كوردستان العراق: استفتاء مصيري وموقف موحّد مطلوب
عبد الباسـط ســيدا
لن يكون يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر القادم يوماً عادياً بالنسبة إلى سكان إقليم كوردستان العراق؛ بل لن يكون كذلك بالنسبة للعراق ولدول المنطقة، خاصة تركيا وإيران. لأنه بناء على نتيجة هذا الاستفتاء، وعلى ما سيترتب عليها لاحقاً، ستطرح القضية الكوردية في المنطقة بأسرها بقوة غير مسبوقة، قوة مستمدة من عدالة القضية المعنية بكل أبعادها، ومن اتساع دائرة الاهتمام بها ضمن سياق المعادلات الإقليمية الجديدة التي هي في طريقها إلى التشكّل، رغم كل ما تشهده المنطقة من تداخلات وتدخلات، ومن تباينات وصدامات.
ونحن لن نذيع سراً إذا قلنا أن إقليم كوردستان، رغم حالة الاستقرار النسبية التي يستم بها، ما زال في عين العاصفة، ويتعرّض لضغوط كبيرة من جانب القوتين الإقليميتن الأكثر تأثيراً في محيطنا القريب راهناً، ونعني بهما تركيا وإيران. ولكن في المقابل، يتمتع الإقليم بعلاقات دولية متميزة، كما يحظى الرئيس مسعود البارزاني باحترام قادة العالم وشعوبه، وقد باتت القضية الكوردية في يومنا الراهن واحدة من أكثر القضايا حيوية وتعاطفاً وتأييداً على الصعيد الدولي رسمياً وشعبياً. كما أن الموقف العربي، خاصة السعودي، هو اليوم أكثر تفهماً لتوجه الإقليم، وأكثر استعداداً للتعامل الإيجابي البنّاء معه مستقبلاً.
ولكن تبقى الخلافات الداخلية بين الأحزاب الكوردستانية في الإقليم، لا سيما بين حركة التغيير/ كوران والحزب الديمقراطي الكوردستاني وبقية الأحزاب، هي المنغّص الأساس الذي يشغل بال الكورد ضمن الإقليم وخارجه؛ وذلك لدرايتهم بأبعاد التحدّي القادم ومصيريته؛ وأهمية، بل وضرورة الاستعداد له. فهم يريدون التوجه نحو الاستحقاق المنتظر بموقف كوردي موحد استعداداً لكل الاحتمالات.
ومن الواضح أن قيادة الإقليم، والرئيس مسعود البارزاني تحديداً، على معرفة تامة بحجم المسؤولية، وبأهمية الموقف الكوردي الموحد، لذلك تأتي هذه الجهود المكثفة على مختلف المستويات، خاصة المتمثلة في اجتماعات الأحزاب المشاركة في البرلمان، والأخرى غير المشاركة، والاجتماعات الثنائية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني، كل هذه الجهود ترمي إلى تدوير الزوايا، وإيجاد المخارج للقضايا الخلافية، استعداداً للاستحقاق المصيري القادم.
هناك قضايا خلافية باتت معروفة لدى الجميع، خاصة ما يتعلق منها بطريقة تفعيل البرلمان، وعودة وزراء التغيير إلى الحكومة، والتوافق على القانون الخاص بكيفية انتخاب رئيس الإقليم. وهناك دعوات تطالب باعتماد الشفافية، ومعالجة ملفات الفساد، وغيرها من القضايا التي توحي كل المؤشرات بموجود إرادة جدّية لتناولها، والعمل من أجل الوصول إلى حلول بشأنها.
الأنظار جميعها متجهة اليوم إلى حركة التغيير/ كوران التي أصيبت بخسارة كبيرة نتيجة رحيل زعيمها بكل أسف، وهي تعيش وضعاً مضطرباً نتيجة تباين الآراء ضمن صفوفها. وسيكون وضعها أكثر صعوبة إذا ما اعتمدت المقاييس والحسابات وردود الأفعال الحزبية في صياغة موقفها من القضية الكبرى التي ينتظرها سكان الإقليم، بل وجميع الكورد في كل مكان.
أما إذا حسمت الحركة أمرها، والتزمت الخط القومي/الوطني العام لكل القوى السياسية في الإقليم، الكوردية منها، وتلك التي تمثل المكونات المجتعمية الأخرى في الإقليم، فإنها، حركة التغيير، ستكون موضع تعاطف ودعم كبيرين من قبل الجميع، خاصة من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني، وسيكون هذا الخيار عوناً لها في تجاوز تبايناتها الداخلية، وإعادة ترتيب بيتها الداخلي، لتتمكّن من سد جانب من الفراغ الذي تركه رحيل المرحوم نوشيروان مصطفى.
من جهة أخرى، سيكون لموقف كهذا من جانب حركة التغيير أصداء ايجابية كبرى بين مواطني الإقليم، وسيكون مبعث احترامهم وتقديرهم.
الظروف التي يمر بها إقليم كوردستان دقيقة للغاية، والأوضاع الإقليمية والدولية بالغة التعقيد والتداخل. وكل ذلك، يلزم الجميع بتثبيت نقاط التوافق بغية البناء عليها. أما النقاط الخلافية فترحّل إلى المرحلة اللاحقة، لتعالج بهدوء بعقلية رجالات الدولة ضمن الأطر الشرعية، وبموجب الآليات الديمقراطية، وبعيداً من أجواء المناكفات الحزبية، والبهرجة الإعلامية، وبمنأى عن النزعات الشعاراتية ومزاودات المتسلقين من مختلف الأطراف، وحتى من خارجها.
الأمل معقود على جهود الحكماء العابرة للحدود الحزبية لاستيعاب الموقف، والعمل المشترك من أجل تذليل العقبات، وتجاوز أسباب التشنج الحاصل بنظرة شمولية بعيدة المدى. نظرة تتفهم الهواجس، وتتجاوزها باجراءات ملموسة تعزز الثقة والاحترام المتبادل. وتكون أرضية صلبة لبناء موقف موحد، يعبر عن إرادة الجميع من موقع المشاركة، والشعور الكامل بالمسؤولية.