض بوعود لا نعرفها. وربما كان هناك من أراد عامدا إثارة الفتنة الكردية العربية لدفع الجمهور الكردي للابتعاد عن الثورة ووقف التظاهرات، وقد حدث بعض ذلك، وهو نفسه الذي دفع جمهورا عربيا واسعا أيضا إلى التشكيك بنوايا القيادات الكردية وخططها هذا طبيعي في سياق ثورة عارمة وحروب متداخلة، وطنية وإقليمية ودولية، وصراع وحشي على إعادة تقاسم النفوذ في المنطقة.

 

مصير الكرد السوريين يقرره الكرد السوريون أنفسهم، بصرف النظر عن أي أطراف أخرى. وموقفي، أنه ما دامت هناك سورية جمهورية ديمقراطية دستورية، وكان لنا كلمة في شؤونها، سيبقى الكرد سوريين يتمتعون بحقوق المواطنة السورية المتساوية، ويحافظون على هويتهم القومية، ويحصلون، في إطار إدارة ذاتية، على كل ما يحتاجونه من موارد وقوانين لحفظها وحمايتها، كما يمكن لهم، إذا كان هذا قرار أغلبيتهم في سورية، أن يطلبوا فتح مفاوضات سياسية جدية واخوية مع أول سلطة شرعية وقانونية تنشأ في سورية الجديدة، بهدف الاستقلال بشؤونهم في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية السكان من دون حرب ولا عداء ولا منازعات.

 

ليس هناك في نظري أي سبب ولا فائدة من سياسات القهر والإكراه ونزع الهوية، لا تجاه العرب ولا تجاه الكرد. هذه ليست ثقافتنا، ولا ينبغي أن تكون سياسة قادتنا.

 

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.