المناطق الآمنة في سورية «هدايا» بوتين إلى ترامب
سميرة المسالمة – الحياة
يحمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هامبورغ في نهاية الأسبوع الأول من الشهر المقبل، ثلاث هدايا سورية «قيّمة»، من شأنها أن تجعل العلاقات، التي تعتبرها ديبلوماسية كلا البلدين أنها «في أدنى مستوياتها»، تتطور بصورة ملحوظة، من خلال الإعلان عن توافقات جديدة، تبدأ من إعادة ترتيب أولويات كل من روسيا وأميركا في سورية، ومعها إعادة توزيع أدوار الدول الإقليمية، ولا سيما المشاركة في الصراع السوري، إن مباشرة عبر قواتها، أو بالوكالة عبر فصائل مدعومة منها، أو تلك المتأثرة بالحرب الكارثية الجارية منذ قرابة سبعة أعوام بموجات اللجوء والنزوح.
أولى تلك الهدايا المرتقبة تتعلّق بتجاوب روسيا مع ملامح خطة ترامب بخصوص إنشاء مناطق آمنة في سورية، والتي بدأتها بتحويرها من «مناطق منخفضة التصعيد» إلى ما يمكن اعتباره بمثابة «مناطق آمنة»، تحت وصايات أو ضمانات دولية، تكون الولايات المتحدة أحد أهم مكوناتها.
المقصود هنا تحديداً منطقة تقع تحت مراقبة الولايات المتحدة، أو بالأصح تحت نفوذها، وهي تمتد جنوباً من خط الجبهة عند الحدود مع إسرائيل، من نوى حتى الجولان المحتل غرباً، وإلى أطراف محافظة القنيطرة وريف دمشق شمالاً، علماً أن ذلك يشمل منطقة أخرى تبدأ من التنف على الحدود مع العراق في شمال شرق البادية إلى جنوب شرق السويداء، على ما يؤكد ذلك وجود القواعد الأميركية والقصف الأميركي المتكرر لقوات النظام وحلفائه. أيضاً، يشمل ذلك، منطقة الشمال، والشمال الشرقي، حيث «قوات سورية الديموقراطية»، المدعومة أميركياً، والتي تواصل ربط مناطقها مع بعضها، مع ترجيح إمكان إجراء عمليات تبادل مناطق وتغيير ديموغرافي، إذا استمرت الحال على ما هي عليه. ويستنتج أن الغرض وضع هذه المناطق بكاملها تحت الوصاية الأميركية.
في المقابل، يعني هذا أن تركيا ستغدو ضامنة لمنطقة آمنة تمتد من غرب الفرات في جرابلس إلى شرق عفرين ومنغ مروراً بمنطقة جنوب مدينة الباب شمالاً حتى الحدود التركية، وطبعاً إضافة إلى مناطق نفوذ «درع الفرات»، على الحدود السورية – التركية ومحافظة إدلب.
في هذا السياق، يبدو أن روسيا مهتمة أكثر بالحفاظ على كامل سيطرتها على ما اصطلح بتسميته «سورية المفيدة»، والتي قد تضم المنافذ الحدودية مع الأردن والعراق، في محاولة للحفاظ على وجود ولو شكلي ورسمي للنظام، مع الأخذ في الاعتبار التفاهمات الإسرائيلية – الروسية في موسكو، وفقاً لمبدأ «أمن إسرائيل»، التي لا يزعجها وجود النظام على مقربة من حدودها، لكن على أن تبقى هذه المنطقة خالية من الوجود الإيراني، وهو الأمر الذي قد يعتبره بوتين بمثابة هدية (ثانية) «قيّمة» لأميركا وأوروبا معاً والدول الخليجية، التي طالبت خلال مباحثات «القمة الإسلامية – الأميركية» بتحجيم النفوذ الإيراني، ودرء خطره مقابل وقوف الدول المشاركة في الحرب على الإرهاب، المتجسد حالياً بـ «داعش» و «القاعدة» بمختلف تسمياتها وصولاً إلى «جبهة تحرير الشام»، في وضع واحد في القبول بالنفوذ الروسي في سورية، وباعتبار أن هذا البلد ليس ورقة في يد إيران، وهو ما يتقاطع، كما هو معروف، وكما دلت وقائع ميدانية عدة، مع الرغبة الروسية.
أما الهدية الثالثة فهي تتمثل في التمهيد للحل «السياسي»، ووضع فصائل المعارضة جنباً إلى جنب مع جيش النظام في جبهة واحدة لمحاربة الإرهاب، من خلال نتائج جولة مفاوضات آستانة وهي السادسة من نوعها، والتي يبذل الروس كل جهدهم لعقدها، كي تأتي بمعطيات جديدة، علماً أن معركة درعا، التي خاضتها فصائل غير منضوية في اتفاقات آستانة، بددتها أو قللت من شأنها، ما جعل الأمر ضاغطاً على الطرف الروسي. وفي الواقع، فإن هذا التطور ربما غير المتوقع، في حسابات الروس، بالقياس لما حصل في حلب سابقاً، هو الذي اضطر الجانب الروسي لإعادة تدوير خطة ترامب حول المناطق الآمنة، لكن هذه المرة وفق الرؤية الأميركية، ومع اعتبار جديد للقوى الفاعلة على الأرض، كـ «قوات سورية الديموقراطية»، التي تدعمها أميركا على حساب كل من تركيا وإيران.
على ذلك، فإن إعلان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن جولة جديدة في جنيف، تبدأ أولى جلساتها في العاشر من الشهر المقبل بعد يومين من انتهاء اللقاء المرتقب بين الرئيسين بوتين وترامب، ربما يوضح طبيعة التوافقات الأميركية – الروسية الجديدة، ويوضح معها خرائط أو معادلات الاشتباكات القادمة.
على هذا الأساس ومع أن اللقاء الأول بين الرئيسين الأميركي والروسي يشكل نقطة بداية في مسار العلاقات الثنائية المباشرة، إلا أنه في الوقت ذاته سيكون بمثابة محاولة جديدة لفتح الملفات العالقة بينهما، ليس في سورية فحسب، وإنما في ملفات أخرى أيضاً، لاسيما أوكرانيا والدرع الصاروخي وأسعار النفط والعقوبات التكنولوجية، وهي الملفات التي ظنت روسيا بوتين أنها يمكن أن تستخدم فيها نفوذها في سورية لليّ ذراع الإدارة الأميركية، وهو ما لم يحصل بسبب لا مبالاة الإدارة الأميركية بما يُجرى في سورية، وبسبب سياستها الرامية الى إغراق روسيا واستنزافها في مستنقع الحرب السورية.
وعلى الأغلب، فإن واقع الحال في روسيا قد يجبر رئيسها الحالي، والذي هو القادم حتماً، على البحث عن مخرج حقيقي من مستنقع الحرب السورية، لتعديل كفة الميزان في المكانة الدولية مع الولايات المتحدة، من خلال رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، ولن يحصل ذلك ما لم تقدم موسكو حلاً حقيقياً في سورية ينقذ موقعها سياسياً وبالتالي اقتصادياً.