نظرية المؤامرة حول كورونا… لهذه الأسباب قد تصدقها عقولنا

6

علي شهاب – صحافي

أشبع البشر كورونا إشاعات ومؤامرات، حتى صارت الأخبار العلمية عن هذا الوباء بحاجة إلى إثبات، وقد تكون ظاهرة “الأخبار الزائفة” أمراً مفهوماً في زمن القلق والأزمات الكبرى على مر التاريخ، ولكن هذه الظاهرة لها أبعاد سياسية استخبارية أيضاً في نظام عالمي تتصارع عليه القوى الدولية، استباقاً لولادة نظام اقتصادي عالمي جديد.

وفي زمن الأزمات، تشيع أيضاً نظرية المؤامرة، ولكن قبل فهم سبب تصديق الناس لـ”المؤامرة” وتداولها، والخوض في أساليب القوى السياسية في استثمارها، خصوصاً في ما يخص كورونا، لا بد من شرح نفسي موجز لآلية تعامل عقولنا مع “المؤامرة”.

الدوافع المعرفية وقود “نظرية المؤامرة”

من وجهة نظر علم النفس، فإن أحد أسباب لا مبالاة “ضحايا” الأخبار الزائفة بالتحقق من صحتها هو “التحيّز” الذي تمارسه عقولنا طوال الوقت وتخدعنا كي نظن أننا محايدون، حتى حين نقرر العكس، ويحاول البشر بشتى الوسائل دفع القلق بعيداً، من الآليات الدفاعية التي يستخدمها الناس في سبيل الشعور بالأمان هو “الحصول على أجوبة بسيطة وسهلة”.

أن تمتلك الإجابة عن أي وضع مثير للقلق يعني أنك لن تخشى المستقبل وأنه لم يعد مجهولاً، أن تمتلك الإجابة عن الواقع الراهن يعني أنك تُدرك شكل العالم ومصيره، وأنك غير مضطرب بسبب “المعرفة” (المعرفة التي أقنعت نفسك بأنك تمتلكها بامتلاكك الإجابة عن الحاضر والمستقبل).

وبما أن عقولنا منحازة على مستوى اللاوعي نحو تصديق كل ما يتناسب مع ما نشأنا عليه، ومع ميلنا الطبيعي نحو الشعور بالاستقرار، يصبح أي “تفسير محتمل” لما يدور حولنا سهل التصديق بالنسبة لعقولنا (حتى لو لم يكن هذا التفسير منطقياً بالضرورة).

بمعنى آخر، تبحث عقولنا في لحظات التوتر والقلق عما يهدئها، عبر أجوبة تضبط انفعالاتنا بغض النظر عما إذا كانت هذه الأجوبة والتفسيرات مرتبطة بأدلة موثوقة أو تمتلك منطقاً يمكن الركون إليه.

عالم ما بعد كورونا… وباء الأخبار الزائفة

هكذا تتدخل أجهزة الاستخبارات في مكافحة الفيروس
وتُسمى الأسباب أعلاه بـ “الدوافع المعرفية” (Epistemic Motives)، فنحن نحتاج إلى “المعرفة” لنضبط القلق، وهذه الحاجة، وهذا الدافع لدى البشر هو نفسه وقود نظرية “المؤامرة” وأي تفسير محتمل لما يجري.

ويمكنكم ملاحظة هذه الدوافع في إجراء دردشة بسيطة مع الأشخاص الذين يتداولون الإشاعات والأخبار غير الموثوقة عن فيروس كورونا هذه الأيام، سواء في أحاديثهم المباشرة أو عبر شبكات التواصل، ستلاحظون بسرعة أن حجم الاضطراب والقلق لديهم أعلى من المستوى الطبيعي، وأن اهتمامهم منصبّ على محاولة تفسير وشرح الأسباب، بدل الاهتمام بالوقاية نفسها من الخطر.

الدوافع الوجودية التي تحمينا من التهديدات

الشعور بالأمان هو محور من محاور الحاجات الطبيعية الإنسانية، وفي البيئات المضطربة، تزداد هذه الحاجة مع ازدياد الشعور بالخطر الجمعي، ويلجأ الناس إلى تصديق بل نشر نظريات “المؤامرة” من أجل “التعويض” عن انعدام شعور الأمان، وتحقيق الرضا (Satisfaction) على المستوى الفردي والجماعي، وهذا الشعور بالرضا يوفر أيضاً الإحساس بـ “السيطرة” وأن كل شيء على ما يرام… نحن نتحكم بالأمور.

