أسباب مصائبنا!

6

صالح القلاب – الجريدة

حتى تستعيد هذه المنطقة استقرارها ربما تحتاج إلى ربع قرن من الأعوام أو أكثر، فالهدم لا أسهل منه، أما البناء، وخاصة البناء السياسي وبناء الكيانات التي أصابها داء الانهيار، فإنه يحتاج إلى عقول نيرة وإلى جهود جبارة وإلى صبر كصبر أيوب وإلى إمكانيات هائلة، وقبل هذا وذاك إلى وسطاء خير لديهم الحكمة والقدرة والإمكانيات للوقوف من المتناحرين على مسافة واحدة، وإعطاء كل منهم ما يرضيه، وهذه في حقيقة الأمر مهمة صعبة جدا.

 

اعتدنا في هذه المنطقة، التي ابتليت، بعد انهيار الدولة العثمانية التي “حكمتنا” وخاصة في آخر أيامها بأبشع أساليب التخلف والتردي، بالتشظي العشوائي الذي أحدثه مبضع “سايكس – بيكو” وأطماع ومصالح بريطانيا العظمى، ولهذا فإن الدول المستحدثة كلها، الصغيرة “المايكروسكوبية” والكبيرة، بقيت تتناحر تناحراً غير موضوعي على الحدود وعلى المصالح، وبقي بعض مواطنيها يتطلعون إلى ما وراء حدود أوطانهم ودولهم إلى حيث امتداداتهم القبلية والعشائرية، وإلى حيث مراكز انتماءاتهم القومية والمذهبية والدينية.

 

ثم إن الأسوأ أن بعض الدول ابتليت، بعدما حصلت على ما يعتبر استقلالاً عن المستعمر الأجنبي ونفوذ الغرباء، بأنظمة استبدادية قمعية رفعت شعارات جميلة ومارست عكسها وترجمت الوحدة إلى تشبث بـ”الإقليمية” و”القطرية” لا مثيل له، بينما ترجمت “الحرية” بالقمع والاستبداد وأعواد المشانق وساحات الإعدامات والسجون وترجمت “الاشتراكية” بتحويل الدولة كلها إلى إقطاعية كبيرة أو صغيرة وإلى مزرعة للعائلة والأتباع والعشيرة والقبيلة.

 

الآن كثيرون يسألون، إن هنا في منطقتنا المصابة بألف داء وداء، وإن من المتفرجين من الخارج، ما الأسباب يا ترى التي أدت إلى ما يحصل في سورية وفي العراق وفي ليبيا واليمن، ونسأل الله أن يتوقف كل هذا الدمار عند هذه الحدود، وألا يحصل في أي دولة عربية أخرى؟ والجواب الذي يستسهله البعض هو أن السبب هو العدو الصهيوني وهو بقايا الأطماع الاستعمارية القديمة، وهو أن “بعض الأشقاء” يتغولون على أشقائهم… وحقيقة ومع عدم إغفال هذه الأسباب والعوامل كلها فإن الموت الزؤام والداء الذي أدى إلى كل هذه المصائب التي حلت بهذه الدول وبشعوبها هو أن من تسلموا أمور بلدانهم من “الاستعمار” ومن “الرجعية” أسوأ كثيراً من الاستعمار والرجعية فنظام القذافي صاحب اللجان في كل مكان وصاحب “الجماهيرية العظمى” هو الذي أوصل ليبيا إلى ما وصلت إليه، بينما نظام صدام حسين هو سبب إغراق العراق في هذا الذي يغرق فيه، ونظام حافظ الأسد هو الذي وضع سورية بين يدي هذا الوريث الذي شتت شمل شعبها وحولها إلى سجن كبير وإلى ميدان إعدام، وهذا ينطبق على اليمن الذي كان ذات يوم بعيد سعيداً، والذي من سوء طالعه أن “حِكمته” الشهيرة لم تجنبه مصيبة أن جاهلاً أصبح يحكمه ويستبد به هو علي عبدالله صالح.

 

مع بدايات هذه الألفية كنا قد “ودعنا” قرناً بقينا خلاله نرفع شعارات واعدة جميلة وكنا نحلم، أحلاماً وردية، بوحدة وطننا العربي، ومن “المحيط الهادر إلى الخليج الثائر”، لكن ها هي هذه الأحلام الوردية تتبدد حيث بعض دولنا التي رفعت شعارات “أمة عربية واحدة… ذات رسالة خالدة” و”وحدة حرية اشتراكية” أصبحت دولاً ودويلات طائفية متناحرة، وحيث “الجماهيرية” أصبحت عدداً لا يحصى من جمهوريات القتل والدمار، وحيث قلب العروبة النابض أصيب قلبها بالسكتة المميتة، وبلاد الرافدين بات يحكمها قاسم سليماني، وكأنه لم يمر عليها لا “ذي قار” ولا “القادسية”.

 

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.