المركز الإقليمي للدراسات: لماذا تتمسك واشنطن بالحل السياسي للأزمة السورية؟

2

تواجه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضغوطًا داخلية من أجل إجراء تغيير في سياستها إزاء الأزمة السورية باتجاه استخدام الخيار العسكري لفرض تسوية سياسية للأزمة. إذ وجه 51 دبلوماسيًا وموظفًا في وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة إلى الرئيس أوباما تطالبه بتوجيه ضربات عسكرية لنظام الأسد، وهو ما يشير إلى بداية تبلور اتجاه جديد داخل واشنطن يدعو إلى توسيع هامش الخيارات المتاح أمام الإدارة الأمريكية للتعامل مع تطورات تلك الأزمة وتداعياتها، بدلا من الاعتماد فقط على التفاهمات التي يتم التوصل إليها باستمرار مع روسيا، والتي لم تحقق، وفقًا لرؤية هذا الاتجاه، نتائج بارزة يمكن أن تساهم في الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.

 

لكن ذلك لا يبدو أنه سوف يدفع واشنطن إلى تغيير النهج الذي تتبعه في التعامل مع الأزمة، وهو ما سعت إلى تأكيده فور الإعلان عن الرسالة الأخيرة، بالإشارة إلى أنه “لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية”، وهو ما يمكن تفسيره في إطار اعتبارات عديدة لا تتصل فقط باقتراب نهاية فترة الرئيس باراك أوباما، رغم أهمية ذلك، وإنما ترتبط أيضًا بالرؤية العام التي تتبناها واشنطن خلال الفترة الحالية، والتي تتوازى مع مساعيها لوضع سقف للتوتر المتصاعد مع روسيا، خاصة بعد نشر أجزاء من الدرع الصاروخية في رومانيا، ومنح الأولوية لملفات أخرى، على غرار الحرب ضد “داعش”.

 

اتجاه مختلف

 

ربما يمكن القول إن الاتجاه الذي بدأ يظهر في واشنطن ويدعو إلى توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد، يستند إلى أن مجرد التهديد باستخدام القوة في التعامل مع تطورات الأزمة السورية يمكن أن ينتج تداعيات إيجابية بالنسبة لواشنطن، على غرار ما حدث في سبتمبر 2013، عندما هدد الرئيس باراك أوباما باستخدام القوة للرد على اتهام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على الغوطتين الشرقية والغربية لريف دمشق، في أغسطس من العام نفسه، حيث أدى ذلك في النهاية إلى تفكيك الأسلحة الكيماوية السورية بعد المبادرة التي طرحتها روسيا في هذا السياق.

 

وبعبارة أخرى، فإن هذا الاتجاه، بات يشير إلى أن “السياسة الحذرة والمترددة” التي تتبناها واشنطن ربما تكون أحد الأسباب التي دفعت النظام السوري ليس فقط إلى عدم الاستجابة للضغوط التي يتعرض لها لدعم فرص الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، وإنما أيضًا إلى تأكيد قدرته على الاستمرار في استخدام الخيار العسكري في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها قوى المعارضة في الفترة الماضية، ويبدو أنه يستند في هذا السياق، إلى التصريحات التي أدلى بها الأسد، في الشهور الماضية. فقد أشار، في فبراير 2016، إلى أن “هدفه هو السيطرة على الأراضي السورية كافة”، رغم حرصه على تأكيد أن “ذلك قد يتطلب وقتًا طويلا في ظل الوضع الحالي في سوريا”. كما قال، في 7 يونيو 2016، بأنه ستتم “استعادة كل شبر من سوريا”.

 

لكن هذا الاتجاه يبدو حريصًا في الوقت نفسه على تأكيد أن هناك حدودًا لأى تحرك عسكري أمريكي محتمل ضد نظام الأسد، بما يعني أنه لا يؤيد رفع مستوى الانخراط العسكري الأمريكي في سوريا لدرجة التدخل بريًا على سبيل المثال، حيث يشير إلى أن الضربات الجوية ربما تمثل آلية مهمة في هذا السياق.

 

حدود واضحة

 

لكن ذلك في مجمله لا يبدو أنه سوف يدفع إدارة أوباما إلى تغيير نهجها أو الاستجابة لهذا الضغوط برفع سقف انخراطها العسكري في الأزمة حتى من خلال توجيه ضربات جوية فقط. ففضلا عن أن ذلك لا يتوافق، وفقًا لاتجاه آخر يتبنى مواقف مؤيدة للإدارة، مع اقتراب فترة الرئيس أوباما من نهايتها، فإن النتائج المحتملة التي يمكن أن تسفر عنها مثل تلك الضربات لا تبدو مضمونة. وبعبارة أخرى، فإنه لا يمكن التكهن بالتداعيات المحتملة التي يمكن أن تفرضها تلك الضربات على موقف النظام السوري من الجهود التي تبذل للوصول إلى تسوية للأزمة السورية.

 

كما أن ذلك سوف يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر في العلاقات مع روسيا، في ظل اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين حول العديد من الملفات الأخرى، على غرار نشر أجزاء من الدرع الصاروخية في رومانيا إلى جانب الأزمة الأوكرانية، بشكل سوف يقلص احتمالات نجاح الجهود التي تبذلها موسكو وواشنطن في الفترة الحالية من أجل تعزيز فرص الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.

 

وقد بدا لافتًا أن روسيا سارعت إلى توجيه انتقادات للرسالة التي وجهها الدبلوماسيون الأمريكيون إلى الرئيس أوباما، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن الدعوة لتوجيه ضربات عسكرية أمريكية في سوريا تتعارض مع القرارات الصادرة من مجلس الأمن، في إشارة إلى القرار الأخير رقم 2268 الذي صدر في 26 فبراير 2016، بعد تفاهمات جرت بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، الذي قضى بوقف الأعمال العدائية بين النظام السوري وقوى المعارضة، وهو ما يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن أى تغيير محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية سوف يفرض تداعيات مباشرة على العلاقات بين واشنطن وموسكو.

 

كما أن ذلك ربما يتعارض مع جهود واشنطن لمنح الأولوية للحرب ضد تنظيم “داعش” الذي بدأ يهدد المصالح الغربية بشكل مباشر، حيث كان لتفاهماتها مع روسيا التي أدت إلى صدور قرار مجلس الأمن رقم 2268 تأثير إيجابي في إلحاق خسائر مادية وبشرية بارزة بالتنظيم في سوريا والعراق.

 

من هنا، أعادت واشنطن تأكيد أن الحل العسكري غير مطروح في الأزمة السورية، ورغم أنها استهدفت في هذا السياق الرد على الرسالة الأخيرة التي وجهها الدبلوماسيون الأمريكيون، إلا أنها سعت في الوقت نفسه إلى توجيه رسائل أخرى إلى الأطراف المعنية بالأزمة السورية، مفادها ضرورة التزام تلك الأطراف بالمقاربة نفسها، التي تقوم على إفساح المجال أمام الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية، وعدم الارتكان للخيار العسكري، بما يعني أنها حاولت من خلال ذلك الرد على التصريحات الأخيرة التي أدلى بها بشار الأسد، وفرض ضغوط مضادة على موسكو التي بدأت خلافاتها مع الأسد، وإيران، تتسع تدريجيًا في الفترة الأخيرة.

 

كلنا شركاء

Leave A Reply

Your email address will not be published.