وفد جنيف ليس نهاية المطاف!
مدار اليوم – فايز سارة
ينشغل كثير من المهتمين بالقضية السورية بموضوع وفد المعارضة السورية إلى مؤتمر جنيف المقرر عقده في العشرين من فبراير (شباط) الحالي. وباستثناء النقاش المحتدم حول أحقية تشكيل الوفد الذي ترى الهيئة العليا للمفاوضات أنها المعنية بتشكيله، فإن صراعات وخلافات متواصلة حول من سيكون في عداد الوفد من المنصات أو من المنضوين في تلك المنصات. وباستثناء العوامل الداخلية والتجاذبات بين الأطراف السورية على تعددها وتنوعها، ثمة تدخلات إقليمية ودولية متعددة وعميقة، يسعى من خلالها كل طرف ليكون الوفد أقرب إلى تصوراته ومصالحه.
وسط الاحتدام المحيط بتشكيل وفد المعارضة السورية إلى جنيف، فإن الحيثيات الأخرى المتعلقة بالمفاوضات، تكاد تختفي. وهي غائبة بالنسبة للبعض وخاصة للمهتمين بشكل المفاوضات ووجودهم فيها بغض النظر عن محتواها ونهاياتها، فيما هو إخفاء متعمد من قبل الآخرين، هدفه تحويل الأنظار عن الجوهري في مفاوضات مؤتمر جنيف، وإشغال الآخرين بشكلياته، والتفرغ من جهة أخرى لرسم مضامينه ونتائجه بما يتوافق مع مصالحهم ومصالح الفريق الذي ينتمون إليه. وبصورة عامة، فإن الروس أقرب إلى الموقف الأخير، فيما جماعات المعارضة غارقة في الموقف الأول، خاصة في ظل ما يتردد عن مواجهات وصراعات وخلافات في أوساطها وشخصياتها عمن سيذهب إلى جنيف.
وإذا تجاوزنا مسألة الوفد، واتفقنا أنه سيتشكل في النهاية وفق صيغة ما وبأشخاص هم محصلة الاحتدامات القائمة. فإن النقطة التالية تتعلق بموضوعات جنيف ومحتوياته، وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج، مما يطرح أسئلة كثيرة منها ما الذي سيتم بحثه في جنيف، ومن سيحضر المؤتمر، وما هو دور الحاضرين، هل هم مجرد شهود أم سيكونون ضامنين، لما يتمخض عنه من نتائج، وهل سيتم وضعها في إطار برنامج تنفيذي له جدول زمني، ملزم لكل الأطراف المباشرة وغير المباشرة.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة، ينبغي أن تكون الشغل الشاغل لجماعات المعارضة، وينبغي أن يتم التوافق حولها في المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي سيعطي جنيف طابعًا مختلفًا، ليس فقط في أنه مختلف عن مؤتمرات جنيف السابقة، إنما باعتباره يمثل مرحلة جديدة في التعامل مع القضية السورية، وجهود معالجتها بصورة أكثر جدية وعملية، وكلاهما أمر كان غائبًا في الجهود السابقة.
غير أن تحقيق ما تقدم من جانب المعارضة وعبر تفاعل إيجابي مع الأطراف الإقليمية والدولية، لن يكون أمرًا سهلاً وميسرًا، إلا إذا خطت المعارضة نحو التوافق والتقارب في نقطتين، الأولى تقديم تنازلات متبادلة فيما بينها لتشكيل وفد المعارضة بواقع ممثل أو اثنين لكل منصة، بحيث نضمن حضور ممثلين عن الجميع أو أكثرهم إذا استحال حضور الجميع، وترك مجال لمشاركة شخصيات سورية من خارج المنصات المعروفة، لإعطاء الوفد طابع التمثيل الوطني، بدل أن يكون ممثلاً فقط لجماعات المعارضة وتنظيماتها السياسية والمسلحة، والثانية، التوافق على خطة لمؤتمر جنيف، تتضمن برنامج المؤتمر وموضوعاته، وخطة تنفيذية موضوعية وزمنية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، والتأكيد على ضمانات ملزمة من الأمم المتحدة والدول الراعية.
إن ظروف انعقاد مؤتمر جنيف بالنسبة للمعارضة ولكل السوريين، ليست ظروفًا مثالية للحل السياسي في علاقتها مع مطالب السوريين، لكنها ليست الأسوأ. ففيها عوامل إيجابية كتوافق أغلبية السوريين وجماعاتهم على الحل السياسي، وهي تترافق أيضا بزخم إقليمي ودولي للسير باتجاه الحل، ومحاطة بتوافق عام لمحاربة الإرهاب الذي وإن كان يركز على محاربة جماعات التطرف من «داعش» و«النصرة» ومن يماثلهم، فإنه سيحد من إرهاب نظام الأسد وإيران وميليشياتها في سوريا، وسوف يضعهم إذا تواصلت سياساتهم وممارساتهم على نحو ما كرسته السنوات الماضية في دائرة الحرب على الإرهاب الذي لا يعني تنظيمات فقط، وإنما يعني الحرب على آيديولوجية التطرف ونهج القوة المتوحشة طريقًا لفرضياتها وأهدافها.
لقد بات كل السوريين أمام تحدي تجاوز أخطاء الماضي، وفتح بوابة تفكير وأداء مختلفين في المرحلة الراهنة وباتجاه المستقبل، يفترض أن ينعكسا بصورة إيجابية في مسارين أولهما مسار العلاقات البينية في انفتاح وتوافق سياسي وتنظيمي وبناء فريق متناغم ومتماسك وملتزم في أهدافه وأدائه، يضع المصلحة الوطنية أمامه. والثاني انفتاح واسع ومتفاعل على الأطراف الإقليمية والدولية وأطروحاتها حول الحل السياسي لاستخلاص كل ما يساعد منها في محاربة الإرهاب واستعادة السلام السوري المفقود، وعودة المهجرين والنازحين ومعالجة أوضاعهم الإنسانية والمعيشية وطرح قضية المفقودين على بساط البحث، وإطلاق المعتقلين ووضع سوريا على قاعدة الانتقال نحو نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.