وبما أننا نتحكم بالأمور، فهذا يعني أننا نتجنب التهديدات والمخاطر التي تحيق بوجودنا، هذه هي “الدوافع الوجودية” (Existential Motives).

ومن الملاحظ أن “الدوافع الوجودية” تنتشر بشكل أكبر في المجتمعات التي تفقد السيطرة الاجتماعية والسياسية، أي في الدول التي تكون فيها السلطة المركزية ضعيفة أو غير قادرة على الضبط الأمني.

وفي حالات القلق الجمعي كما هو حاصل بسبب فيروس كورونا، يميل الناس إلى تصديق نظرية المؤامرة كونها تخفف عنهم عبء اتخاذ إجراءات بعيدة المدى، لأن التخطيط البعيد مهمة صعبة لا يتقنها معظم البشر، وهي تزيد من الاحتمالات والسيناريوهات التي بدورها تزيد الضغوط على العقل.

الدوافع الاجتماعية لدى الجماعات

يتوافق الميل نحو تصديق نظرية “المؤامرة” مع الميل أيضاً صوب الجماعة في الأزمات، لذا يمكنكم أن تلاحظوا أن نظرية “المؤامرة” تنتشر بشكل أكبر داخل الأحزاب وبين الطوائف والأقليات وما شابه.

في الحقيقة، يبحث الإنسان دائماً عن عكس صورة إيجابية عن نفسه وعن الجماعة التي ينتمي إليها، وكي يتحقق ذلك، يقوم أحياناً بتشويه الآخرين. الآخرون يتحملون مسؤولية الواقع السيء الذي نعيشه، هذا يعزز لدى البعض الشعور بالثقة.

هذا هو نفسه أيضاً سبب شعور الجماعات بالتفوق على الآخرين، كما هو أحد أسباب حدة الخطاب السياسي للتيارات والأحزاب، يمكن أن يتطور هذا الشعور حتى تعميم صورة أننا “الفئة التي اختارها” القدر من دون سواها، ونحن دائماً على صواب بينما الآخرون على خطأ.

وتثبت التجارب والاختبارات النفسية انتشار نظرية المؤامرة ضمن الأقليات والجماعات بسرعة أكبر من غيرها نتيجة لهذه “الدوافع الاجتماعية” (Social Motives).

استثمار الظاهرة سياسياً

وفي الغالب، يكون الآخر، الذي تلقي عليه الجماعات التي تصدق وتنشر نظرية المؤامرة، هو العدو أو الخصم السياسي، نحن نرى كيف تنتشر تقارير وأخبار إعلامية لا دليل على صحتها حول مسؤولية الصين عن تطوير ونشر كورونا في الإعلام الغربي، وكيف تنتشر تقارير وأخبار عن مسؤولية الولايات المتحدة عن “هجوم بيولوجي” في الإعلام المناوئ لها.

تجدر الإشارة إلى أن “الدوافع الاجتماعية” تزداد شيوعاً أيضاً في حالة شعور الجماعة بأنها مهددة ومستهدفة “تاريخياً”، إذ تميل هذه الجماعات إلى توليد الاستنفار الدائم لدى أفرادها كون دفاعاتها الذاتية بحاجة إلى التعبئة دائماً، تماماً كما يفعل جهاز المناعة في جسد الإنسان القلق والخائف، وفي بعض الحالات، يصبح العلم نفسه والعلماء الهدف الحقيقي لتصديق “نظرية المؤامرة”، بحسب طبيعة الجماعة التي تحتاج إلى التعويض عن عدم اتباعها النموذج العلمي في بنيتها بتشويه “الآخر”؛ أي العلم في هذه الحالة.

ويمكن التوسع أكثر في الاختبارات المثبتة في علم النفس وإعطاء أمثلة حيّة عن نظرية “المؤامرة”، لكنّ الحديث يطول ويتعمق في هذا المجال، أما السؤال التالي فهو، كيف تلجأ القوى السياسية إلى استثمار هذه الظاهرة في زمن كورونا؟

Leave A Reply

Your email address will not be published.